بحث تأريخي : النجف مدينة ليست كباقي المدن
بحث تأريخي : النجف مدينة ليست كباقي المدن


بقلم: عبــــاس العــــلوي - 23-04-2017
النجف الاشرف / مدينة ليست كباقي المدن / مدينة نهل اهلها من إرث سيدها زوج البتول وصهر الرسول الادب والعلم والبلاغة والفصاحة / كل شيىء فيها وتر لاتوأم له / مرقد امام المتقين باركت له ملائكة الارض والسماء / استهوى قلوب الزائرين شرق الارض ومغربها يزهو بقبة ذهبية شامخة يتماوج بريقها ذات اليمين والشمال مع اشعة الشمس اللاهبة / فيها مثوى الانبياء والاولياء وبقية العباد / تمنى امير المؤمنين ان يتعفر بتربتها الطاهرة يوم ان خاطبها قائلا :
[ ما أحسن ظهرك وأطيب قعرك / اللّهم اجعل قبري بها ]

في حضنها مرجعية دينية عليا لا تضاهيها أخرى / حوزة علمية رائدة اطلق بذرتها الاولى شيخ الطائفة ابو جعفر محمد بن الحسن الطوسي عام < 448 هجري > اضحت مع الايام شجرة وارفة الظلال والاغصان / مدينة اقترنت بأسم من تساوى بين يديه التبر والتراب / يقضي طالب العلم فيها كل حياته دون ان يبغي مالا او مركزا او جاه / مدينة خرّجت في مدار التاريخ من العلماء والادباء والفقهاء ما لاعدّ له ولاحصر / وفيها الحديث طويل !

********

نجف الكوفة [ تمييزاً ]عن نجف الحيرة
بلدة عربية / في القِدم كانت مصيفاً للمناذرة انتشرت فيها المقامات والاديرَة المسيحية قبل الفتح الإسلامي ثم تمصرت لاحقاً وازدحم الناس فيها بسبب المرقد الشريف
عبر التاريخ حظيت مدينة سيد الاوصياء بمسميّات عديدة اشهرها :
النجف : وهي اكثر التسميات اشتهاراً واستعمالاً / وتعني المكان المرتفع او المسناة بجنب الشاطئ قال ابن زكريا : المكان المستطيل الذي لايعلوه الماء / اما الأزهري قال في وصفه للنجفة التي بظهر الكوفة هي [ المسناة تمنع السيل ان يعلو منازل الكوفة ومقابرها ] .
بانقيا : < بكسر النون > نسبة الى ارض النجف دون الكوفة / اطلق عليها الفيروزبادي [ بانقيا الكوفة ] وهناك من يقول : هي بحر النجف وقد أشار لهذا المعنى الشاعر ميمون بن قيس بقوله :

فما نيل مصر اذا تسامى عبابه / ولابحر بانقيا اذا راح مفعما

الجودي : في كتب اللغة هو الموضع وقيل جبل في النجف استوت عليه سفينة النبي نوح <ع>
نسبة للآية القرآنية الكريمة [ وقضيَ الأمْرٌ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ ] ومن التسميات الأخرى :

الطور / الربوة / الغري / الظهر [ظهر الحيرة ـــ ظهر الكوفة ] المشهد / وادي السلام / براثا / الذكوات البيض / بنت الصحراء / اللسان / الغربي / وأخرى غيرها
* في هذه المدينة العريقة / مهد العلم والادب والجهاد / تفنن الواصفون من العلماء والأدباء والشعراء والمؤرخين على مدار الأيام في مدحها / قال ابن ابي الحديد صاحب الكتاب الشهير < شرح نهج البلاغة > :
يا برق إن جئت الغري فقل له / اتعلم من بأرضك مودعُ
فيك ابن عمران الكليم وبعده / عيسى يقفيه وأحمد يتبعُ
بل فيك جبريل وميكال واسرا / فيل والملأ المقدس أجمعُ
بل فيك نور الله جــلّ جلاله / لذوي البصائر يستشف ويلمعُ
فيك الأمام المرتضى فيك / الوصي المجتبى فيك البطين الانزعُ

وحينما وقف الشاعر السوري الكبير محمد المجذوب < 1907 ــ 1999 >
امام مرقد امير المؤمنين بالنجف / خاطب معاوية بن ابي سفيان قائلاً :

قم وارمق النجف الشريف بنظرة / يرتد طرفك وهو باكٍ ارمدُ
تلك العظام أعز ربّك قدرها / فتكاد لولا خوف ربّك تعبدُ
أبداً تباركها الوفود يحثها / من كل حدب شوقها المتوقد

في بحث جميل عن [أهمية النجف في يومنا الحاضر] قال الأستاذ غالب الشابندر :
النجف الاشرف ليس أقل حظوة في العلم و التاريخ والثقافة من الازهر الشريف ، وليس أقل حظوة من الفاتيكان حاضرة العالم المسيحي ، وليس اقل حظوة من الكنيسة الشرقية في روسيا ، وليس اقل  حظوة من الكنيسة في اليونان ، وكل  هذه الحواضر عليها ان تلعب أدواراً فاعلة على صعيد  توجيه العالم ، وترشيد العمل السياسي ، ونشر ثقافة السلام و التسامح ،  بل وفي ترشيد الطروحات الاقتصادية لحل مشاكل العالم .
ومن الطرائف :

وصف الشاعر الكبير احمد الصافي النجفي [ رهين الغربتين ] صادرات وواردات مدينته
على سبيل الدعابة :

ان الغري بلدة تليق أن / يقطنها الشيوخ والعجائز
فصادرات بلدتي عمائمٌ / وواردات بلدتي جنائز !


السويد
في 22 / 4 / 2017


النجف اسم للمكان المرتفع * أو اسم عين بالمياه تندفع
أو المسناة بجنب الشاطي * أوني وجف في لغة ( الأنباط )
فالني ماء عندهم وجفا * واستعملوا اللفظ الذي قد خفا
واختص في مدفن خير الخلق * بعد محمد عظيم الخلق
وسمي ( الغري ) باسم قائم * كان هناك في زمان قادم
أو قائمين ولذا يثني * لفظ الغري باعتبار المعنى
وسمي المشهد حيث القاصد * يشهد ما ليس له يشاهد
أو حيث حل تربه الشهيد * وامتاز فيه السيد العميد
( ووادي السلام ) حيث الوادي * بجنبه لحزبه كالنادي
( والذكوات البيض ) والذي أرى * تصحيفه من ربوات فجرى

في اللغــة : البـُصـْرُ والبـَصـْرُ : ألكذ ّان وهي الحجـارة التي ليست بصلبة .
وقـال الأزهري : ( البصـْر , الحجـارة الى البيـاض بالكسر ، فأذا جاؤك بالهـاء قالوا : بصـرة ثم يُقـال لمن انتسب إليهـا بصري )

والبصرتان : هي الكوفة والبصرة . قـال إبن الأنبـاري : < البصرة في كلام العـرب : الأرض الغـليظة > وقـال قطرب : < البصرة الأرض الغـليظة التي فيهـا حجـارة تقـلع وتقطع حوافر الدواب > .
وقـال إبن الأعـرابي : ( البصـرة حجارة صلاب ، وإنما سُميت بصرة لغلظها وشدتها كمـــا تقول : ذو بُصر وسقـاءٌ ذو بُصر ، إذا كان شديدا ً جيدا ً ) .

وفي بدء التسمية ذكر الشريف القطامي < إن المسلمين حين وافوا مكان البصرة للنزول بهـا نظروا إليهـا من بعـيد وأبصروا الحصى عليهــا فقـالوا : إن هـذه أرض بصـرة ، بعيون حصبة ، فسُميت بذلك > . وفي هـذا المعنى قـال الطرماح بن حكيم :

مؤلفــة ٌ تهـوى كمـــا هوى من النيـّقِ فوق البصرة المتطحـطح ُ

*ذكر يـاقوت الحموي :

روى أهل الأثر : أنه قـدم على الخليفة عمـر ( رض ) رجل من بني سدوس يُقــال له ثابت فقـال : ياأمير المؤمنين ، إني مررت بمكان دون دجلة فيه قصر وفيه مَسالح للعجــم ، يُـقـال له : الخـُربية ويُسمى أيضـا البصـيرة بينـه وبين دجلة أربعـة فراسخ ، له خليج يجـري فيه المـاء الى أجـَمة قصب فأعجب ذلك عمـر بعـد أن جاءته أخبـار الفتوح من ناحية الحيرة .
ثم أضـاف ياقوت : وكان تمصير البصرة على عهد الخليفة عمر في سنة 14 للهجــرة قبل الكوفة بستة أشهر , وكان أبو بكـرة أول من غرس النخـل في البصـرة وقـال : هـــذه أرض نخل ، ثم غرس النـاس بعــده .
*في فضلهـا قـال الأمــام علي < ع > :
[ إني سمعت رسول الله < ص > يقــول : تـُفـتح أرض يُقـال لهـا البصرة ، أقـوم ُ أرض الله قبـلة ، قـارئها أقـرأ النـاس ، وعـابدُهـا أعبدُ النـاس ، وعـالمُهـا أعـلم ُالنــاس ، ومتصدقهـا أعظم ُ النـاس صدقـة ] .
وقـال إبن أبي ليـلى : < مارأيت بـلدا أبكر الى ذكر الله من أهـل البصـرة > .
وقـال الأصمعــي سمعـت الرشيد يقــول : < نظرنـا فأذا كلّ ذهب وفضـة عـلى وجه الأرض لايبـلغ ثمن البصـرة > .
* البصرة والكوفـة :

مدينـتان شقيقـتان عمـلاقتـان في الفكر الأسـلامي والعـربي ، وقـد انفـردت كل واحـدة منهـما في تكوين مدرسة خاصة بهـــا في اللغـة والنحو والبــلاغـة ولهمـا مع التـاريخ مواقف عظيمـة ، وأخبـارهمـا كثيـرة ، والمنسوبون إليهمـــا من أهـل العـلم والأدب لايحصـون !!

والبصـرة : التي لقـب الحسن البصري نفسـه تيمنـا بهـا ، كانت ومـازالت مدينـة الخـير والعـطاء ، فمثلمـا أعطتنـا التمـر والحبّ والمـاء والنفـط ، أعطتنـا العباقـرة من الأدبـاء الأفـذاذ أمثـال : الفرزدق والجاحظ والفراهيدي والأصمعي والسيّاب والصكار والبريفـكان ، كمـا حباها الله بنعـمة خاصة حينما جعل دجــلة الخيـر يُـقبل خـدهـا الأيمن والفــرات العـذب يُـقبل خـدهـا الأيسـر وهي تزهـو مابينهمــا كالبـدر في ليلة تمامه وكمـاله !!
ومـا < المربـد > ومهرجاناته الشعـرية والأدبيـة التي تزاحم عليـه الفحول أيـام زمان إلا قـلادة ذهبية في جيد درّة الخـليج وعروس الرافـدين !!
*في مجـد البصـرة وسحرهـا وجمالها وتراثهـا الخـالد ، تغـزل المتغـزلون ، وتفنن الواصفون من العـلمـاء والأدبـاء والمؤرخين على مدار الأيــام . ذكر < المدائني > وصفـا رائعـا للبصرة ورد على لسـان خالـد بن صفوان قـــال فيه :

نحن أكثـر النـاس عاجـا وساجا ً وخـزّا ً وديبـاجا ً، بيوتنـا الذهب ، ونهـرنـا العجب ، أولـه الرطب وأوسطه العـنب وآخـرهُ القصب ، فـأمـا الرطب فمـن النخـل في مبـاركه كالزيتون عـندكـم في منـابته ، هـذا على أفنـانه كذاك عـلى أغصـانه ، هـذا في زمـانه كـذاك في إبّـانه . المـاءُ يقبـلُ عَـنقـا ً فيفيضُ مندفقـا ً فيغسل ُ غـثـّهـا ويبدي مبثـّهـا ، يأتينـا في أوان عطشنا ويذهب ُ في زمـان ريـّنّــا ، فنأخذ منه حاجتنـا , ونحن نيّـام على فرشنـا ، فيقبـل ُالمـاء وله إزديـاد وعبـاب ، ولايحجبنـا عنـه حجـاب ، ولاتـُغـلق دونه الأبواب ، ولايتنـافس فيـه من قلـة ، ولايحبس عنـا من عـلة .
فقـال له مسلمة : أنى لكم هـذا يابن صفـوان ولم تغـلبوا عليهـا ولم تسبقوا إليهـا ؟ فقـال : ورثنـاهـا عن الآبـاء ونعمـرّها للأبنـاء ويدفع لنـا عنهـا ربّ ُالسمـاء .
وفي هـذا المعنى قال معـن بن أوس الشـاعر :

فمهـما كان من خـير فأنـا ورثنـاها أوائل أولينـا
وإنـا مورثون كمـا ورثنـا عن الآبـاء إن مُتنـا بنيـنـا

* قال إبن عـينيّـه المهلبي يصف جمـال البصرة الفيحـاء :

يـا جنـة فـاقت الجنـان فمـا يَعـدِلهـا قيمــة ٌ ولا ثمـنُ
ألِفـتهــا فاتخـذتهـا وطنــــا ً إن فؤادي لمثـلهــــا وطن
زوّجَ حيتـــانـُهـا الضبابَ بها فهـــــــذه كنـّـة ٌ وذا ختن ُ
ومن سُـفـن ٍ كالأنعــام مُـقبلة ومن نَعـــام ٍ كأنهــا سفـن

* وفي أخـرى يتشوق إبن عـينيّـه الى البصرة ونهـر الأبلــة ـ أحدى معـالمها ـ أيـام زمـان

فأن أشك ُ من ليلي بجـرجان طوله فـقد كنت أشكو منـه بالبصـرة القصـرْ
فيـا نفس ُقـد بُدّلـت بؤسـا ًبنعمـــــة ويا عين ُ قـد بدلت من قـُرة ٍ عـبرْ
ويـا حبّـذاك السائلي فيم فكــــرتني وهمّي ألا في البصرة الهـم ّ والفـكرْ
ويـاحبـذا نهـر الأبــــــلة منظـــرا ً إذا مدّ في إبـانه المـاء أو جــزر ْ
وياحسن تلك الجـــاريات إذا غـدت مع المــاء تجــري مُصـّعـدات وتنحـــدرْ
وقـائلة ٌ : مـــــاذا نبـا بك عنهــــم فقلت لهـا : لاعلم َ لي فاسألي القــدر ْ

*الجاحظ

إبن البصرة وأديبهـا الخــالد ، بعـد أن يُعـدد الأعجوبات الثـلاث التي تفـردت بهـا البصرة يذكر بعضـا من عيوبهـا فيقول :
< من عيوب البصرة ، اختلاف أهوائهـا في يوم واحد ، لأنهم يلبسون القـمُـص مرّة والمبطنـات مرّة أخرى لاختـلاف جواهـر السـاعات > وقد وصف هذا الطقس المتقلب ( إبن لنك ) وقال :

نحن بالبصـرة في لـو ن ٍ من العيش ظريف
نحن ماهبـّت شمـال ٌ بين جنـّـات وريف
فـأذا هبـّــت جنـوب ٌ فكأنـا في كنيف !!

* ومن الطرائف

دخل فـتى من أهـل المدينـة البصـرة ، فلمـا انصرف قـال له أصحابه : كيف رأيت البصرة ؟
قــال : هي خـير ُ بـلاد الله للجـائع والغـريب والمـُفـلس !!


ملاحظة مهمّة :
نشر هذا المقال لأول مرة في منتصف أغسطس عام 1996 في الصحف العراقية والعربية الصادرة في لندن / بعد مرور 38 يوماً من هذا التأريخ قامت أجهزة المخابرات البعثية العراقية العاملة في أمريكا بأعادة نشره في مجلة جنسية فاضحة [ ناطقة بالعربية ] وضعت فيه اسم صاحب المقال بالبونط العريض كواحدة من الأساليب الخسيسة لأسقاطه اخلاقياً .

السويد في
12 / 4 / 2017



Advertise on Sotaliraq.com? Click here for more information!

Copyright © 1998-2017 Sotaliraq.com - All rights reserved / جميـــع حقـوق الطبع والنشر محفوظة لصوت العراق
Home | News & Reports | Articles | Privacy Policy | Contact Us

Google