لماذا نزل عبد الكريم قاسم في (منهول) المجاري؟
لماذا نزل عبد الكريم قاسم في (منهول) المجاري؟


بقلم: حسن الخفاجي - 26-03-2017
قال نابليون بونابارت عن فن القيادة : "لا نحكم شعبا الا بان نريه المستقبل".
أخذ الزعيم الخالد عبد الكريم قاسم الشعب معه في رحلته الشاقة بين أدغال المتآمرين ومطبات الطامعين من بقايا الإقطاع والانكشارية . لقد كان منا وفينا وبيننا وكدنا نرى شروق شمس أمل لعراق جديد يحضن حاضره وماضيه المشرق ويسير بخطى ثابتة ومستقرة نحو المستقبل ، لكن خفافيش الظلام خافوا شروق شمس تموز ، فاغتالوا القائد بتقلبات طقس شباط . وقمعوا الشعب وكبلوا أيادي الثوار.

من تحيط بشخصه وسيرته القصص والحكايات والأساطير ، فانه حتما شخصا له منزلة خاصة جدا بين الناس . وهكذا هو شخص الزعيم الخالد عبد الكريم قاسم وسيرته العطرة.

كتب لي صديقي الاستاذ سلام الدليمي رسالة فيها حكاية عن الزعيم عبد الكريم قاسم ، اعتقد ان اغلب محبي الزعيم لم يسمعوا بها من قبل: كتب الاستاذ سلام (كان المهندس المرحوم مهدي القيّم اول مدير عام للمجاري ، الدائرة التي تشكلت في العام ١٩٥٨ بعد ثورة تموز . كان المهندس القيّم مسؤولي في العمل في أمانة بغداد في العام ١٩٦٦. في أحد الأيام حدثني مهدي القيّم باكيا وهو يتذكر احد مأثر الزعيم الخالد .قال القيم: بأمر الزعيم باشرنا بانشاء أول خط رئيسي لمجاري المياه الثقيله وهو (خط شطيط) الموازي للسده الشرقيه، للقضاء على المستنقعات الآسنه ، التى شيد الفقراء صرائفهم حولها. لقد كانت متابعة الزعيم لنا شبه يوميه اثناء تنفيذ المشروع . قبل الانتهاء حدث تخسف بجزء من خط المجاري قرب مستشفى الجملة العصبيه الحالي . تألم الزعيم جدا وطلب الاصلاح بكفاءة وسرعة . تم إكمال الاصلاح عصر أحد الايام الممطره ، في الليلة ذاتها عند منتصف الليل طرقت باب داري الكائنه في الكراده شارع البوليسخانه . فتحت الباب شاهدت شخصا بملابس عسكرية ، طلب مني الذهاب معه . لم أكن اعرف الجهة التي استدعتني ولا اعرف السبب . وصلنا الى وزارة الدفاع وادخلوني على الزعيم. بعد الترحاب بي صعد الزعيم بسيارة مع المرافق حافظ علوان وانا بسياره تتبعه. لم أكن أعلم الى أين نحن ذاهبون ، الى ان وصلنا الى منطقة التخسف . نزل الزعيم من السيارة وطلب رفع غطاء حوض التفتيش الرئيسي أي "المنهول". نزل في "المنهول" وطلب منا النزول بعده للمجرى العميق وبيده تورج لايت ، رجوناه انا والمرافق حافظ أن لا ينزل للخطوره من الغازات السامه المتجمعه ، فرفض ونزل ، ونحن نتبعه ممسكين بقبضات الحديد في المنهول بصعوبة . أخذ يمشي على حافة المجرى ويدق عليه بقوه وخاطب المجرى بصوت عالي: "ولك بعد لا تنخسف خلي المواطنين يتخلصون من القذارات والامراض ، سمعتني لا تنخسف لا تنخسف " .

انتهت حكاية الاستاذ سلام والمهندس الراحل مهدي القيم مع الزعيم الخالد.

نزل ​في "منهول" المجاري العامة بنفسه وهو رئيس أعلى سلطة تنفيذية في العراق . عاش مع الفقراء وحقق طموحات معظمهم . كان معهم في معاناتهم وزار أسواقهم وافرانهم ومدارسهم ومستشفياتهم وحتى افراح وأحزان البعض منهم . نزل اليهم والى مجاري مياههم الثقيلة، لكنهم رفعوه لمصاف الاولياء والرسل .

صعد غيره على جماجم وأجساد مظلومية المعذبين وتربعوا على القمة وأداروا ظهورهم لمن كانت أضلاعهم درجات سلم أوصلتهم الى قمة السلطة ، لكنهم رسبوا في امتحان تجسير طريق العودة الى الشعب ، وظلوا كالسجناء في قلاع بنوها بمال مسروق وسكنوها ، وبعضهم سكن بقلاع طاغية زائل . صحيح انهم ربحوا السلطة والمال ، لكنهم نزلوا الى حضيض لا يسكنه غير الطغاة البغاة البعيدين عن الشعب .

سحل العراقيون الكثير من أهل السلطة من قبل واعدم اخرون ، لكن الساسة اللصوص لم يتعضوا بعد . سمعوا من القران الكريم الى نصيحة من ابن نوح: "ساوي الى جبل يعصمني من الغرق" ولم يستمعوا الى قول الله تعالى: "وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ" .

تَرَكُوا دين محمد ص واستقامة علي ع وعدالة عمر رض خلف ظهورهم . يا لكذبهم وهم يتكلمون عن الإصلاح وهم يسكنون قصور يزيد وينافسون فرعون في ملكه . فاق بعضهم هارون الرشيد في مغامراته النسائية ، ووصل بعضهم الى مصاف السلطان العثماني سليمان القانوني بولعه بالنساء .

لقد تَرَكُوا الشعب لمصيره ، كأبي ذَر الذي حرض الجياع على الثورة وكان مصيره الموت منفيا .

"سلام لأرض خلقت للسلام وما رأت يوماً سلاماً"

25/3/2017
[email protected]



Advertise on Sotaliraq.com? Click here for more information!

Copyright © 1998-2017 Sotaliraq.com - All rights reserved / جميـــع حقـوق الطبع والنشر محفوظة لصوت العراق
Home | News & Reports | Articles | Privacy Policy | Contact Us

Google