77 وهم الإعجاز العلمي للقرآن 2/2
77 وهم الإعجاز العلمي للقرآن 2/2


بقلم: ضياء الشكرجي - 25-04-2017
[email protected]

www.nasmaa.org

هذه هي الحلقة السابعة والسبعون من مختارات من مقالات كتبي في نقد الدين، حيث نكون مع المقالات المختارة من الكتاب الثالث «مع القرآن في حوارات متسائلة». وهذه هي الحلقة الثانية والأخيرة من «وهم الإعجاز العلمي للقرآن». والنص عبارة عن مقالة أرسلت إليّ، ووضعت تعليقاتي بين مضلعين [هكذا].



جريان السفينة

لقد عبَّر القرآن عن حركة الفُلك في البحر بكلمة (تجري)، وهي الكلمة ذاتها التي استعملها القرآن من أجل التعبير عن حركة الشمس، يقول تعالى [يقصد القرآن]: (وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلكَ لِتَجرِيَ فِي البَحرِ بِأَمرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنهَارَ) (إبراهيم: 32). فهذه السفن والبواخر التي نراها في البحر هي من نعمة الله تعالى، وهي مسخرة بأمره، سخر الرياح وسخر الماء وسخر وسائل صناعة هذه السفن للإنسان من أجل السفر والتنقل وحمل المتاع. [حقا إن الله جل وعلا قد سخر الكون كله للإنسان، والذي استفاد من هذا التسخير طوال حركة العلوم الطبيعية كلها كانوا هم الذين لم يؤمنوا بأي من هذه الأديان، والكثير منهم كانوا ملحدين، أو لادينيين، أو منتمين إلى دين بالوراثة من غير التزام وتدين، فحتى الذين آمنوا منهم، لم يكن نشاطهم العلمي، واكتشافاتهم العلمية مستوحاة من الكتب المقدسة أو مستلهمة من تدينهم، ثم ماذا يكون جواب هذا الباحث القرآني على أن عددا يثير الاستغراب من العلماء والمبدعين كانوا من اليهود، الذي وسمهم القرآن بأنهم قردة وخنازير؟]

وهنا نلاحظ أيضاً وجهاً إعجازياً يتجلى في كلمة (لِتَجرِيَ)، فلو تأملنا حركة السفن في البحر نلاحظ أنها تأخذ شكل الأمواج صعوداً وهبوطاً، ولكن هذه الحركة قد لا تظهر لنا مباشرة، إنما تظهر خلال المسافات الطويلة التي تقطعها السفينة في البحر. وهنا نجد أن التعبير القرآني دقيق علمياً.

لو تأملنا حركة السفن في البحر نجد أنها أيضاً تشكل مساراً اهتزازياً صعوداً وهبوطاً، طبعاً قمنا بتكبير المسار المبين في الشكل باللون الأصفر بهدف إيضاح الحركة فقط.

ولذلك فليس غريباً أن يعبر القرآن عن حركة الشمس بكلمة (تجري)، لأن الله تعالى يحدثنا عن الحقائق، وهو يراها من أعلى! وليس غريباً كذلك أن نجد بعض الملحدين [ليسوا هم فقط، بل حتى نحن المؤمنون الإلهيون اللادينيون أو المؤمنون من الأديان الأخرى] يحاولون التشكيك في صحة هذا القرآن، فهم يعلمون في قرارة أنفسهم أنه الحق، [كيف دخلتَ إلى نفوسهم ونفوسنا نحن الإلهيين المنزهين، ووجدت أنهم وأننا يعلمون ونعلم في قرارة أنفسنا أنه الحق وينكرونه وننكره؟ أليس هذه بدعوى أنك تعلم ما تكنّه الأنفس وما تخفي الصدور، فتجعل من نفسك بمقام علّام الغيوب، وهذا شرك واضح، وأكيدا من حيث لا تشعر، علاوة على كونه منافسة وندية لله في ربوبيته، وبالتالي تجرؤاً عليه جلَّ عما يصف الواهمون. ثم كل تفسيراتك للفعل «تجري» لا تمثل إلا معنى من معاني الفعل، وإلا فالجري والجريان له أشكال متعددة، لا تنطبق كلها على ما تريد أن تخدع به العقول الساذجة.] وهذا ما صوَّره لنا القرآن عندما أنكر فرعون آيات الله ومعجزاته، وهم يعلمون أنها الحق، فكيف كانت عاقبتهم؟ [كل من يخالفكم هو فرعون، وشيطان، ومن أهل النار، وتتمنون أن تستمتعوا يوم القيامة وتتلذذوا برؤيتنا نتلظى بنار الله، والله أرحم وأنزه مما تتوهمون، وتدّعون تجرؤاً على الله أن الجنة لكم حكرا وحصرا، فيا للعجب من عدم توبتكم عن تكفير الناس، وعن تزكيتكم لأنفسكم، والله حسب قرآنكم يقول «لا تُزَكّوا أَنفُسَكُم، هُوَ أَعلَمُ بِمَنِ اتَّقى»]. تأملوا معي قول الحق تبارك وتعالى [يعني قول مؤلف القرآن]: (فَلَمّا جَاءَتهُم آياتُنا مُبصِرَةً قَالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ * وَجَحَدوا بِها واستَيقَنَتها أَنفُسُهُم ظُلمًا وَّعُلُوًّا، فَانظُر كَيفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفسِدِينَ) (النمل: 13-14). [يستمتعون أي استمتاع بشتم ولعن مخالفيهم، فأيّ رُقيّ في الأخلاق، وأيّ ألق في العقل؟]

وأقول يا أحبتي إن القرآن فعلاً كتاب رائع، إنك تجد فيه ما تريد، وتجد فيه الرد المناسب للمعترضين عليه، إذا أردت أن تزداد إيماناً فمعجزات القرآن كفيلة بزيادة إيمانك، وإذا أردت أن تكون سعيداً في هذه الدنيا فالقرآن يضمن لك السعادة في الدنيا والآخرة، فما أجمل هذا القرآن، وما أعظم كلماته، في كل كلمة تجد معجزة تستحق الوقوف طويلاً، اللهم انفعنا بهذه الحقائق، واجعلها حجة لنا في ظلمات هذا العصر! [وأقول: واهدِنا ربنا واهدِ أدعياءَ احتكار الحق، وأدعياء احتكارك، تعاليت علوا كبيرا عما يدعي مُدّعوهم ويظن متوهموهم، عن جُلّ ما نسبت إليك الأديان كلها بلا اسثناء، بل تعاليت حتى فوق تصوراتنا القاصرة نحن المنزِّهين لك.]

رسالتي الجوابية إلى شقيقتي التي أرسلت لي الموضوع:

حبييبتي ...

عظمة ودقة الكون تدل من غير شك على عظمة الخالق، وهناك الأدلة الفلسفية المتينة على وجود الخالق، وعلى كماله المطلق في كل شيء، في دقة صنعه، في علمه، في حكمته، ولكن أيضا في عدله، وفي رحمته. والكلام يطول عن أدلة وجود الله سبحانه وعظمته وكماله وجلاله. أما القرآن، فمن غير شك إنه كتاب عظيم، ولكن ليس كل كتاب عظيم، وما أكثر ما أنتجه الفكر البشري من كتب ونظريات وفلسفات عظيمة، أقول ليس كل كتاب عظيم هو بالضرورة من الله. صحيح، القرآن يشتمل على حقائق علمية، ولو إننا لا نملك يقينا على أن القرآن قد قصد نفس المعاني الذي يذهب إليها صاحب هذا البحث [وغيره]، أو إن القرآن يقصد شيئا آخر، لأن معظم الذين كتبوا فيما يسمى بالإعجاز العلمي للقرآن، بالغوا وتكلّفوا وحمّلوا القرآن ما يريدون أن يخلصوا إليه من نتائج، وضعوها لأنفسهم مسبقا، وهكذا الذين كتبوا في الإعجاز البلاغي أو الإعجاز العددي. فالباحث هنا يفترض معنى محددا من معاني الجريان ومن فعل (يجري) أو (تجري)، فيتكلم عن جريان الخيل، ثم يثبت كيف إن حركة الشمس مشابهة لحركة الخيل. بينما استخدمت اللغة العربية فعل (جرى، يجري، جريا، أو جريانا) ليس للخيل حصرا، فالإنسان يجري، والنهر يجري، والزمن يجري، والتطور يجري، والأمم تجري إلى مصيرها أو إلى أهدافها، فهل يريد أن يقول إن كل هذا النوع من الجري يشبه جري الخيل؟ لا طبعا، فجريان الماء، أو الأنهر لا يشبه جريان الخيل، ولا جري الإنسان عندما يجري. إذن ما زال الجري يختلف من كائن إلى آخر، فأي نوع من الجري تجري الشمس بحسب تصور مؤلف القرآن، ثم ألا يمكن أن يكون هذا عبر تصوره المخالف للحقائق العلمية أن الشمس هي المتحركة، وليست الأرض، ولا أقول هي التي تدور، لأن ليس هناك ما يشير في القرآن بعلم مؤلفه بكون الأرض كروية. مع هذا يشتمل القرآن على حقائق علمية، لكنه يشتمل كذلك على ما يناقض الحقائق العلمية. أكتفي بذكر مثل واحد من سورة الكهف، إذ تتحدث هذه السورة عن مكان معين على الأرض لشروق الشمس، ومكان آخر لغروبها، فيقول القرآن هنا، وهو يحدثنا عن ذي القرنين: «حَتّى إِذا بَلَغَ مَغرِبَ الشَّمسِ وَجَدَها تَغرُبُ في عَينٍ حَمِئَةٍ، وَوَجَدَ عِندَها قَومًا، قُلنا يا ذَا القَرنَينِ إِمّا أَن تُعَذِّبَ وَإِمّا أَن تَتَّخِذَ فيهِم حُسنًا»، ثم يحدثنا عن مكان طلوع الشمس بقوله: «حَتّى إِذا بَلَغَ مَطلِعَ الشَّمسِ وَجَدَها تَطلُعُ على قَومٍ لَّم نَجعَل لَّهُم مِّن دونِها سِترًا»، والكل يعلم أن ليس هناك نقطة على الكرة الأرضية تمثل مكان شروق أو مكان غروب الشمس. فهذا إذن يناقض العلم بكل تأكيد. كما هناك أمثلة أخرى لا وقت لي الآن لسردها. إضافة إلى وجود عدد غير قليل من الأخطاء اللغوية، منها بلاغية ومنها نحوية. هذا كله ربما غير مهم، لكن الأهم إن القرآن يناقض صفات الجمال والكمال والجلال لله سبحانه، فالله يعذّب الناس عذابا خالدا بمنتهى القسوة، لا لشيء إلا لأنهم لم يؤمنوا، بينما الإيمان وعدم الإيمان بسبب قدرة الإنسان على الاقتناع أو عدم قدرته على الاقتناع بشيء ما، حتى لو كان يمثل الحقيقة، لقصور في ذهنه، أو لأي سبب، لا يستوجب معاقبته، وخاصة هذا العقاب الخالد والبالغ أقصى أقصى الحدود في القسوة. ثم الكاتب يغالط بوصف كل المشككين بالقرآن بالملحدين، بينما هناك الكثير من الإلهيين الذين يشككون بالقرآن، إنما يشككون به أصلا من فرط إيمانهم ويقينهم بالله، وتنزيههم له من كل نقص، مما يجدون القرآن لا يراعيه في كثير من طروحاته، فيما يتعلق بالأحكام الدنيوية، أو بالجزاء الأخروي. أما السيرة ففيها الأدلة التي لا تحصى على استحالة أن يكون هذا الدين مما يمكن أن يُنسَب إلى الله، تألقت آيات جماله، وتنزهت عن النقص صفاته. وحتى لو كان الإنسان ملحدا، بسبب عدم اقتناعه بالأدلة التي يستدل بها على وجود الله، فالله لا عقدة له تجاهه، إذا ما كان هذا الملحد إنسانيا، وطيّبا، وصادقا، ونزيها، ومحبا للخير للناس، ومتخلقا بالأخلاق السامية، وكم من الملحدين الذين يتصفون بهذه الصفات الجميلة، فالله يحبهم لإنسانيتهم، ولا يعذبهم بسبب عدم إيمانهم به، بل (ياخذهم على گد عقلهم) إذا لم يوصلهم عقلهم إلى الإيمان به. ثم الكثير مما جاء في القرآن، لا أقول مقتبس، بل متكرر في نصوص سابقة، من كتب دينية سابقة، ومن كتب غير سماوية، كملحمة گلگامش، أو سفر التكوين، وحتى هناك نصوص مأخوذة من الشعر الجاهلي. طبعا كل من هذه الأمور لها بحوث وكتب ومقالات، لا يسعني أن أبحث الآن عنها، لأدرجها. ولكني لست بصدد إقناعكِ بما أؤمن به، فالله الذي أؤمن به ليس مُلِمّا بعلوم الفلك والفيزياء وحسب، بل هو أيضا عدل مطلق، وجمال مطلق، ورحمة مطلقة، وحكمة مطلقة، وسلام مطلق. ولي عشرات الأدلة على مناقضة القرآن لكل من عدله، ورحمته، وحكمته، وجماله، وجلاله. وربما تقرئين يوما كتابي الذي اقترب عدد صفحاته حتى الآن من ال 700 صفحة [قبل أن يتعدى الألف صفحة، ثم يتحول إلى أربعة كتب حتى الآن، هذا ثالثها]، وقد يبلغ الألف صفحة، وسميته «الله من أسر الدين إلى فضاءات العقل»، وأقصد بالعنوان أني أريد أن أحرّر الله، بمعنى صورة الله في أذهان الناس، من أسر وسجن الدين، لأطلق هذه الصورة إلى فضاءات العقل، وقلت (فضاءات) بالجمع، بسبب تعدد صور الفهم الإنساني، لكون عقل وإدراك وتصور الإنسان يبقى نسبيا، وبالتالي متعددا، والله وحده المطلق.

08/2012



كلمة أخيرة في الإعجاز العلمي

فيما يتعلق الأمر بدعوى أو توهم وجود نصوص قرآنية فيها من الإعجاز العلمي، ما يجعل من الممتنع ورود هذا الكتاب من إنسان، أو امتناع أن يكون مصدره إلا الله، وجدت أن لا بد من إجراء دراسة في المستقبل لتلك النصوص المعنية بما يسمى بالإعجاز العلمي، بحيث يجري تقسيم النصوص إلى أربعة أقسام:
1. نصوص تذكر حقيقة علمية - أو هكذا يبدو - لا يمثل ذكرها إعجازا.
2. نصوص تذكر حقيقة علمية مقتبسة من نصوص سابقة للقرآن.
3. نصوص تذكر حقيقة علمية ليس لذكرها سابقة، وبالتالي يُعَدّ ذكرها إعجازا، يوجب من حيث المبدأ التسليم بحقيقة إلهية القرآن، لكنها لا تنهض في مواجهة الامتناع الفلسفي لنسبة القرآن إلى الله.

من أجل الخروج بنتيجة، هي إما الإقرار بأن هناك إعجازا علميا حقيقيا للقرآن، يوجب الإقرار بإلهيته، وبالتالي التسليم بالإسلام ديناً موحىً به من الله إلى نبيه محمد، ورسالةً منه إلى الإنسانية، وحل إشكالية التعارض الفلسفي مع الحقائق الإلهية في ضوء العقل والفلسفة. هذه الدراسة آمل إنجازها مستقبلا، لعلي أستطيع إدراجها في هذا الكتاب، في حال أنجزتها قبل دفع الكتاب للنشر.

26/11/2012




Advertise on Sotaliraq.com? Click here for more information!

Copyright © 1998-2017 Sotaliraq.com - All rights reserved / جميـــع حقـوق الطبع والنشر محفوظة لصوت العراق
Home | News & Reports | Articles | Privacy Policy | Contact Us

Google