الانتخابات البلدية الفنلندية : خسارة مدوية لليمين المتطرف لصالح قوى اليسار
الانتخابات البلدية الفنلندية : خسارة مدوية لليمين المتطرف لصالح قوى اليسار


بقلم: يوسف أبو الفوز - 11-04-2017
الانتخابات البلدية الفنلندية : خسارة مدوية لليمين المتطرف لصالح قوى اليسار

فيّلي نينستو رئيس حزب الخضر الفائز الاكبر في الانتخابات البلدية لحظة اعلان النتائج
هلسنكي ــ يوسف أبو الفوز
أعلنت في العاصمة الفنلندية، هلسنكي، مساء الاحد الفائت، نتائج الانتخابات البلدية الفنلندية، التي اشارت لجنة الانتخابات المركزية في وزارة العدل الى ان نسبة الناخبين المشتركين فيها بلغت 58.8 فى المائة، بزيادة ملحوظة عن الانتخابات البلدية السابقة عام 2012 والتي كانت بنسبة 58.2 فى المائة.
وفي هذه الانتخابات ، ووسط ترقب واحتدام الصراع السياسي بين القوى المتنافسة، مُنيّ اليمين المتطرف الفنلندي بخسائر بارزة، لصالح عموم قوى اليسار، التي تقدمت في مواقعها، خصوصا حزب الخضر الذي أعتبر اكبر الفائزين في هذه الانتخابات. وكان الشارع الفنلندي، ولشهور طويلة ، شهد حراكا جماهيريا، ساهمت فيه الى جنب قوى اليسار، العديد من منظمات المجتمع المدني، ومنها منظمات الكتاب والفنانين والطلبة والشباب، في اذكاء الشارع الفنلندي ، بالعديد من الفعاليات المتتالية، لتنبيه الناخب الفنلندي، للتدهور المستمر في الواقع السياسي والاجتماعي الفنلندي، من خلال وجود حكومة يمينية، تتجاهل مطالب ذوي الدخل المحدود، وراحت تقضم تدريجيا منجزات الشعب الفنلندي وما حققه طوال عقود طويلة من النضال والبناء، وحذرت الحملات الانتخابية من ان تجربة "الرفاه الاجتماعي" التي بناها الاجداد ستكون في مفترق طرق في حال استمرار قوى اليمين في الحكم .
أن أهمية الانتخابات البلدية تكمن أساسا في أن نتائجها لها تأثيرها المباشر على نشاط الحكومة التي تدير شؤون البلاد حاليا، وهي حكومة ائتلاف من ثلاثة احزاب من اليمين، فالسلطات المحلية وحسب القوانين الفنلندية لها صلاحيات واسعة لتوفير الخدمات الاساسية للمواطنين، والبلدیات تتمتع بالإدارة الذاتیة بموجب الدستور، وهي شريكة للحكومة في صنع القرار فيما يخص مواطنيها، فالمجلس البلدي ھو الھیئة المقررة العلیا في البلدیة، فمثلا له الحق في فرض الضرائب المحلية، وعقد اتفاقات جانبية مع بلديات مجاورة فيما يتعلق بالقروض وانجاز المشاريع ، كما ان نتائج الانتخابات مؤشر بارز على مدى نجاح سياسة الحكومة واقتناع الشعب بها وتأييده لها .
بينت النتائج ان اليمين المتطرف الشعبوي (حزب الفنلنديين الحقيقيين) فقد تقريبا نصف ناخبيه قياسا بالانتخابات البلدية السابقة عام 2012، اذ حقق الان فقط 8,8 % بخسارة قدرها (- 3,5%) ، ويمكن تقدير حجم الخسارة الكارثية اذا تذكرنا ان اليمين المتطرف باطلاقه الوعود بأيجاد الحلول لازمات البلاد قفز من نسبة 4 % عام 2007 الى نسبة 17 % عام 2011 في الانتخابات البرلمانية. ان هذه الخسارة المدوية لليمين المتطرف جاءت نتيجة لسوء ادارة الحكومة اليمينية الحالية التي يساهم فيها لشؤون البلاد، فسياسته المعتمدة مثلا بالتشدد مع موضوع الهجرة واللجوء قوبلت برفض شعبي وسببت ازمة اجتماعية وظفتها قوى اليسار بشكل ناجح لاستعادة مواقعها بين الجماهير. وكان زعيم اليمين المتطرف تيمو سويني ، الذي يتولى منصب وزير الخارجية، اعلن في وقت سابق بأنه سيتخلى صيف هذا العام عن رئاسة الحزب، واعلن بعد نتائج الانتخابات ، وسط الوجوم الذي ساد القاعة في مركز حزبه ، اعترافه بالهزيمة المدوية وعن تحمله المسؤولية في تراجع شعبية حزبه.
وبالنسبة لحزب الائتلاف الوطني الفنلندي (يمين تقليدي)، حزب رئيس الجمهورية الفنلندية الحالي، وهو طرف شريك في الحكومة الحالية، فرغم خسارته بنسبة  (-1,2%) قياسا للانتخابات البلدية 2012 الا انه استطاع ان يبقى كأكبر احزاب البلاد بنسبة 20,7 % . وأما حزب الوسط ، حزب رئيس الوزراء الحالي، فقد تراجع بنسبة (-1,1%) ليكون في المركز الثالث محققا نسبة 17,5 % ، مما دفع رئيس الوزراء للمزاح لحظة اعلان النتائج بأنها انتخابات بلدية وليس برلمانية.
أن حزب الخضر الفنلندي ، كان الرابح الاكبر في هذه الانتخابات، ومعروف عنه سياسته ومواقفه اليسارية الجريئة، والذي ينال دعما من قطاعات الشبيبة والطلبة، وتميز هذه العام بحملة انتخابية نشطة اعترف بها خصومه، اذ قدم شبكة هائلة من المرشحين، الذين نشطوا في كل المجالات واستطاعوا ايصال سياسة وصوت الحزب لكل مكان، وشهد ايضا نشاط قادة الحزب الذين تواجدوا في كل المحافل الاجتماعية للقاء الناس لعرض سياسة الحزب ورؤيته للازمة العامة للبلاد، فاثمرت الحملة الانتخابية النشطة عن تحقيق الحزب نسبة 12,4 % وبزيادة (+3,9%) قياسا بالانتخابات السابقة مما اهلته لتخطي حزب اليميين المتطرف، واعلن رئيس الحزب بأن هذه النتائج تشير الى ان الناخب الفنلندي يميل الى سياسات اصلاحية اكثر انسانية ضد سياسة التقشف التي اعتمدتها الحكومة الحالية واضرت بقطاعات محدودي الدخل ومنهم الطلبة والمتقاعدون.
من جانبه استطاع حزب اتحاد اليسار التقدم بموقعه بزيادة (+0,8 %) ويحقق نسبة 8,8 % . وصرحت رئيسة الحزب بأن وجود حزبها ونشاطه في المعارضة جاء بنتائج طيبة واثبت صحت سياساته في انتقاداته الجرئية لسياسة الحكومة ومعارضته لسياسة التقشف وخفض الانفاقات والسياسات الضريبية التي اضرت بالمساواة بين الناس ، وبينت ان سياسة حزبها واضحة في دعوته الى اصلاحات في الرعاية الاجتماعية والصحية، وتمنت ان نتائج الانتخابات البلدية تدفع الحكومة الحالية لتكون اكثر استعداد لانتقاد ومراجعة خططها . أما الحزب الديمقراطي الاجتماعي، اكبر احزاب معسكر اليسار، فرغم تراجع التصويت له بنسبة (-0,2%) الا أنه نجح في الحفاظ على موقع متقدم كثاني اكبر احزاب البلاد بنسبة 19,4% .
أن ما ميز هذه الانتخابات انه من بين كامل عدد النواب المنتخبين الذي بلغ  8999 كان هناك 3958 نائبا جديدا اي بنسبة 44 % ، علما ان من عموم نسبة النواب المتخبين كانت النسبة 39% من النساء ، و61% من الرجال وهذا اثار حفيظة بعض منظمات النساء والشباب، فالصورة المعروفة عن فنلندا ان للمرأة دورا متميزا في مجمل نواحي النشاطات، وان هناك احزابا يسارية اخرى تعتبر صغيرة، ولاول مرة حققت نتائجا طيبة ، اضافة الى فوز شخصيات ثقافية وسياسية معروفة بمواقع مهمة ، مثل فوز السيد أوريو هاكنين الرئيس السابق للحزب الشيوعي الفنلندي كنائب عن العاصمة هلسنكي ، التي يملك فيها المجلس البلدي عادة صلاحيات كبيرة وواسعة ، والتي حصدت فيها قوى اليسار الغلبة في المقاعد.
أما بالنسبة للمرشحين الاجانب ، فمع تحول الجاليات الاجنبية الى قوة انتخابية لا يستعان بها ، اذ يعيش في فنلندا، حسب احصاءات الرسمية اكثر من 263 الف اجنبي هذا من غير اعداد الحاصلين على الجنسية الفنلندية ، ويحق لكل اجنبي مهاجر من بعد اقامة سنتين بما في ذلك اللاجئين ، المشاركة في الانتخابات البلدية ، فقد سعت كل الاحزاب المتنافسة خلال حملاتها الانخابية الى نيل رضا الاجانب، وبذلت جهدا ليكون هناك مرشحين من اصول اجنبية على قوائم مرشحيها، حتى الاحزاب اليمينية، ومنها اليمين المتطرف العنصري ،حاولت ان تحسن من صورتها فوضعت بعض المرشحين من اصول اجنبية في قوائمها ليس فقط كمجرد ديكور يحسن صورتها، بل لانها مستفيدة جدا، لأن هذا المرشح وضمن قوانين النظام الانتخابي المتبع في فنلندا في انتخابات مجالس البلديات، فحتى لو حصل اصوات قليلة جدا ولم ينجح فان اصواته ستحسب لصالح قائمته ويستفاد منها مرشح اخر، وذلك حسب النظام الانتخابي المتبع في فنلندا ، وفق طريقة عالم الرياضيات البلجيكي "فيكتور دي هوند" (1841 ـ 1901)، اذ ان دور الاصوات مهما كان عددها متواضعا يكون لها تأثير داخل ترتيب القائمة الانتخابية، والامر الحاسم يكون في مجموع الاصوات لكل القائمة. ومن المعروف ان العديد من الدول اضافة الى فنلندا تستخدم هذه الطريقة، ومنها بريطانيا ودول الاتحاد الاوربي، ودول في امريكا اللاتينية.
ان نتائج الانتخابات البلدية الحالية تدفع للقول بأن الخارطة السياسية الفنلندية، في العامين الاخيرين شهدت تحركا بشكل ملموس لصالح قوى اليسار، ويمنح الامل بانها ــ قوى اليسار ـ اذا استمرت بالحفاظ على هذا النجاح وتطويره وتفعيل تحالف اخضر ـ احمر ، فأنها ستكسب المعركة البرلمانية القادمة بدون شك.
* طريق الشعب العدد 164 ليوم الثلاثاء 11 نيسان 2017
** (اختصرت طريق الشعب بعض فقرات التقرير بسبب محدودية المساحة كما يبدو)



Advertise on Sotaliraq.com? Click here for more information!

Copyright © 1998-2017 Sotaliraq.com - All rights reserved / جميـــع حقـوق الطبع والنشر محفوظة لصوت العراق
Home | News & Reports | Articles | Privacy Policy | Contact Us

Google