الصورة الأولى و المشهد الأخير
الصورة الأولى و المشهد الأخير


بقلم: حيدر الصراف - 17-04-2017
كان ذلك الكائن البشري الذي يرتدي ملابس فضفاضة تغطي جسده من الرقبة و حتى القدمين ( الدشداشة ) و يضع فوق رأسه قطعة من القماش المزركش تعلوها قصبات سوداء ( الكوفية و العقال ) و كان يمشي خلفه مجموعة من النسوة المتشحات بالسواد برفقتهم جوقة من الأطفال المشاكسين و كان وجود هذا ( الأنسان ) و بهذه المواصفات مدعاة للسرور و التفاؤل بالبيع و زيادة المداخيل و الأرباح لأصحاب المتاجر و المخازن و ملاكي الحانات و المراقص و المواخير و مرابع المقامرة و في حضرة هذا الوافد المتخم بالنقود و الباذخ بلا تحفظ او حدود فأن تلك الأنشطة التجارية و الترفيهية تزدهر و يدب فيها النشاط و الحيوية انها زهو الأيام الخوالي لذلك ( المغفل ) او المحروم لا فرق الذي يفتح دفتر الشيكات و على بياض لمجرد غمزة عابرة من حسناء او نظرة وله مزيفة من بائعة هوى تتقن المهنة .

بنيت المئات من المساجد و الجوامع و شيدت العديد من المراكز الدينية في مختلف دول العالم الأسلامية و غير الأسلامية و كانت ترصد لها الأموال اللازمة من خزائن تلك الدول لأدامتها و ديمومتها و دفع رواتب الأئمة و الدعاة و العاملين فيها من الموطفين و المستخدمين و كانت اغلب تلك الؤسسات الدينية و بحكم الممول المالي لها و الذي يفرض و بقوة و جبروت المال الذي ينفقه في فرض ارادته و ارائه في اختيار المرشدين الذين يقدمون ( النصح و المشورة ) و كذلك انتقاء الأئمة و الدعاة الذين ان دعت الحاجة الى ( الفتاوى ) فأنها لهم و الذين هم في اغلبهم من المؤمنين بالتفسير المتطرف للنص الديني و الذي يميل و بشدة لأقصاء الآخرين بقتلهم و الغائهم جسديآ دون اي حوار او تقاش او حتى جدال اللحظة الأخيرة .

بعد كل ذلك الكم الهائل من المواعظ و المحاضرات الدينية التي تحض على العنف و الأزدراء في التعامل مع المخالفين في العقيدة في الجوامع و المساجد حتى انطلقت ( القنوات الفضائية ) الدينية و انتقل ذلك المنبر الذي كان حكرآ على تلك الأماكن هاهو استوطن كل بيت و دخل كل منزل في كبريات المدن و حتى اصغر قرية في الأقاصي من العالم المترامي الأطراف و قامت تلك المنصات الأعلامية و بحسب القائمين عليها في بث متواصل لتلك الأفكار التي هم بها مؤمنون و يبذلون الجهد و المال في سبيل ايصالها و اقناع الكثير من الناس بها و الذين سوف يكونون لاحقآ الجنود المتطوعون و المستميتون في الدفاع عن ( الدولة الأسلامية ) .

الحجة تفند الحجة المغايرة و الرأي الصواب يدحض الرأي الخطأ و صراع الأفكار و المعتقدات كان منذ ان وجد الأنسان الأول على هذه الأرض و كما تروي الأساطير القديمة حين اختلف الشقيقان (هابيل و قابيل) فيما بينهم فقتل احدهم الآخر لأختلاف في الرأي و الرؤية و انعدام الحوار و التفاهم و عدم تقبل الرأي المخالف و ليس الأقنتاع به كان ذلك في البدايات الأولى للحياة البدائية اما الآن فأن كل المعتقدات و الأديان و المذاهب و الكتب و المدونات هي عرضة للنقاش و الأستفهام ان هي استطاعت ان تجيب على تلك الأسئلة المختلفة و ان لم تسطيع من الرد المقنع فأن ذلك يعني ان في النص خلل كبير و في حاجة لأعادة النظر فيه و تصحيحه او حتى الغاء ذلك النص التحريضي .

في العودة الى ( صاحبنا ) الذي كان هو نفسه ذلك الأنسان لكن هذه المرة قد قصر ( الدشداشة ) و اطلق العنان لتمدد ( اللحية ) و كانت ملامح وجهه المتجهمة و تعابيره العابسة تشي و تنذر بالكثير من اخذ الحيطة و الحذر منه اذ قد لا يكون هذا ( الأنسان ) سوى القنبلة الموقوتة المتجولة و الذي اصبح وجود مثل هؤلاء الأشخاص في المطارات و محطات القطارات و الساحات العامة الاخرى مصدر قلق و خوف و اخذ الناس المتواجدون في تلك الأماكن يبتعدون قدر المستطاع عنهم و ان لم يظهروا ذلك بشكل علني توجسآ من الأستفزاز الذي قد يشعر به و بالتالي القيام بالعمل الأرهابي و استعجال الهجوم الذي يستهدف ذلك المكان بمن فيه .

لقد تبدل و تغير ذلك ( الأنسان ) الباحث عن المتعة و المجون و المتنقل بين صالات القمار و الحانات و المهرول وراء الغواني و فتيات الليل و بائعات الهوى و الذي ينفق الأموال الوفيرة و يهب الهدايا الكثيرة دون حساب او انتباه فكانت تلك المواعظ و المحاضرات و من ثم الفتاوى التي يلقيها الموهوبين من الوعاظ و الدعاة و الأئمة هي التي بدلت ذلك العابث الباحث عن الملذات و المسرات و اجواء الليل الصاخبة الى ذلك العابد الناسك الذي يقوم الليل مصليآ و لا يفيق الا صائمآ و الذي لا يجد لذة او متعة الافي الموت الزؤام الذي سوف يذيقه لمن ساقه حظه الأسود ان يكون هناك في المكان و الزمان عينه .

حيدر الصراف



Advertise on Sotaliraq.com? Click here for more information!

Copyright © 1998-2017 Sotaliraq.com - All rights reserved / جميـــع حقـوق الطبع والنشر محفوظة لصوت العراق
Home | News & Reports | Articles | Privacy Policy | Contact Us

Google