أيهما يؤسس الأخلاق، العقل ام النقل ؟ *
أيهما يؤسس الأخلاق، العقل ام النقل ؟ *


بقلم: د. رضا العطار - 12-04-2017


من المسائل الاساسية التي يهتم بها (مبحث الاخلاق) في الفكر الفلسفي الحديث والمعاصر ما يعبر عنه ب (المشكلة الاخلاقية)، وتتلخص في السؤال التالي (على اي اساس تقوم الاخلاق)؟ علام نستند عندما نحكم على هذا السلوك او ذاك بانه خير او شر، حسن ام قبيح ؟ هل على مجرد كونه يحقق لنا لذة او منفعة او يسبب لنا ألما او مضرة ؟
هل لانه يتفق او لا يتفق مع ما تجري به العادة والعرف الاجتماعي ؟ هل لان الدين يأمر به او ينهى عنه ؟
هل لان العقل يستحسنه او يوجبه او يستشنعه او يمنعه، هل لان (الضمير) يقبله او يرفضه، يرتاح اليه او ينفر منه ؟

كل هذه (العناصر) (اللذة، العرف، الدين، العقل، الضمير . . . ) تصلح بهذه الدرجة او تلك، لان تعتبر اساسا ومحددا للاخلاق والقيم. وقد عرف تاريخ الفكر الاخلاقي (مدارس) تعتمد هذه الاسس : مدرسة سيكولوجية تفسر السلوك الاخلاقي بالعوامل النفسية وفي مقدمتها اللذة والالم، ومدارس اجتماعية ترى ان السلوك الاخلاقي هو عبارة عن عادات اجتماعية، عن اعراف وتقاليد الخ. وهناك بالمقابل من يرى ان اصل الاخلاق هو الدين، وآخرون يرون ان (العقل) هو الذي يقف وراء الحكم الاخلاقي، بينما يقرر فريق آخر ان (الضمير) هو منبع الاخلاق.

ومن القضايا المرتبطة ب (المسئلة الاخلاقية) مسئلة (نسبية الاخلاق) . . ذلك ان من المشاهد عبر التاريخ ان السلوك الواحد قد يعتبر حسنا في زمن ومكان، بينما يعتبر بالعكس من ذلك قبيحا في زمان آخر او مكان آخر. هذا اضافة الى ان الفضائل التي تعتبر انسانية تعلو على الزمان والمكان قد يختلف مضمونها قليلا او كثيرا من مكان او زمان الى آخر، او انها قد تتبادل المواقع مع اضدادها في ظروف خاصة. اليست هناك حالات يكون فيها (الكذب) مباحا او مطلوبا او ربما واجبا ؟
هل من الاخلاق الفاضلة مثلا ان يصدق الطبيب مريضه الذي يسأله عن حالته، كما يقول، من الناحية الطبية ؟

تلك هي اهم القضايا التي تتكون منها ما يعبر عنه في الفكر الفلسفي ب (المشكلة الاخلاقية) واذا كانت هذه القضايا إنما تبلورت بهذه الصورة وصارت موضوعا لنقاش فلسفي واسع عريض في الفكر الاوربي الحديث، فان ذلك لا يعني انها لم تكن موضوعا للتفكير في العصور القديمة والوسطى. ويهمنا هنا ان نتعرف على الكيفيات التي طرحت بها، في الفكر العربي الاسلامي، القضية المركزية في هذه المشكلة : قضية (اساس الاخلاق) فهي الصق بموضوعنا هنا. والسؤال المحوري في هذا النقاش هو : ما الذي يؤسس الاخلاق في تراثنا العربي الاسلامي : (العقل ام الدين )؟

فهنا يلتقي الموروث الفارسي مع الموروث العربي (الخالص) في (العقل الاخلاقي) الذي هو المشًرع للاخلاق، ليس عقلا فرديا بل هو (عقل موضوعي) جماعي موروث (الادب) يسكن المرويات من الاقوال والحكم والامثال التي تحمل خلاصة تجارب السلف (ص 107).
وبعد، فهل لنا ان نبرر منذ الان المجالات التي تكرست فيها القيم الكسروية ؟
ليس مجال بحثنا (التطبيقات العملية) لهذا النوع من القيم او ذاك، بل مجاله التعبير النظري المكرس لهذه القيم. والمجالات الرئيسية التي تكرس فيها هي التالية :
تأسيس الملك على الدين، وحراسة اهله من ان ينقلبوا على الملك، تكريس فكرة خلافة الله، تمجيد الطاعة، ربط العدل بالعمارة والمال والجند، من اجل مصلحة الملك ودوامه. تقديس شخصية الملك، اعتبار الرعية عبيدا، تنسيب الملك وسيطا بينهم وبين الله، ربط الرعية بسلاسل من الأدعية يرددونها في كل مكان وفي كل موقف، مما يجعل الشخص تابعا على الدوام. مستلبا بأستمرار، خاضعا لهيمنة الدولة باسم خلافة الله، وهيمنة رجال الدين باسم تعاليم الدين.

لنقتصر على القول : ان القيم الكسروية هي وحدها التي انتقلت الى المجتمع العربي الاسلامي مع الموروث الفارسي
الذي تمً الشروع في نقله الى الثقافة العربية على عهد الخليفة الاموي هشام بن عبد الملك. . . ولننتظر الان في نوع الحضور الذي كان لهذا الموروث على عهد الدولة العباسية في بغداد. ص 153 حيث انتقلت معها كذلك مرادفاتها الدينية ومضاداتها السياسية . . . اعني القيم الدينية التي كرسها فقهاء المذاهب الاسلامية في ثقافتنا الاخلاقية.
وفي جانب اخر نجد في الموروث الاخلاقي اليوناني الذي عرف حضورا قويا في الثقافة العربية هو مزيج من آراء افلاطون وارسطو وجالينوس. واساس الاخلاق عند هؤلاء هو العقل، ويهمنا هنا من آرائهم في العقل. ما كان يؤسس وجهة نظر كل منهما في الاخلاق كما عرضت في الثقافة العربية خاصة. علما انها لا تختلف كثيرا عن آرائهم كما هي في كتبهما إلا في التفاصيل.
ان الفكرة المركزية التي اختصرت فيها آراء افلاطون الاخلاقية في الموروث اليوناني الصحيح المنقول الى الثقافة العربية هي نظريته في قوى النفس، وقد تبناها جالينوس. النفس عندهما تتجاذبها ثلاث قوى :
قوى شهوانية ومركزها البطن هي تطلب الملذات . . .
وقوى غضبية ومركزها القلب تنفعل بالغضب وما في معناه . . .
وقوة عاقلة ومركزها الرأس ووظيفتها المعرفة. ولكل واحدة من هذه القوى فضيلة خاصة بها.
ففضيلة النفس الشهوانية العفة.
وفضيلة النفس الغضيبة الشجاعة.
وفضيلة النفس العاقلة الحكمة.
فالحياة الخلقية الفاضلة تحصل للانسان ككل عندما تكون كل من النفس الشهوانية والنفس الغضيبة تحت القيادة الحكيمة للنفس العاقلة. فالفضيلة العليا التي هي العدالة إنما تتحقق بتحكم العقل. فالعقل إذن اساس الأخلاق.

* مقتبس من كتاب (العقل الأخلاقي العربي) للدكتور محمد عابد الجابري، بناية النهضة، الحمراء بيروت 2014













































































































































































































































Advertise on Sotaliraq.com? Click here for more information!

Copyright © 1998-2017 Sotaliraq.com - All rights reserved / جميـــع حقـوق الطبع والنشر محفوظة لصوت العراق
Home | News & Reports | Articles | Privacy Policy | Contact Us

Google