موت الديمقراطية في تركيا وصناعة الشعوب للطغاة
موت الديمقراطية في تركيا وصناعة الشعوب للطغاة


بقلم: ضياء الشكرجي - 17-04-2017
[email protected]

مراسم تشييع ودفن الديمقراطية في تركيا أجريت أمس في تركيا بعد 94 من تأسيس الجمهورية التركية، فكان يوم السادس عشر من نيسان اليوم الأسود بامتياز في تاريخ تركيا الحديثة.

الكفتان من الشعب التركي كانتا قريبيتين جدا من التكافؤ والتساوي، ذلك بفارق 2,6% فقط لصالح كفة المصوتين بـ(Evet) «إيڤَت»، أي (نعم)، في مقابل المصوتين بـ(Hayir) «هايِر» أي (لا). وفاز الإيڤَتيون أي الأردوغانيون من إسلامويين وقوميويين وعثمانويين بنسبة 51,3% على الرافضين لتشريع الدكتاتورية الأردوغانية الإخوانية العثمانوية، ولدفن الديمقراطية، وإنهاء علمانية مؤسس الجمهورية مُستَفى* كمال أتاتُرك.

راقبنا في ألمانيا كيف يتخذ (مواطنون ألمان) من جذور تركية موقف المعاداة لألمانيا، ومثلهم مواطنون لدول أورپية أخرى من جذور تركية، اتخذوا أيضا موقف المعاداة لدولهم الأورپية وعموم أورپا وقيمها الديمقراطية العلمانية الليبرالية، خاصة إذا علمنا أن 63% من أتراك ألمانيا قد صوتوا للديكتاتور ولمعاداة أورپا والديمقراطية. اتخذوا موقف العداء لدول احتضنتهم ومنحتهم حق المواطنة المتساوية، ورعتهم، ومنحتهم الحرية، حتى حرية معاداة ثقافة وسياسة وقيم الدول والمجتمعات الأورپية، من خلال موالاتهم المطلقة لأردوغان الذي لم يبق طريقة تعتب عليه للتعبير عن معاداة أورپا وقيمها. والغريب إن الموالين لأردوغان والمعادين لأورپا، ليسوا كلهم إسلاميين من أعضاء وأنصار حزب العدالة والتنمية الإخواني، ولا كلهم حتى متدينين، بل نجد الكثيرات من غير الإسلاميات وغير المتدينات، والكثيرين من غير الإسلاميين وغير المتدينين، صوتوا بـ (Evet) لديكتاتورية السلطان الجديد، باعث العثمانوية بعد سقوطها بما يقترب من القرن.

نعم، أقول (السلطان)، لأنه يطمح إلى أن يكون الوريث والباعث للنقيضين، للسلطنة العثمانية، وللرمزية الأتاتُركية، فهو يريد أن يكون أتاتُرك الإسلامي، بعدما كان أتاتُرك مؤسس الدولة التركية العلمانية الحديثة على أنقاض السلطنة العثمانية، بينما يريد أردوغان أن يكون أتاتُرك الإسلامي، ورغم إن الإسلام السياسي والإخوانية الأردوغانية نقيض العلمانية الأتاتُركية، إلا أنه استعار من أتاتُرك** (وتعني أبا الأتراك) صفة أبوة الترك، واستعار أيضا اتجاهه القوموي التركي، وهنا لا أعني تركيا البلد والدولة، بل القومية التركية، والتي بها استطاع أن يجعل العلمانيين الترك ذوي الاتجاه القوموي يصطفون وراءه ويختارون الأتاتُركية الأردوغانية.

بلا شك إن من أسباب فوز أردوغان انخفاض الثقافة الديمقراطية لدى الأكثرية من شعوب البلدان ذات الأكثرية المسلمة، وغياب الأحزاب الديمقراطية العلمانية المؤثرة والنزيهة، فالأحزاب (العلمانية) في تركيا إما قوموية، ويقترب بعضها من الشوفينية، وإما فاسدة، وإما ليست ذات تقاليد ديمقراطية راسخة، وإما غير مؤثرة.

ما حصل في تركيا كان متوقعا، ولا يمثل مفاجأة، ولو كان يحدونا ثمة أمل ضعيف في فشل الاستفتاء على الدستور الأروغاني، وها هي تركيا غدت مثالا خطيرا ونموذجا سيئا في هذا الجزء من العالم. فإذا كانت تركيا الأقرب من غيرها إلى أورپا، والتي كانت مرشحة للانضمام إلى الاتحاد الأورپي، والمؤسَّسة عام 1923 على أساس العلمانية، قد آلت إلى ما آلت إليه، فلا غرابة من تراجع مشروع التحول الديمقراطي في بلدان أكثر بعدا فيما يسود فيها من ثقافة عامة وأحزاب سياسية عن قيم الحداثة من ديمقراطية وعلمانية وليبرالية الحريات الخاصة والعامة.

أردوغان أكد في كل خطاباته الأخيرة اعتباره لمعارضيه خونة ومتآمرين وجواسيس؛ مما يعني بالنتيجة أن 48,7% من الشعب التركي عبارة عن خونة ومتآمرين وجواسيس، بحسب المعايير الأردوغانية. وبهذا فإنه بهذه النتيجة قد أحدث شرخا في الشعب التركي، فشقه إلى نصفين.

بفوز التصويت على الديكتاتورية الاردوغانية تكون أكثرية الشعب، التي تجاوزت النصف بقليل، قد اتخذت قرار تشييع ودفن الديمقراطية في تركيا. وبهذا تكون هذه الأكثرية قد أمضت وثيقة الطلاق مع أورپا وقيمها الليبرالية، ومنحت أردوغان صلاحية التفرد بالحكم والتحكم بالسلطات الثلاث، وذلك لغاية 2029، وحتى ذلك الحين، سيعمل على تعديل الدستور، ليكون طاغية تركيا مدى الحياة، إلا إذا انبعث وعي ديمقراطي لدى الشعب التركي حتى ذلك الحين.

الخطوة القادمة لأردوغان إعادة عقوبة الإعدام، والتي سيعرضها على الشعب للتصويت، في حال عدم إقرارها من قبل البرلمان. وإذا نجح في ذلك، فسيكون الإعدام مصير عدد لا نستطيع أن نقدره حاليا، من معارضيه، بتهمة الخيانة، أو التآمر، أو الجاسوسية، وما أسهلها.

خطابات أردوغان في الأشهر الأخيرة ضد الغرب وضد معارضيه، يذكرنا بلغة المسؤولين الإيرانيين، وعلى رأسهم مفجر الثورة الإسلامية الخميني، وخليفته خامنئي، في سنوات لهيب الحماس الثوري الإسلاموي، ولو إنه مازال لم يهدأ رغم مرور 38 عاما.

عندما نسمع مواطنات ومواطنين ألمانا أو أورپيين من جذور تركية، ومنهم من ولد في ألمانيا، أو نشأ وترعرع فيها، أو قضى على الأقل عدة عقود من عمره فيها، وبما في ذلك المتعلمين، وليس فقط من أنصاف المتعلمين، ولا فقط من المتدينين؛ عندما نسمع منهم تعبيرهم عن ولاءهم اللامحدود لأردوغان، وفرحهم بالنتيجة، بحيث تبرر شابة ولدت في ألمانيا، وهي غير محجبة، بأن من فوائد نجاح الاستفتاء، كونه سيتيح للرئيس أن يحقق ما يريد، دون أن يعاق من قبل البرلمان، وبالتالي نراها سعيدة بإلغاء محوديات الديمقراطية، نعي عندها كم هو مرعب، ومحزن، ومحبط، ومخجل، ومؤسف، مدى تراجع الثقافة الديمقراطية في تركيا، ولعله في أكثر البلدان ذات الأكثرية المسلمة.

إني حزين جدا، وحزني عميق جدا، لأن ما حصل في تركيا يمثل طعنة موجعة للديمقراطية، لأن الإحساس بالانتماء الكوني يجعل الإنسان يفرح لكل نجاح للديمقراطية أينما كان، ويحزن لفشلها وتراجعها أينما كان، ولذا تابعنا الانتخابات في هولندا باهتمام وشيء من القلق، وفرحنا بنتائجها، ومن قبل تابعنا الانتخابات الرئاسية في النمسا باهتمام وشيء من القلق، وفرحنا أيضا بنتائجها، ونترقب الانتخابات الفرنسية في الأسبوع القادم يحدونا الأمل الذي يشوبه بعض القلق، وسنفرح لانتصار الديمقراطية فيها.

وجدير بالذكر أننا كديمقراطيين لسنا معنيين بمن ساءته نتيجة الاستفتاء في تركيا لكرهه لأردوغان من منطلقات شيعية، لأننا ننطلق في إدانتنا لما حصل وخيبة أملنا، من الإيمان العميق بالديمقراطية والعلمانية والليبرالية، وشخصيا من موقع إيماني بأورپا وقيمها، قيم الحداثة.

طعنة الديمقراطية في تركيا تؤكد للأسف اليأس من نجاح المشروع الديمقراطي في بلدان الأكثرية المسلمة على مدى المستقبل المنظور، دون أن يعني ذلك أن يتوقف الديمقراطيون في هذا الجزء من العالم وبقية العالم عن نضالهم، مهما طال طريق النضال، فحتمية التاريخ تقول، بالنتيجة لن يصح إلا الصحيح والنافع للبشرية.

وهنا نسأل كعراقيين، هل سيعيد الشعب العراقي أردوغان العراق نوري المالكي، فيصنع منه الطاغية الجديد و(سلطان العراق) المستبد، كما صنع 51,3% من الشعب التركي السلطان الجديد المستبد؟ فكما سمّيت حزب الدعوة الإسلامية «النسخة العراقية الشيعية لـ(حركة الإخوان المسلمين)»، يستحق نوري المالكي بكل جدارة أن يتقلد وسام «النسخة العراقية الشيعية لـ(رجپ تیپ*** أروغان) Rejep Tayip Erdogan».

17/04/2017


*: مستفى حسب اللفظ التركي لـ(مصطفى).

**: أتاتُرك التي اعتاد العرب أن يكتبوها بالواو (أتاتورك)، بينما هو صوت صوتي قصير، أي بمثابة الحركة المزيجة بين الضمة والكسرة، وبالألمانية كما التركية ü.

***: كتبتها حسب اللفظ التركي رجپ تيپ = (رجب طيب).



Advertise on Sotaliraq.com? Click here for more information!

Copyright © 1998-2017 Sotaliraq.com - All rights reserved / جميـــع حقـوق الطبع والنشر محفوظة لصوت العراق
Home | News & Reports | Articles | Privacy Policy | Contact Us

Google