الغرب يتددعش
الغرب يتددعش


بقلم: هاني الحطاب - 08-04-2017
لم يكن قصدنا في هذه المقالة أن ننطلق من وجهة نظر أخلاقية ، فحين يكون الصراع بين قوى شرسة ، وصراع حياة موت ، كصراع العبد والسيد لدى هيجل في سبيل نيل الأعتراف بالسيادة وقبول الآخرى بالعبودية ، تكون المناشدة الأخلاقية ، في هذه الحالة هي سلاح الضعيف الذي يريد أن يُحد من قوة القوي ويخضعه عن طريق الأخلاق كما عبر مواطن هيجل نيتشه فيما بعد . فالأخلاق في عالم يتصارع فيه على النفوذ والقوة هي صرخ في وادي ، لا تسمع ولا تجلب سوى السخرية . وبما أن بدأ لنا ما سنقوله هنا سيبدو وكأنه نداء اخلاقي او تذكير بها ، فأن ما قصدنا توضيح هو أن أن أطراف الصراع يبرون عدوانهم وهجومهم في عبارات اخلاقية ويرفعون شعارات اخلاقية بقصد الخداع والتمويه كجزء وتبرير لعداوانهم . وبما أن لتلك الشعارات التي يرفعوها لها تاريخ وكانت جزء من ذلك الخصم . فحبين أن نذكر بتاريخها والظروف التي ولدة ، فيها وعلى مدى تأثيرها وكيفت توظيفيها لخدمة أهدافه بعيدة عنها . ولهذا ، علينا أن نضعها في نصابها التاريخي .

فبادئ ذي بدء ، فمن وجهة نظر علمية لا يصح وصف شيء متحمرك بعبارات ثابته ، فالمتحرك يتغير ويبدل أماكنه فيما تبقى العبارات إذا لم يتم تنقيحها وتعديلها لتناسب معدل التغير والإزاحة قاصر ، وبتالي لا تعطي وصف مضبوط لحدث والواقعة . وإذا كانت تلك التعديلات متوفر لحد بعيد في العلوم الطبيعية ، لكونها لا تتعارض مع مصالح أجتماعية وفئات وطبقات بشكل مباشر ، غير أن هذه الحالة غائبة تماماً في العلوم الاجتماعية ، والسياسية على وجه الخصوص . ففي هذا العلوم مازال تستخدم نفس العبارات والمفاهيم التي استخدمت في فترة ما من حياة تلك المجتمعات ، وكأن تلك المجتمعات لم تعاني ولم يحدث فيها تغير وتبدل . فلا شك أن تطور هو بات ابرز ظاهر في عصرنا ، فلا شيء يبق على حاله لمدة طويلة ، رغم كل المظاهر التي قد تشير للظاهرة في أول أطوارها ونموها ، ولكن في الحقيقة حين نظر في عمق وعندما نتفحص تلك الظاهر بعمق نرى بان الكثير من المياه قد جرى من تحتها . وإذ كنا لحد الآن نتكلم بتجريد ، وبطريقة عامه ، ولم يبدو موضوع حديثنا ومرادنا واضح ، فدعنا نتكلم بشكل ملموس . معروف لممن لدية متابعة لما شهد الغرب من تحولات فكرية وأقتصاديه وأجتماعية ، ولما جعل لفتره من حياته الإنسان وحقوقه كقيمة عليا . فقد شهد في عصر التنوير وما تلاه من أعلى من قيمة الانسان وحقوقه والمطالبة في المساواة والعدلة والأخوة ، هذه القيم عمل الغرب على جعلها سمات مميزه للحياته وطرق عيشه وأنها ملازمه لكل مراحل وجوده . ونجح في جعل تلك النظرة سائدة على أنها أبرز معالمه في ارجاء العالم . فتلك الشعارات التي رفعتها النخبة المثقفة منه ، كانت في حقيقتها مجرد مثل وأحلام ولم تصبح حقيقة واقعة . لان بعد فترة شهد الغرب الفترة الأستعمارية ، التي ذهبت بتلك القيم أدراج الريح . ولكن مع ذلك بقت تلك الشعارات لصيقة في نعت الغرب . فكما تعلمنا من ماركس ، أن ليس الأفكار هي هي التي تحدد حياة الإنسان وإنما الحياة ، أو وضعها المعيشي ، بنيتها الأقتصادية هي التي تحدد أفكارها عن نفسها وعن العالم . هذا الصورة الزاهية عن الغرب هي الشائعة , اليوم ، ولكن الغرب ، في الحقيقة ، ليس كما يحاول أن يصور نفسه ، فهو ككل المجتمعات بقى منقسم على نفس ، وله ايدلوجيتين ، احداهما لا ترى في الإنسان سوى أداة وسيلة لنتاج الثروة والأستغلال ، وأخرى تنشد الحرية والمساواة ، ولكن ، الفئة الأولى هي التي سادة وهيمنة ، وبتالي ، كانت فكرتها ونظرتها للأخر ، هي التي أصبحت الأيدلوجية الرسمية لتلك المجتمعات . وعليه ، لا يمكن أخذ الصورة التي يصور به المرء نفسه ، على أنها عين الحقيقة . وإذا اتضح لنا الآن بعد هذه المقدمة المؤجرة عن سيرة الغرب ، التي هي سيرة معقدة وطويلة ، لا يمكن لأي مقالة تستوفي كل تفاصيلها الغنية ، بيد ما ردنا أن ننبه له هو فقط ، هو أن يضع القأرئ في ذهنه هذه الحقيقة عن الغرب ، حين يحاول فهم تصرف وردود فعل أزاء الأحداث وما يحدث في عالمنا الحالي ، وأن لا يرسم صورة رومانطيقة له ، كما يحولوا الغربيون أن يروا أنفسهم ، وأنما عليه أن يضعهم في سياق وضعهم الحالي ، الحافل في الصراع من أجل المصالح ، كماهو الأمر في بقية أنحاء العالم . فهم رغم كل الضجة التي أثاروها عن أنفسهم ، بقوا مشدودين بعنف إلى أحط المصالح الأنانية ، ولم يتعلموا، أو يأخدوا بما قال به فلاسفة التنوير والمصلحين الغربين ، فمثل هؤلاء ، كانوا في الواقع هم الخصوم والمعارضين لتلك الفئات الحاكمة اليوم والذين كانوا على نفس الشاكلة في الامس القريب . وهكذا يخرج الغرب تلك الصورة العتقية في كل مره يقوم بها بعمل عدوان في العالم ، لظاهر نفسه أنه حامل لواء حقوق الإنسان والمدافع عن الحرية والديمقراطية . وبالطبع لو أردنا سرد الأحداث والحروب التي شنها بِسْم الحرية وحقوق الإنسان لضاق بها المجال هنا . ولكن دعونا اختصار لوقت ، أن نأخذ أحدث ردود الفعل للغرب ، ضد العدوان على سوريا ، نحن هنا ، بالطبع ، نعني بمفهوم الغرب أن أمريكا مشمول بمفهوم به ، كما درج على استخدامه ، في المماهة بين الغرب وأمريكا . ، فقد تبين بلا لَبْس وبدون غموض أن ردود فعل الغرب عن ما يحصل، وسلوك البعيد بعد كبير عما يزعمه لنفسه في الدفاع عن عن حقوق الإنسان والديمقراطية . فهو هنا ، يسير عارياً ، بلا رتوش ، ولكنه , مع ذلك يحسب نفسه يسير بحله تستر قبح جسده ، لأنه ما زال يضح الشعارات القديمة فوق جسمه . فالغرب وأمريكا يشيح بوجه بعيداً ويصم أذان عن أي ندأ لا يشم من وراءه ربح أو مصلحه ويضرب بعرض الحائط أي حقوق للإنسان أو ديمقراطية تتعارض مع مصلحته . فكل المجازر والجرائم التي ارتكب بحق العراق أو سوريا ، اليمن ، ليبيا ، البحرين يتجاهلها ولا يود أن يسمع بها ، ما دامت تزعج ممؤليه بالمال والنفط . فنحن لو تجاهلنا رد أمريكا والغرب ، ضد مثل تلك الجرائم ، ونظر في رد فعله السريع والحازم أزاء ما حدث مؤخراً في سوريا ، من قصف في مواد كيماوي لم يعرف على وجه اليقين بعد فاعلها ، والتي هي بلا شك من فعل الدواعش ، فردود فعل الغرب وأمريكا عن هذا الحدث لا تترك ريب ولاشك ، بأنهم ، أناس مأمورين ومأجورين في ردود فعلهم . فلقد تجار الغرب وأمريكا بتلك الشعارات منذ زمن طويل ، وآن الأوان لفهم عدم مصداقيته في رفعها ، فيما هو ، هو ، في الواقع العملي ، يخدم الأرهاب والدواعش الذين تقودهم السعودية ودوّل الخليج . فقد فضح حدث خان شيخون الكيمياوي ، بأن فرنسا وبريطانيا غير معنين بهوية المسؤول الحقيقي ، مادام همهم المال ، الذي يجنى من وراءه ، لأنهم يعرفون حق المعرفة ، بأن الدواعش هم المسؤولين عنه والذي قد يكون كتبوا سيناريو معهم . فقد بدأ وكأنه أول جريمة ترتكب في المنطقة ، فقد مرت جرائم مأهولة لم تحرك أي ساكن في قادة الغرب ، ولكن مع هذا الحدث المفبرك ، صرخ الكل في اليويل والثبور لنظام السوري ، حتى بدون أن من يعرفوا من الفاعل ، وهم أصحاب الخبرة الطويلة في فبركة الدواعش لأحداث والجرائم ، هذه الدلائل كلها تجاهلوها وضعوها دبّر إذانهم ، ولم ينتظروا عما يسفر عنه التحقيق ، راحوا يعولون ويبكون على الضحايا . وسقوط طوعاً وعن سبق الإصرار في احضان الدواعش الذي لم يمر يوم دون أن يملؤه في الزعيق عن محاربتهم ،. فكيمياوي خان شيخون أسقط أقنعت الغرب وأمريكا في محارب الأرهاب الذين هم صناعه . والحقيقة المؤلمة ، في كل هذا ، هو أن أكثرية العرب ، باتو من الدواعش ، فالعرب تتداعشوا ، فأصبح من الصعب توجيه اللؤم للغرب وأمريكا وحدها . ولذلك ، يقف المرء متحيراً ، ولا يعرف لمن يصفق ، فقد أشكل علينا الوضع كما أشكل الإنسان على أبو حيّان التوحيد . غير أن يبق اصعب ما في الوضع الحالي ، هو وضع روسيا ورد فعلها ، فلا شك أن هذه الضربه اختبار مر إلى روسيا ، وردود فعلها ، لكونها أهانة مقصود لروسيا ، فروسيا كما علم الكل كان رد فعلها من الغارة الإسرائيلية عنيف ، لأنه اعتبر تحد لها ، وهي بالمثل سوف تقيس العدوان الأمريكي على سوريا على تلك الشاكلة . فلا يمكن تجاهل روسيا في سوريا وضربها في عز النهار دون أن يثير ذلك حفيظة روسيا . وبالطبع ستبقى هناك خيارات عديدة أمام روسيا ، فهي الآن أمام تحد قاس ، سوف يحطم سمعة روسيا ومكانتها ، ما لم ، تردع العدوان إذا أستمر ، ومن ثم تتجاهل كلياً من قبل أمريكاً مسقبلاً . فروسيا في موقف لا يحسد عليه الآن ، فهي أمام اختيار هملت تكون أو لا تكون ! وحينما يتجابه الروس والأمريكان فأن مصير العالم سيكون على كف عفريت وسيحفر قبر بيده . وعلينا . أن لا نتخيل أن هذا الشيء سيكون بعيد الأحتمال ، وأعني به أن عالمنا سيعلق مصيره بشعرة واهية . فإذا كان مصيرة العالم مرهون بيد معتوه أمريكا ، ترامب ، فلا شيء محال بهذه الحال ، أفعالمنا بات عالم يقود فيه المجانين العميان ، كما يقول شكسبير ، ونحن بأن انتظار أن نرى ، يعود فيه الإنسان يزحف على أربعة ! فلا بد الحرب بين وأمريكا سترجع الإنسان لبدايته !

هاني الحطاب



Advertise on Sotaliraq.com? Click here for more information!

Copyright © 1998-2017 Sotaliraq.com - All rights reserved / جميـــع حقـوق الطبع والنشر محفوظة لصوت العراق
Home | News & Reports | Articles | Privacy Policy | Contact Us

Google