المرأة، الحب ـ ـ ضوؤها الشاعر ! *
المرأة، الحب ـ ـ ضوؤها الشاعر ! *


بقلم: د. رضا العطار - 16-04-2017


الدارسون الذين تناولوا شعر المتنبي منذ الف عام حتى الان لم يلتفتوا كثيرا الى شعر الغزل عند المتنبي ولم يتعرضوا كثيرا للعبة المتنبي بالمرأة – وكان لهم في ذلك اسبابهم التالية :
- ان المتنبي كان منصرفا عن لعبة المرأة الى لعبة السياسة ولعبة الحكم، الذي كان يجد نفسه فيه اكثر مما يجدها في حب المرأة.
- ان المتنبي كان شاعرا فرديا نرجسيا انانيا لا يحب غير نفسه، لذا فقد حرّم قلبه من الحب، او هو كسر هذا القلب، وعاش شاعرا قويا وصلبا كالصوان، لا رقيقا هشا كالحساء ! - - - ولا ادري كيف يكون الشاعر بدون المرأة، التي تحفظه من التآكل والتعفن !

لقد قال المتنبي شعرا جميلا في المرأة ولكنه كان شعرا اشبه بتركيب القيشاني في البناء اكثر من انه يكون شعرا خارجا من مسامات جلد الشاعر كما يخرج النور من عينيه.
ان من يقرأ شعر المتنبي في المرأة يشعر ان هذا الشاعر قد قال غزلا ليس عن معاناة ومكايدة وانما تكملة لقائمة اغراض الشعر التي قالها.
والمرأة لدى المتنبي لم تكن اكثر من لعبة خشبية - - والدليل على ذلك ان كل ما قاله المتنبي في المرأة لم يتعد ان يكون شعرا وصفيا وليس شعرا غزليا - - فهو لم يغزل شعرا نتيجة ممارسة عاطفية ولكن وصف (شيئا) من (الاشياء) شاهده عن بعد او ربما عن قرب. - - - لذا فاوصاف المرأة في شعر المتنبي هي اوصاف كل الشعراء العرب دون استثناء – من امرئ القيس الى نزار قباني - - فهي اللعبة الخشبية البيضاء، المشرقة المحيا، الرقيقة اللينة الرشيقة الخريدة، ضامرة البطن دقيقة الخصر - - فهو في وصفه للمرأة سلك سلوك القدماء من الشعراء ولم يات بجديد سوى رقة اللفظ والاسلوب واما المعاني فهي هي ظلت كما كانت.
وبالموازنة بين صورة المرأة في الشعر الجاهلي وصورتها في شعر المتنبي – لا نجد كبير فرق بينهما – وهذا يدل دلالة واضحة على ان المتنبي لم يتأثر بحضارة عصره.
انه احب صفات في المرأة احبها قبله امرؤ القيس والنابغة والاعشى وزهير وطرفة وغيرهم.
ان اجمل واوفى وصف وصفه ناقد لغزل المتنبي، كان وصف طه حسين له حين قال :
(في غزل المتنبي انت واجد ذوقا غليظا، يصنع الحب والغرام صنعا ويريد ان يكره اذواق الناس على قبول ما صنع).
فمن اين جاءت كل هذه الغلظة ؟
ان الاجابة في غاية البساطة - - وهي ان المتنبي لم يعرف المرأة لكي ياتي غزله رفيعا عذبا من غير ما تصنع ولا كلفة.
ان الصورة التي كان ينشرها المتنبي للمرأة هنا وهناك في قصائده مبعثرة كانها رشة العطر على صدر العروس، لا تعين الباحث على تصور نقدي لما يدعى (بغزل المتنبي)

ان مقاومة السلطة السياسية للزمن محدود، في حين ان مقاومة سلطة المرأة للزمن بلا حدود ! . . . ربما يفنى المتنبي وشعره مع فناء كثير من المقاييس النقدية التي استطاعت ان تحفظه طوال هذه الفترة - - فترة الالف عام الماضية !
لكن شعر ابي نؤاس وبشار وابن ابي ربيعة من الصعب ان يفنى، لانه شعر الحياة. وليس شعر حقبة تاريخية من الزمن.

سوف ياتي زمن ترفض معه اجيال كثيرة حكمة الاقدمين، كما حصل الان بالنسبة لاوربا وامريكا التي رفضت وما زالت ترفض حكمة الاغريق، اجدادهم القدامى التي لم تعد تتماشى وتساير منطق حياتهم وضربات قلبها.
سوف ياتي زمن، ترفض فيه الاجيال العربية حكمة المتنبي التي ما زالت رائجة حتى الان، لان المجتمع العربي لم يتغير منذ الف عام كثيرا.

* مقتبس من كتاب (المرأة، اللعبة، ضوؤها الشاعر) لنزار قباني



Advertise on Sotaliraq.com? Click here for more information!

Copyright © 1998-2017 Sotaliraq.com - All rights reserved / جميـــع حقـوق الطبع والنشر محفوظة لصوت العراق
Home | News & Reports | Articles | Privacy Policy | Contact Us

Google