بقلم: د-صادق السامرائي -
18-04-2017 كنّا في تجمع ثقافي , فنهض أحد الأخوة متسائلا عن دور جيلنا , وبرر سؤاله بأننا قد عشنا ما بين ضغط القومية سابقا والطائفية حاليا , ووعينا الإنحدار المأساوي من التطلع نحو بناء الأمة , إلى تداعيات صناعة الطائفة والفئة , والإمعان بالتصاغر الإنتمائي حد الإنقراض.
أثار سؤاله غضبا واضطرابا لأن الجواب عليه عسير , ولا يوجد في القاعة مَن يتجرأ بالجواب , لأن الجميع يتحملون وزرا وإثما في صناعة الحالة القائمة في الحياة العربية المعاصرة.
فالقوميون , لم يتمكنوا من الإرتقاء بالنظرية القومية إلى التطبيق , أي أنهم لم يمتلكوا سوى الكلمات التي تبدو أحيانا مجوفة , لخلوها من الآليات اللازمة للتعبير الواقعي عنها.
ومرّ القوميون العرب بتجارب قاسية وتداعيات مريرة , أنهت قيمة ومعنى شعاراتهم ومنطلقاتهم , حتى أصبحت تصرفاتهم تناقض ما يدعون إليه, كما أن الأحزاب القومية إنحسرت في الكراسي واحترقت , وتحولت إلى حالة رمادية أو متفحمة في مكانها, ولم تحرك مسيرة الأمة بإتجاه واضح , ولم ترسم لها خارطة المستقبل المعاصر السعيد.
ومثلما هو معروف فأن إرادة القومية العربية , تمزقت وأصابتها التجارب الفاشلة والخطوات المندفعة المنفعلة , بالكثير من الأزمات التي تفاقمت وأصبحت قاتلة , إبتداءً من الوحدة ما بين مصر وسوريا , وغيرها من التجارب الوحدوية الخيالية , التي أبعدت الوحدة العربية كقيمة وآلية حضارية , عن الواقع وألقتها في مهاوي المستحيل.
وبوفاة الرئيس المصري جمال عبد الناصر , قرأ العرب الفاتحة على الدعوات القومية , وما تمكن أكبر حزب قومي أن يبرهن على أنه قادر على تقديم مَثل عربي , يمنح الدعوات القومية قدرات التواصل العزيز الذي يحقق إرادة الأمة.
فقد أكلت الكراسي جميع الأحزاب القومية وبلا إستثناء!!
وبعد هذا الإندحار المروع , أصبح العرب أمام خيار الدين السياسي الطائفي بأحزابه , ذات القدرات الإنفعالية الفائقة , والتي إنطلقت بإرادات سلبية , تسببت في تدمير البلدان والعباد , وهي ترفع شعارات الدين , وتتستر به.
وتكررت ذات اللعبة , التي لعبها القوميون العرب وبخسائر فائقة.
فالأحزاب الدينية تخسر وطنها وشعبها ودينها.
وبعد هذه العقود المريرة , إلتقيت بأحد دعاة ورموز القومية العربية المعروفين , وقد بلغ من العمر عتيا , فقال لي: أن القومية تعني الوطنية !!
فلم أنبس بكلمة , لأن الذي أراد قوله , علينا أن نتمسك بالخيال أو نطارد السراب , ذلك أن الطائفية قد محقت أطراف الوجود الصحيح , وأفنت القومية والوطنية , فما عاد هناك وطن , وإنما فئة وطائفة , فهذه المنطلقات الإفنائية الجديدة , تعني كل شيئ وستؤدي إلى كل شيئ , مرتبط بالمأساة العربية الفظيعة الآتية.
وفي الختام عدت إلى الأخ أُسائِله عن مأساة جيلنا , فواجهني بنظرات الحيرة والإنكسار,
فكان الصمت هو الجواب!!
د-صادق السامرائي