المنبر الاسلامي ثقافة بناء أم هدم؟
المنبر الاسلامي ثقافة بناء أم هدم؟


بقلم: رفعت الزبيدي - 30-03-2017
عراق المستقبل للدراسات والبحوث التنموية

يُعد المنبر الاسلامي واحداً من أهم ملامح الهوية الاسلامية في خطابها الموجه الى الرأي العام. فعندما نرى خطيباً يعتلي المنبر نجد صمتاً يخيم على المكان او هالة من الاحترام الى الخطيب وهو يعتلي المنبر للتحدث الى الجمهور. أهمية المنبر تأتي من الموروث التقليدي في المجتمعات الاسلامية أنه يمثل منبر نبي الاسلام محمد بن عبد الله ( ص ) وكل من جاء من بعده ممن يُصطلح عليهم بخليفة رسول الله يعتلي المنبر ليخطب في الناس. أصبح رمز اسلامي مقدس ونجد تصرفات كثير من الخطباء توحي بقدسيته عندما يروم الصعود والجلوس على المنبر يقوم الخطيب بتقبيل خشبة المنبر. وتطلب منه الكرامات والنذور استحضاراً لمايسمونه بكرامة النبي وأهل بيته بالنسبة لأتباع الطائفة الشيعية. أيضاً نجد أن السلطات الحاكمة دائماً ماتعين خطباء يتحدثون وفق النظام الحاكم فيمجدونه في نهاية خطبتهم يوم الجمعة ضمن ماتعرف بصلاة الجمعة او المناسبات الدينية. وقد كُتب عنهم في مؤلف جدير بالمطالعة من قبل عالم الاجتماع العراقي د.علي الوردي ( وعاظ السلاطين ). والعراق كانت مصادر خطابه التوجيهي وفق سياسة النظام السابق وبعد العام 2003 تحولت آليات الخطاب المنبري ضمن الفوضى العارمة التي اجتاحت العراق فهو تجارة مربحة للجماعات الارهابية او الجماعات الحزبية في مراحل الانتخابات او التسويق لخطباء أفرزتهم الأوضاع الجديدة في العراق. كل يستخدم ادواته ومعلوماته لتسويقها الى الرأي العام. أود أن ألخص فكرة المقال هل أن المنبر الاسلامي ثقافة بناء أم هدم في المجتمع على النحو التالي /

1- وعاظ السلاطين / يمثلون النظام السياسي الحاكم وهذا مانلمسه في خطب صلاة الجمعة الرسمية التي تنقلها وسائل الاعلام المرتبطة بالأنظمة الحاكمة . هؤلاء يمثلون التسويق الديني للنظام الحاكم باعتباره ولي أمر المسلمين واتباعه واجب مهما كانت طبيعة النظام سواء كان براً أم فاجراً ، ظالماً أم عادلاً.

2- خطباء الفتنة / هؤلاء ارتداد لواقع سياسي جديد أفرزته أحداث مايُسمى ( الربيع العربي ) لاحظنا مهازلهم في ماكانوا ييحدثون به الى الجمهور من المسلمين سواء من أتباعهم او المتعاطفين معهم من قبيل أن رسول الله جاء في المنام وحان وقت الصلاة فطلب النبي أن يتقدم الرئيس المصري المخلوع محمد مرسي ليصلي في الناس . أو عند انتخابات البرلمان العراقي عام 2004 كثير من الخطباء الشيعة كانوا يحثون الناس لانتخاب اتباع اهل البيت وان فاطمة الزهراء حزينة لأن اتباعها لاينتخبون القائمة ( 555 ) الشيعية ( هذه القائمة جرٌت الويلات والخراب على المناطق الشيعية بسبب فشلهم في ادارتها مع الوزارات والبرلمان ايضا وتورطهم في ملفات الفسادين المالي والاداري ) . مثال آخر ماكان يعرف بساحة الاعتصام في مناطق الرمادي والحويجة خلال الولاية الثانية من رئاسة نوري المالكي للحكومة العراقية. هؤلاء أيضا أقحموا النبي في روايات الاحلام وتبريكاته لهم في اعتصامهم آنذاك ثم تبين أن هؤلاء يرتبطون بماعرف بالقاعدة وبعد ذلك داعش الارهابية مستغلين الظروف السيئة لأبناء المناطق الغربية من العراق بسبب سياسة التهميش ضدهم من قبل زعمائهم .

3- خطباء التجهيل / هؤلاء لايرتبطون بمرحلة زمنية او ظرف انما ينشطون ويتكاثرون حسب الواقع السائد في المجتمع . راجت بضاعتهم بعد العام 2003 يستغلون الاحداث لينفثوا من خلالها الى عقول الجمهور خصوصا في أهم المناسبات الدينية كعاشوراء. مستغلين حماسة الجمهور للحضور الى هكذا تجمعات دينية وغالبية الحضور من الفئات العمرية الناشئة من الفتيان والشباب.

4- خطباء الكراهية / هؤلاء مزيج من خطباء الفتنة والتجهيل . لغتهم المستخدمة لغة التعميم تارة يستخدم النقد ضد مظاهر فساد الدولة والمجتمع وتارة اخرى يروج لثقافة الكراهية ضد قومية أو طائفة دون أخرى.

يستغلون أحداثاً يكون طرفاً فيها حزب سياسي او شخصية سياسية فيُعمَم الخطاب الى كراهية ضد قومية كما استمعت الى حديث للخطيب ( سعد المدرس ) معمماً نقده ضد الكرد وبطريقة مبتذلة يفترض أن يُقاضى على لغته تلك.

لو جمعنا هذا التقسيم ( وعاظ السلاطين ، خطباء الفتنة ، خطباء التجهيل ، خطباء الكراهية ) نستخلص الأمر بخطورة المرحلة القادمة باعتبار أن ثقافة المجتمع ثقافة سماعية يروج لذلك التقسيم من خلال مواقع التواصل الاجتماعي وليست ثقافة بحثية يراجع من خلالها المتلقي المصادر الرصينة والاكاديمية . بالاضافة الى ان القنوات الفضائية هي من تروج لتلك المصادر المقسمة يوميا في زاوية من برامجها ( المنبر الاسلامي او الحسيني ) وهؤلاء لهم جمهورهم ومروجيهم من خلال مقاطع الفيديو المنتشرة في وسائل التواصل الاجتماعي. السؤال كيف نحصن المجتمع او هل من وسائل معينة لحماية المجتمع من هؤلاء؟

عادة في الدول المراعية لاحترام الأديان والتنوع العرقي والفكري نجد ثمة قوانين وتشريعات تحد من انتشار هكذا خطاب او ثقافة مفككة لوحدة المجتمع . في العراق وهو المعني من مقالي هذا ، لاتوجد هكذا تشريعات تحصن كرامة الانسان وعقله ، فالدولة منقسمة طائفيا وقوميا ضمن صلاحيات ونفوذ كل مجموعة سواء كانت ( شيعية ، سنية ، قومية ) وليس من مصلحة من يقودون العملية السياسية بعد العام 2003 سنٌ تشريعات تحارب التمييز الطائفي او العرقي ، لأن ديمومة وبقاء هؤلاء يكمن في رفعهم شعار الدفاع عن أهل السنة والجماعة او ( الكردايتي ) او الشيعة وهكذا وان بدأوا في المرحلة الحالية رفع شعار الوطنية لكنهم يغازلون في نفس الوقت توجه الشارع القومي والطائفي . في موازاة ذلك لابد من وجود تيار وطني يحذر الدول المعنية بالملف العراقي من خطورة هكذا خطاب هدٌام بالتأكيد يرتد على شعوبهم كما يستشعرون خطورة التطرف الاسلامي على مجتمعاتهم وأمنهم القومي في اوربا والولايات المتحدة. أقول أن المنبر الاسلامي فكك الشعوب الاسلامية والحق بها شرخاً في عاداتها وتقاليدها وأثر سلبا في حركة وعي جيل الشباب الذي لابد من اعادة تنظيمه نفسياً وذهنياً ليميز مايسوق له في خطب من يرتقونه باسم نبي الاسلام او اهل بيته وأصحابه.



Advertise on Sotaliraq.com? Click here for more information!

Copyright © 1998-2017 Sotaliraq.com - All rights reserved / جميـــع حقـوق الطبع والنشر محفوظة لصوت العراق
Home | News & Reports | Articles | Privacy Policy | Contact Us

Google