إلا قليل منهم..!
إلا قليل منهم..!


بقلم: علي علي - 16-04-2017
حقيقة مرة لا أظنها تخفى على كل ذي عقل سوي عاش في العراق بعد عام 2003، هي حقيقة واقعة مؤلمة، تشهد لها أرض العراق، وماؤه، وسماؤه، تلك هي أن الإخلاص والنزاهة ونظافة اليد، باتت جميعها عملات نادرة جدا.. جدا.. جدا في مفاصله واركانه، لاسيما في الشخصيات القيادية والسيادية منها. فقد طافت على السطح إفرازات لم تشهدها الأجواء من قبل، وتصدر المشهد السياسي والاجتماعي فيه نماذج من شخوص، لم تعهدها الأعراف العراقية العريقة، نماذج تلبست فيها أبالسة الأباطيل بأشكالها وأصنافها جميعها. والأمر المرعب في هذا، أنهم تمكنوا من مفاصل الحكم والتحكم، وأمسكوا بمفاتيح خزائن البلد، وتربعوا على عرش الأمر والنهي دون وازع يردهم، او رادع يمنعهم، فازدادوا تيها وصلافة وعنجهية، ونزعوا ما قد تبقى من حياء في جباههم، واستبدلوه بالكبر والاستعلاء والتمادي في غيهم وسرقاتهم وسحتهم.
وهؤلاء قطعا، يعرفون كيف تورد الإبل، ويدركون تماما من أين تؤكل الكتف، فراحوا يحاربون السرقة -وهم أساطينها- وينادون بالقضاء على الفساد -وهم سلاطينه- ولم يفتهم الوقوف الى جانب المنادين بالإصلاح، بل دعمهم وإسنادهم ومدهم بما يبعد عنهم الشبهات، فكانت موافقتهم على صيحات الإصلاحات شكلية، او هي لذر الرماد في العيون، وهو أسلوب تكتيكي أفعواني ملتوٍ، يبتغون من ورائه المراوغة والتحايل والالتفاف على المواطن وحقوقه، كذلك سعيهم في خداع الرأي العام بأنهم نزهاء وأمناء و (شرفاء) ليطول مكوثهم على خزائن البلد، فيما هم بعيدون كل البعد عن النزاهة والأمانة والشرف، إلا عدد ضئيل جدا..جدا.. جدا منهم.
والغريب في ماحدث منذ بداية تظاهرات العراقيين -ومازال يحدث- ان الجميع يدعو الى محاربة الفساد والمفسدين، ويناشد بالولاء للوطن وخدمة المواطن، والعمل لصالحهما، ومقارعة الذين يقفون ضدهما، وكلهم قادمون بخطط يقضون فيها على الفساد بأنواعه، ويقوّمون الانحرافات في أداء مؤسسات الدولة، وقد أتوا بمفردة (لا) ولصقوها بكل سلبية، كما أتوا بمفردة (نعم) ولصقوها بايجابيات يضللون بها رعيتهم. فكان الناتج؛ لاللمحاصصة.. لاللطائفية.. لاللفساد.. لاللمحسوبية.. لاللسرقة... يقابلها من الـ (نعم) اضعاف تلك اللاءات فيما يخص الخدمات والسياسات التي سيتبعونها في إدارة البلد.
والغريب أيضا أن كل من اعتلى منصات القيادة في مؤسسات البلاد، يشهر -أول مايشهر- سيف الاتهام وسلاح التنكيل، ضد السابقين من الحكام والساسة والمسؤولين الذين سبقوه في المنصب والمسؤولية، وكأن اللاحقين لايعملون بما يعوّل عليهم، إلا بالإساءة الى سمعة السابقين، ونشر غسيلهم أمام الملأ حقا او إفكا. وهم بهذا يتبعون كل السبل والوسائل بغية إبراز ما يريدون إبرازه من دعاوى. وهذا الأمر يذكرنا بما يحدث دوريا كل أربع سنوات، حيث لا يتوانىَ المسؤول بعد تسنم مهام منصبه، عن التشهير بسابقه كيف مااشتهى وبأوسع الاتهامات.
ومع أن التظاهرات حتى اللحظة آخذة بتأييد الأخيار والشرفاء والوطنيين من رجال البلد، إلا أن العمل الحثيث من قبل السراق الكبار على تمييع فحواها، وتفتيت جذوتها، وعدم تحقيق هدفها، قائم على قدم وساق، وهذا ماتنم عنه التصريحات التي يعلنونها بين حين وآخر، باسم الحفاظ على وحدة الصف، او الخوف على النسيج الاجتماعي، او الحرص على اللحمة الوطنية، وهم في هذا يثبتون تهمة الفساد على أنفسهم وهم لايشعرون.
إن صورة السراق من كبار الساسة والمسؤولين في سدة الحكم، باتت واضحة تماما بكل معالمها، وصار مؤكدا لدى المواطنين جميعهم، أن الأغطية التي يتخفى وارءها اولئك الكبار، والستارات التي يتسترون بها، ليست سوى خدعة كبيرة، سواء أدينية كانت أم وجاهية أم حزبية أم منسوبية أم محسوبية! وماعادت تنطلي على الصغير والكبير، والجاهل والعاقل.
بقي على المواطن التيقظ والحذر منهم -ومن أمثالهم- في قادم الأيام، وكفاه اللدغ مرات ومرات من جحر من ظنهم فرسان أحلامه ومنقذيه، فانتقاهم واختارهم واصطفاهم كقادة له، بطيبة قلبه المعهود وحسن ظنه المشهود.

[email protected]



Advertise on Sotaliraq.com? Click here for more information!

Copyright © 1998-2017 Sotaliraq.com - All rights reserved / جميـــع حقـوق الطبع والنشر محفوظة لصوت العراق
Home | News & Reports | Articles | Privacy Policy | Contact Us

Google