المرأة، الحب ـ ـ ضوؤها الشاعر ! *
المرأة، الحب ـ ـ ضوؤها الشاعر ! *


بقلم: د. رضا العطار - 09-04-2017


اربعة شعراء في تاريخ الشعر العربي القديم اسسوا فن الغزل هم :
• عمر بن ابي ربيعة
• ابونؤاس
• بشار بن برد
• المتني
فكيف لعب كل واحد منهم هذه اللعبة، لكي نقارن بين هؤلاء الشعراء الاربعة وبين (نزار قباني) لاعبنا (الضوء) ؟ !
كان عمر بن ابي ربيعة صاحب دكان للغزل في مكة ! – وكان شاعرا غزليا (متخصصا) في طبقة معينة من النساء - - هي الطبقة الارستقراطية - -
فهو لم يسبق له ان احب امرأة فقيرة او قال شعرا في امرأة فقيرة.
وكان الحب بالنسبة له موسميا، كالاصابة بالبرد والزكام.
وكان ابو نؤاس شاعر المرأة - وشاعر كل النساء - - لقد كانت المرأة بالنسبة لابي نؤاس حضورا ثقافيا شامخا.
ولعبة المرأة بالنسبة لبشار بن برد كانت هي قارب النجاة الذي ركبه وعبر به التاريخ الفني والشعري – واستطاع ان يبقى معه ويرحل به كلما دعته الحاجة الى العبور النقدي والتقويمي.
اما المتنبي فهو لم يغزل شيئا ولم يقل غزلا بقدر ما كان تعامله مع المرأة تعامل شاعر مع شئ ما - - وسوف يظل افتقاد لعبة المرأة في شعر المتنبي السوس الذي ياكل حضوره الشعري شيئا فشيئا.

* دكان الغزل :
كان عمر بن ابي ربيعة شاعرا غزليا وعاشقا متميزا - - وتمييزه ينحصر في انه اتخذ من شعر الغزل دكانا يبيع فيه الهوى – والشعر لكل امرأة تريد ان تلعب مع الشاعر لعبة الرجل والمرأة - - فكما طلب الشعراء المرأة في السابق لكي تكون ( الملح ) الذي يحفظهم ويحفظ شعرهم من التلف والتآكل – فقد طلبت المرأة هذا الشاعر لكي يقول فيها شعرا غزليا، يحفظها على مر الايام من النسيان. فكان لبعض النساء ما اردن. فخلدت بعضهم واصبحن – بفضل الشعر – كمومياء الفراعنة. - - لقد ادرك الشاعر اهمية بضاعته. وفتح دكان شعري يبيع فيه الشعر للطلبات، داخل الحجاز.

يخيل الينا ان كثيرا من الحسان اللائي كن يتصدّين له ويشجعنه على التغزل بهن ونظم القصائد في وصفهن، انما كن يفعلن ذلك ارضاء لغرورهن وتنويها بجمالهن وحبا للتحدث باخبارهن ولا سيما المقبلات في الحج من خارج الحجاز – فقد كان يرضيهن بابيات تتساير بها الركبان ويفهم منها الاتراب انهن ذهبن الى الحجاز وخلبن الباب رجاله واطلقن السنة شعرائه في وصف جمال فتنتهن، وقل في الحسان من ليست تغتر بمثل هذا الغرور في زمان عمر ، وفي كل الازمان.

وقد كان صاحب (دكان الغزل) عمر، دكانا متخصصا في نسج الشعر الغزلي للطبقة الثرية في الحجاز. والغريب انه لم يصدف ان احب امرأة فقيرة او قال شعرا في امرأة جائعة - - انه كان صاحب نظرية (ألحب الطبقي) - - وهذا ما يقلل من مصداقية هذا الشاعر الفنية. فالشاعر الارستقراطي لا يحب ابنة الفلاح البسيط، كما نرى ذلك في الافلام المصرية.

لم يكبر ابونؤاس بخمرياته ولم يكبر بغلامياته ولم يكبر بتخريجاته الفلسفية ولا بسخريته ولا بعبثه واغترابه وتمرده ولا بزهدياته ولا بتشيعه ولا بتصوفه ولا بنرجسيته ولا بعقيدته السياسية ولا بدعوته الى الحرية والتوبة ولا بشخصيته المتميزة في تاريخ الشعر العربي، ولكن بعلاقته المتميزة بالمرأة.
لقد كان شعر ابي نؤاس في المرأة عبارة عن حياة أمّة وحقيقة عصر وتصوير النفوس بتعدد احاسيسها وتجاربها العقلية - - لقد قال هذا في الشعر مالا يمكن للفلسفة او العلم ان يقولانه عن عصر (ابي نؤاس)
فغزل ابي نؤاس لا محل فيه للكلام على وفاء العشاق بالمعنى الذي عرفه قراء الادب العربي من اخبار العذريين. فقد كانت بيئة ابي نؤاس بعيدة عن بساطة البداوة.
اذن فلقد كان هذا الشاعر بغزله وعشقه وحبه مرآة لعصره. فكل ما قاله ليس خيالا ولا اسقاطا كاذبا على مجتمع ينتسب الى المدينة الفاضلة. ولكنه كان شهادة عصر – وهذا هو الجديد لدى شاعر كُثر الجدل حوله، واخُضع لمقاييس نقدية غاية في التنوع والاختلاف.
ويذهب بعض النقاد الى ان عالمية الشاعر تكمن في اجادة الحديث عن شؤون القلب وشجونه لا عن قضايا العقل وجدلياته. ويبدو ان عظماء التاريخ كان اكثرهم عشاقا عظاما، لكنهم لم يكونوا اعظم من الشاعر العاشق. ولقد كان (ابونؤاس) شاعرا كبيرا، لانه كان عاشقا كبيرا.
واننا حين نريد ان نتكلم عن آفاق الغزل عند ابي نؤاس وفي مجتمعه، لا بد وان نشير الى بعض العناصر التي لعبت دورا كبيرا في تحديد اتجاهات الغزل في عصر ابي نؤاس. ومن ابرز هذه العناصر : ما كان من امتزاج العرب بالامم الاخرى من دور في انفتاح المجتمع العربي الاسلامي على الوافد الاجنبي الذي راح ينشر عاداته وتقاليده ومعتقداته في اوساط المجتمع العباسي.

ولعل دخول المرأة الاجنبية الى صلب المجتمع بترفها وبذخها وميلها الى التحرر المبالغ فيه، كان ايضا من العوامل الهامة التي اسهمت بالعديد من التحولات، ليس على الصعيد الاجتماعي فحسب وانما على الصعيد السياسي والادبي ايضا. ضف الى ذلك ميل بعض الخلفاء ومن لاذ بهم من امراء ووزراء وقادة الى حياة اللهو والترف. في ظل الوافد الاجنبي من النساء والغلمان الذين ملأوا الحياة العامة انذاك بالتحلل والاباحية.
إذن فأبو نؤاس لم يكن هو الشاعر الفاحش ولا الشاعر الداعر ولا الشاعر المتهتك، ولكن زمنه هو الذي كان زمن الفحش والدعارة والتهتك.
ان سوء حظ ابي نؤاس انه جاء في زمن الفساد السياسي العربي والفساد الاخلاقي العربي والفساد الاجتماعي العربي – ثم طُلب منه ان يكون قديسا في هذا المجتمع – يكتب كلاما مزورا ويدلي بشهادات شعرية فنية كاذبة.
فأبو نؤاس لم يخفق في الحب العذري، بقدر ماكان مجتمعه وزمانه زمن التهتك ولم يكن للعذرية فيه من موطن.
وابونؤاس لم يبتعد عن الرقي الى درجات الحب الصوفي، بقدر ما كان مجتمعه وزمانه غارقا في الماديات والمحسوسيات.
ولم يُرد هذا الشاعر ان يكون غريبا او مغتربا عن مثل هذا المجتمع، وهذا العصر.

* مقتبس من كتاب (المرأة، اللعبة، ضوؤها الشاعر) لنزار قباني




Advertise on Sotaliraq.com? Click here for more information!

Copyright © 1998-2017 Sotaliraq.com - All rights reserved / جميـــع حقـوق الطبع والنشر محفوظة لصوت العراق
Home | News & Reports | Articles | Privacy Policy | Contact Us

Google