66 القتال في القرآن 5/6
66 القتال في القرآن 5/6


بقلم: ضياء الشكرجي - 06-04-2017
[email protected]

www.nasmaa.org

هذه هي الحلقة السادسة والستون من مختارات من مقالات كتبي في نقد الدين، حيث نكون مع المقالات المختارة من الكتاب الثالث «مع القرآن في حوارات متسائلة»، وتكون ست حلقات، هذه الخامسة منها، تتناول القتال في القرآن، تعود إلى 2001 يوم كنت مؤمنا بالإسلام، مدافعا عنه. ومناقشتي اليوم لأفكاري يومئذ ستكون بين مضلعين [هكذا].


هل هناك إمكانية نسخ المقيد بالإطلاق؟:

بالرغم من أن النسخ حسب الفهم الخاطئ الشائع لا وجود له [حسبما كنت أذهب إليه كفهم فلسفي سأوضحه، والذي هو صحيح بالضرورة العقلية، لكن فقط مع التسليم بإلهية مصدر القرآن]، أي ليس هناك حكم شرعي تم نسخه بغيره، بل هناك أحكام تكميلية، نزلت وفق قانون التدرج، وهذا لا يتعارض مع القول بصفة المرونة للشريعة مما يسمح لها أن تواكب حركة العصر ومتغيرات الواقع من عناوين ثانوية وقواعد فقهية وأصولية تسمح بهذه المرونة، أقول بالرغم من عدم وجود النسخ بهذا المعنى - حسب فهمي -، نعلم بإجماع علماء الأصول [لا أدري ما إذا كان جميع علماء الأصول يتبنون ذلك] أن التقييد هو الحاكم على الإطلاق، والتخصيص هو الحاكم على التعميم، ولذا لا يمكن للمطلق أن ينسخ المقيد، بأي حال. من هنا يبقى المقيد هو صاحب الكلمة الفصل فيما يجوز ولا يجوز. [بعد عقد من إلقاء هذه المحاضرة، أضفت هامشا، وأنا ما أزال حينها أعتمد الإسلام دينا إلهيا، ولكن ضمن منهجي الذي أسميته بتأصيل مرجعية العقل هذا نصه: أعتقد اليوم خلاف وقت كتابة هذا البحث بوجود النسخ للأحكام، وهذا دليل على تغير الأحكام الشرعية ذات البعد الاجتماعي، إذ أن تغير بعض الأحكام في فترة أكثر من عقدين بقليل دليل على أن النسخ جائز، والثابت هو مبادئ الأحكام. وبالتالي يكون إخضاع مثل هذه الأحكام للمبادئ يؤدي إلى القول بعدم جواز مقاتلة أناس بسبب اختلافهم في العقيدة، لمخالفة ذلك لآيات المبادئ. وهذا المعنى التفت إليه بفضل قراءتي لكتاب «الإسلام المدني» لأحمد القبانجي، ولاحقا كتاب «نظريات الحكم في الفقه الشيعي» لمحسن كديور (كديڤر) سجين سجن أوين (أڤين) في إيران. الرؤية الأولى كانت على ضوء يقيني بأن القرآن وحي إلهي، ولامتناع أن ينزل الله عندي حكما، تحصل عنده من بعد ذلك إعادة نظر فيه، فيستبدله بغيره، ولذا كنت أرفض النسخ بالمعنى السائد، فتحريم الخمر في مرحلة متأخرة عن النهي بإتيان الصلاة في حالة السكر، لم تنسخ - حسب فهمي آنذاك - الحكم الأول، بل أكملته بحكم آخر مكمل وليس بديلا، فحتى لو ارتكب المسلم الملتزم مخالفة شرعية بشرب الخمر، فبقطع النظر عن كونه ارتكب وفق الشريعة الإسلامية محرما بشربه للخمر، يجب عليه الامتناع عن الصلاة في حالة السكر، فلو صلى وهو سكران، تكون صلاته باطلة، ويكون قد خالف ثلاثة أحكام شرعية، الأول أنه شرب الخمر، الثاني، أنه صلى وهو سكران، والثالث أنه تسبب في أن يفوّت وقت الصلاة، لكون صلاته في حالة السكر باطلة، ففي الحالتين، لو التزم بالانتهاء عن الصلاة وهو في حالة السكر، أو ارتكب حرمة ثانية بالصلاة سكرانا، يجب عليه إعادة صلاته، فإذا اضطر أن تكون إعادته لصلاته عند زوال السكر بعد فوات وقت الصلاة، يكون قد تسبب بشرب الخمر في تفويت وقت صلاته. أما الرؤية الثانية التي اعتمدتها في وقت لاحق، والتي تقر بوجود نسخ في الأحكام، فكانت عندما اعتمدت التفريق بين جوهر الدين الثابت، وشكله المتغير، وأن كُلّ أو جُلّ الأحكام الشرعية ذات البعد الاجتماعي والسياسي متغيرة بتغير الزمان والمكان، ولو إن هناك ما يناقض هذه الرؤية، كالحديث النبوي بكون حلال محمد حلالا إلى يوم القيامة وحرام محمد حراما إلى يوم القيامة، كما هو الحال مع الأحاديث التي تنهى عن الإحداث في الدين، وتعدّه بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. فمن هنا قد يكون التفسير المتشدد للقرآن والقائل بأن ما يسمى بآيات السيف قد نسخت آيات السلام والتسامح والتصالح، يمكن أن يكون هو مراد مؤلف القرآن، أو هو تعمد أن يجعله حمّال أوجه كما عبر عليّ. واليوم بعدما ثبت لي أن الإسلام ليس وحيا إلهيا، فالنسخ أمر مفهوم لدي من قبل إنسان تتجدد عنده القناعات، أو تظهر له أمور تستوجب إعادة النظر، لم يكن قد التفت لها أول وضعه للحكم المنسوخ لاحقا، ولذا لم يثبت على قاعدة، فهو تارة يؤسس لقاعدة الثبات إلى يوم القيامة، وأن كل إحداث تغيير أو تجديد هو بدعة مآل صاحبها نار جهنم، وتارة أخرى يؤسس لقاعدة النسخ، أي التبديل والتغيير وإعادة النظر. وعموما فالنسخ يمكن أن يفسر بشكل إيجابي يوحي بمرونة الشريعة، لكن هذه ينقضه الحديث النبوي «حلال محمد حلال إلى يوم القيامة وحرام محمد حرام إلى يوم القيامة»، وكذلك «كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار»، ولكن يمكن أن يفسر إن مؤسس الإسلام كان ينسخ حكما بحكم آخر، وفق ما تتكون له من قناعة جديدة، أو وفقا لظروف الضعف والقوة التي تمر فيها دعوته.]

متى لا يجوز القتال أصلا ومتى يجب إيقاف القتال القائم

هنا نتناول الآيات التي تبين الحالات التي لا يجوز للمسلمين فيها مقاتلة غير المسلمين، ومن ثم الآيات التي توجب وقف القتال القائم.

آيات النهي عن القتال:

سورة النساء – الآيات 89 إلى 91:

«... فإِن تَوَلَّوا فَخذوهُم وَاقتُلوهُم حَيثُ وَجَدتُّموهُم، وَلا تَتَّخذوا منهُم وَليًّا وَّلا نَصيرًا، إلَّا الَّذينَ يَصلونَ إِلى قَومٍ بَينَكُم وَبَينَهُم ميثاقٌ، أَو جاؤوكُم حَصُرَت صُدورُهُم أَن يُّقاتِلوكُم أَو يُقاتِلوا قَومَهُم، وَلَو شاءَ اللهُ لَسَلَّطَهُم عَلَيكُم فَلَقاتَلوكُم، فَإن اعتَزَلوكُم فَلَم يُقاتِلوكُم، وَأَلقَوا إليكُمُ السَّلَمَ، فَما جَعَلَ اللهُ لَكُم عَلَيهِم سَبيلاً.»

الله [حسب القرآن] ينهى هنا عن مقاتلة من تنطبق عليه المواصفات الآتية:

1. «الَّذينَ يَصِلونَ إِلى قَومٍ بَينَكُم وَبَينَهُم مِّيثاقٌ»: أي الذين يلجأون إلى قوم تربطكم بهم معاهدة صلح.

2. «أَو جاؤوكُم حَصُرَت صُدورُهُم أَن يُّقاتِلوكُم أَو يُقاتِلوا قَومَهُم»: أو الذين يلجأون إليكم، ويعلنون الحياد في الصراع القائم، فلا يريدون لا مقاتلتكم، ولا مقاتلة قومهم.

3. «فَإِنِ اعتَزَلوكُم فَلَم يُقاتِلوكُم، وَأَلقَوا إِلَيكُمُ السَّلَمَ، فَما جَعَلَ اللهُ لَكُم عَلَيهِم سَبيلًا»: أي الذين يعتزلون القتال ضدكم، ويبدون الرغبة بالتعايش السلمي معكم. [هذه من النصوص الجميلة التي تؤسس للسلام، لكن المشكلة هو وجود التعارض بين النصوص، ووجود الناسخ والمنسوخ والاختلاف فيه، ووجود المحكم والمتشابه والاختلاف فيه كذلك، مما يضيّع على الباحث الأمر، ويعطي للفقهاء والمفتين والمفسرين وقادة ومنظري الإسلام السياسي المجال الواسع للاجتهادات التي لا تُحصى، ففريق يفسر ويشرع باتجاه الكراهة والعداوة والعنف والحرب، وفريق باتجاه التسامح والسلام، وعشرات الرؤى بين ذا وذا.]

سورة الأنفال – الآيتان 38 و39:

«قُل لِّلَّذينَ كَفروا إِن يَّنتَهوا يُغفَر لَهُم ما قَد سَلَفَ، وَإِن يَّعودوا فَقَد مَضَت سُنَّةُ الأَوَّلينَ. وَقاتِلوهُم حَتّى لا تَكونَ فِتنَةٌ، وَّيكونَ الدّينُ للهِ، فَإِنِ انتَهَوا فَإِنَّ اللهَ بِما يَعمَلونَ بَصيرٌ.»

أسباب وجوب إيقاف القتال هنا هي:

- «إِن يَّنتَهوا يُغفَر لَهُم مّا قَد سَلَفَ»، «فَإِنِ انتَهَوا فَإِنَّ اللهَ بِما يَعمَلونَ بَصيرٌ»: مجرد الكف عن القتال من قبلهم.

سورة البقرة – الآيتان 192 و193:

«فَإِنِ انتَهَوا فَإِنَّ اللهَ غَفورٌ رَّحيمٌ. وَقاتِلوهُم حَتّى لا تَكونَ فِتنَةٌ، وَّيكونَ الدّينُ كُلُّهُ للهِ، فِإنِ انتَهَوا فَلا عُدوانَ إِلّا عَلَى الظالِمينَ.»

الأسباب الموجبة هنا لوقف القتال هي:

1. «فَإِنِ انتَهَوا فَإِنَّ اللهَ غَفورٌ رَّحيمٌ»، «فَإِنِ انتَهَوا فَلا عُدوانَ إِلّا عَلَى الظّالِمينَ»: إذن كفّهم هم عن القتال يوجب كفّ المسلمين عنهم. [لكن هنا تُبقي عبارة «حَتّى يَكونَ الدّينُ كُلُّهُ لله»، وبالذات عبارة «كُلُّهُ»، الباب مفتوحا أمام الاجتهادات المنطلقة من نزعة التطرف والعنف وكراهة وإلغاء الآخر المغاير.]

2. «وَقاتِلوهُم حَتّى لا تَكونَ فِتنَةٌ»: أي لغاية انتهاء ملاحقة واضطهاد وإيذاء المسلمين. [لكن ألا يمكن أن تكون العقائد المغايرة للإسلام تعبيرا آخر عن مفهوم الفتنة، كون العقائد الفاسدة يمكن أن تكون مما يُفتَتَن به، فتكون سببا لضلال المسلمين، بعد أن اهتدوا إلى الإسلام، ويكون بالتالي جعل انتهاء الفتنة حدا لإنهاء القتال بمعنى مواصلة القتال حتى إنهاء كل عقيدة وكل فكر يكون بمثابة الفتنة للمسلمين؟ وألا تكون الكتابة في نقد الدين لونا من ألوان الفتنة؟]

3. «يَكونَ الدّينُ كُلُّهُ للهِ»: أي لغاية ما يستعيد المسلمون حرية الاعتقاد والتعبير عنه بشكل كامل. [لكن ألا يعني تأكيد ذلك بعبارة «كُلُّهُ»، ألّا يكون هناك مجال لأي دين آخر؟ إذ أن يكون الدين كله لله، يعني أن تكون الساحة كلها للإسلام ولنبي الإسلام؟ وهناك من النصوص القرآنية ما يؤيد ذلك، أكتفي بذكر نصين «إِنَّ الدّينَ عِندَ اللهِ الإِسلامُ» و«مَن يَبتَغِ غَيرَ الإِسلامِ دينًا فَلَن يُّقبَلَ مِنهُ»، ولو إنهما من المتشابهات التي يذهب فيها المفسرون طرقا ومذاهب شتى.]

سورة النساء – الآيات 89 إلى 91:

«فَإِنِ اعتَزَلوكُم فَلَم يُقاتِلوكُم وَأَلقَوا إِلَيكُمُ السَّلَمَ فَما جَعَلَ اللهُ لَكُم عَلَيهِم سَبيلاً.»

هنا سبب وجوب وقف القتال هو:

«فَإِنِ اعتَزَلوكُم فَلَم يُقاتِلوكُم، وَأَلقَوأ إِلَيكُمُ السَّلَمَ»: وهذا واضح كالذي قبله.[سواء في تأويله الإيجابي أو تأويله السلبي.]

سورة الأنفال - الآيتان 38 و39:

«قُل لِّلَّذينَ كَفَروا إِن يَّنتَهوا يُغفَر لَهُم ما قَد سَلَفَ، وَإِن يَّعودوا فَقَد مَضَت سُنَّةُ الأَوَّلينَ. وَقاتِلوهُم حَتّى لا تَكونَ فِتنَةٌ وَّيكونَ الدّينُ كُلُّهُ للهِ، فَإِنِ انتَهَوا فَإِنَّ اللهَّ بِما يَعمَلونَ بَصيرٌ.»

وهنا أيضا نجد الأسباب الموجبة لوقف القتال كسابقاتها من الآيات:

1. «إِن يَّنتَهوا يُغفَر لَهُم ما قَد سَلَفَ»، «فَإِنِ انتَهَوا فَإِنَّ اللهَ بِما يَعمَلونَ بَصيرٌ». [تبقى العبارات مبهمة وقابلة للتأويل وتعدد الفهم والاجتهاد، فمثلا لا ندري ما المقصود بـ «يُغفَر لَهُم»، هل هي المغفرة بمعنى تسامح المسلمين معهم والعفو والكف عنهم، أم هي المغفرة الأخروية، ونحن نعلم إن المغفرة الأخروية لا تُستَحَقّ إلا بالتحول إلى الإسلام، مما قد يعطي الفرصة لبعض الفقهاء أن يستنبطوا حكما شرعيا بعدم إيقاف مقاتلة (الكفار) أي غير المسلمين، ما لم يشهدوا بالشهادتين ويُشهروا إسلامهم؟]

2. «حَتّى لا تَكونَ فِتنَةٌ».

3. «يَكونَ الدّينُ كُلُّهُ للهِ» [سبق وسجلنا تساؤلاتنا وتحفظاتنا على عبارة «ويكون الدين كله لله» وكذلك على معنى (الفتنة) كمصطلح متعدد المعاني قرآنيا.]

استغنينا عن شرح الأسباب لمطابقتها لما مر من آيات تشبهها في المضمون.

سورة الأنفال – الآية 61:

«فَإِن جَنَحوا لِلسِّلمِ فَاجنَح لَها وَتَوَكَّل عَلَى اللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّميعُ العَليمُ.»

هنا سبب وجوب وقف القتال:

«فَإِن جَنَحوا لِلسِّلمِ»: الجنوح هو إظهار الميل للسلام، ووقف نزيف الحرب، فهذا موجب للمقابلة بالمثل في إظهار الرغبة في السلام، وإيقاف نزيف الحرب ومآسيها وويلاتها. [مآسي الحرب وويلاتها تشمل الطرفين، فهل يا ترى الجنوح للسلم من قبل كل من الفريقين، المسلمين من جهة والمشركين من جهة أخرى؛ هل يا ترى لو كانت المآسي والويلات والضحايا والخسائر مما يصيب العدو حصرا، دون أن يمس الطرف الآخر، فهل كان المسلمون سيجنحون للسلم أو يستجيبون لرغبة السلم التي يبديها المشركون، وكذلك نسأل هل كان غير المسلمين من مشركين أو غير مشركين سيجنحون للسلم لو ضمنوا تحقيق الغلبة ضد المسلمين، بدون خسائر أو بخسائر محدودة؟ الشكوك المؤيدة من الكثير من الشواهد والمؤشرات تحوم هنا حول كلا الفريقين.]

سورة التوبة – الآيتان 5 و6:

«فَإِذَا انسَلخ الأَشهُرُ الحرُمُ فَاقتُلُوا المُشرِكينَ حَيثُ وَجَدتُّموهُم، وَخُذوهُم وَاحصِروهُم وَاقعُدوا لَهُم كُلَّ مَرصَدٍ، فَإِن تابوا وَأقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلّوا سَبيلَهُم، إِنَّ اللهَ غَفورٌ رَّحيمٌ. وَإِن أَحَدٌ مِّنَ المُشرِكينَ استَجارَكَ فَأجِرهُ حَتّى يَسمَعَ كَلامَ اللهِ، ثُمَّ أَبلِغهُ مَأمَنَهُ، ذالِكَ بِأَنَّهُم قَومٌ لّا يَعلَمونَ.»

وهنا نجد الأسباب الآتية لوجوب وقف الحرب:

1. «فَإِن تابوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلّوا سَبيلَهُم»: الإقلاع عن أعمالهم العدوانية والدخول في الإسلام. قد يُشكِل البعض [وبحق] بإجبار المشركين على إشهار إسلامهم، ولو شكليا. والجواب أن هذا حكم خاص بمشركي مكة في زمن الرسالة، وليس حكما عاما. [حتى كونه حكما خاصا ليس بمبرر، فهنا (إكراه) على الإسلام و(إكراه) على النفاق، وإلغاء لمبدأ «لا إِكراهَ فِي الدّينِ»، فهي دعوة للمشركين أن ادخلوا الإسلام، ولو من غير قناعة، فالإسلام يستقبل (المنافقين) من جهة، مع إنه هو الذي أكرههم على النفاق، ثم يكيل لهم من جهة أخرى كل أنواع اللعن والوعيد التي يمتلئ بها القرآن، فهم «فِي الدَّركِ الأَسفَلِ مِنَ النّارِ»] ثم إن المسلمين كانو قد عرضوا عليهم التعايش السلمي، ولكنهم أصروا لأكثر من عقدين على اختيار العنف وسيلة لمواجهة الدين الجديد، ومارسوا كل ألوان الاضطهاد والمحاربة [هذا حسب التاريخ الذي دونه المسلمون، ومع هذا هناك ما يشير إلى بدء المسلمين بالعنف، ولكن حتى مع التسليم برواية المسلمين، فكم لدينا في التاريخ من أمثلة تحوُّل الضحية إلى جلاد، والمظلوم إلى ظالم، والمناضلين من أجل التحرر أو التحرير إلى طغاة ومستبدين]، ومع هذا فهناك مرونة في هذا الحكم كما في الآية اللاحقة:

2. «وَإِن أَحَدٌ مِّنَ الُمشرِكينَ استَجارَكَ فَأجِرهُ حَتّى يَسمَعَ كَلامَ اللهِ، ثمَّ أَبلغهُ مَأمَنَه»: حيث يكفي استجارة المشرك برسول الله وطلب الأمان لديه، والاستماع فقط إلى كلام الله، دون أن يترتب على ذلك أثر ما بدليل «فَأجِرهُ»، و«ثُمَّ أَبلِغهُ مَأمَنَهُ»، و«بِأَنَّهُم قَومٌ لّا يَعلَمونَ». [لا ينكر أن هذه الآية نموذج جميل للتسامح، لو سار القرآن على نهجه على طول الخط لكان أجمل، ومع هذا يطرح السؤال: لماذا يجب على المشرك أن يستجير ويطلب الأمان؟] ثم إن من آيات المبادئ أن «لا إِكراهَ فِي الدّين» [وبينت أن المبادئ التي يضعها القرآن فيما كنت أعدّه ما يمثل جوهر الدين، غالبا ما ينقضها في التفاصيل والتشريعات والسوك، أو عبر آيات لاحقة ناسخة لما قبلها، كهذه]، وهذا يستقيم مع «وَإِن أَحَدٌ مِّنَ المُشرِكينَ استَجارَكَ فَأجِرهُ حَتّى يَسمَعَ كَلامَ اللهِ ثُمَّ أَبلِغهُ مَأمَنَهُ» التي توحي بحرية الاعتقاد، وليس بالضرورة مع «فَإِن تابوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلّوا سَبيلَهُم» التي توحي بالإكراه على دخول الإسلام، بل يمكن أن يكون الإكراه هنا لمشركي قريش كما بينت حالة استثنائية، لا تعمم على عصر آخر، وعلى جغرافية أخرى. [هذا كان يمثل أمنيتي، ومن خلال ما بينته من وقوع فهمي آنذاك بين قطبي جذب متضادين، من جهة إيماني أن القرآن كتاب الله، ومن جهة ثقتي بأن الله لا يمكن أن يشرّع للقتل والقتال والعداوات والاحتراب بين الناس بسبب العقيدة. فمن يقول أن الإكراه على دخول الإسلام كان حكما استثنائيا؟ نعم هذا فهم للإسلام حمّال الأوجه، وفهم آخر في المقابل يتضادّ معه، بل قد ينقضه، ثم أليس هناك دعوة بمقاتلة أهل الكتاب الذين لم يقتنعوا بالإسلام وبقوا على دينهم، بنص: «قاتِلُوا الَّذينَ لا يُؤمِنونَ بِاللهِ وِلا بِاليَومِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمونَ ما حَرَّمَ اللهُ وَرَسولُهُ وَلا يَدينونَ دينَ الحقِّ مِنَ الَّذينَ أوتُوا الكِتابَ حَتّى يُعطُوا الجزيَةَ عَن يَّدٍ وَّهُم صاغِرونَ» أي أذلاءُ مهانون.]

وإلى الحلقة السادسة والأخيرة من هذا البحث.



Advertise on Sotaliraq.com? Click here for more information!

Copyright © 1998-2017 Sotaliraq.com - All rights reserved / جميـــع حقـوق الطبع والنشر محفوظة لصوت العراق
Home | News & Reports | Articles | Privacy Policy | Contact Us

Google