الجنة التي غرقت في بحر الدم - ãÍãÏ äÇÌí
الجنة التي غرقت في بحر الدم


بقلم: ãÍãÏ äÇÌí - 14-04-2015


هيرمان لندكفيست *

(قبل 40 سنة دخل الخمير الحمر إلى العاصمة الكمبودية (فنوم بنه) ، لتعيش كمبوديا في كابوس دكتاتوري . هيرمان لندكفست كان هناك ) .

قبل 40 سنة ، بالضبط ، كنت جالسا فيما ظهر لاحقا أنها طائرة الركاب الأخيرة ، التي غادرت إلى عاصمة كمبوديا المحاصرة (فنوم بنه) . من الجو شاهدنا ، نحن ركاب الطائرة الخمسة ، الدخان المتصاعد من قذائف المدفعية التي تتساقط قرب مدرج الهبوط في المطار . الدخان الأسود يتصاعد إلى السماء على بعد مسافة قليلة منا .

نجح قائد الطائرة بالهبوط بسلام ، وقادها إلى اقرب مكان من صالة المسافرين ، ومع صفير قذائف المدفعية فوق رؤوسنا ، ركضنا مسرعين إلى الأسفل ، إلى الملجأ .

ماذا فعلت هناك ؟ خلال 5 سنوات كنت مراسلا لصحيفة (اكسبرسن) في آسيا ، ومتابعا للحرب الكمبودية . لقد توقع الجميع الآن أن النهاية قريبة . والمقاومة الشيوعية تتمركز في ضواحي العاصمة ، ومن هناك تطلق القذائف بغزارة لتسقط فوق المدينة . أكثر من مليوني نازح توجهوا نحو مركز المدينة . كنت أريد أن أرى ما سيحصل بعد أن يسيطر الشيوعيون ويحولوا كمبوديا إلى الجنة الموعودة .

ساد الذعر التام في (فنوم بنه) ، النازحون كانوا يملئون الساحات والمنشآت الرياضية وسلالم المباني والأرصفة ، الدواء والغذاء على وشك النفاذ ، مولدات الكهرباء تعمل لساعات قليلة ، كان ذلك في فصول السنة الأكثر حرارة ، التي بلغت 40 درجة في الظل ، وكانت الروائح الكريهة تنبعث من الأوساخ والدم والنفايات البشرية .

بعد عدة أيام دوّت المروحيات الأميركية فوق المدينة لتنقل إلى الخارج ، كبار موظفي الحكومة الكمبودية ، والدبلوماسيين الغربيين ، والصحفيين الذين رغبوا بالأمان ، أما نحن الذين فضلنا البقاء فقد كان عددنا محدودا . صحيفتي التي أعمل مراسلا لها ، كانت تبعث برقية بعد أخرى : ( اترك كمبوديا فورا . هذا أمر . انسحب . عُد إلى الوطن .) . تظاهرت أني لم اقرأ البرقيات . أردت أن أرى ماذا سيحدث . اعتقدت أن الأمور ستعود لتسير بهدوء ، وان الذين لم يتعاونوا مع النظام السابق أو يرتزقوا من وراء الحرب ليس لديهم مبرر للخوف ، بالإضافة إلى أني سويدي ، وإن الكل قد سمع باولوف بالمه ! كنت مطمئنا ، كنت مجنونا تماما .

تزايد رمي القذائف يوما بعد آخر ، وكل قذيفة كانت تسبب الموت والفوضى بين النازحين في الشوارع . شعر بشري اسود وأشلاء بشرية متناثرة في الطرقات ووسط بحيرات من الدم الأسود القاتم المسفوك في الشوارع .

في الليلة الأخيرة كان القصف يصم الآذان ، عند الفجر سمعنا الصوت : (الشيوعيون قادمون !) . طلائع رجال المقاومة قوبلوا بالترحيب والفرح والتصفيق والمرطبات . الجميع كانوا فرحون ، فالحرب انتهت . استمر الفرح لمدة 5 ساعات ، بعد ذاك وصل الكادر التنظيمي ، نخبة الخمير الحمر من الشمال . كانوا يرتدون البدلات السوداء , ولا يبتسمون . أمروا الجميع بمغادرة (فنوم بنه) فورا . قابلهم الناس بعدم اكتراث ، أين سنذهب ؟ ذووا الملابس السوداء لم يترددوا بإطلاق النار مباشرة على الناس والمحلات والشقق السكنية . أخرجوا !!! صرخوا في مكبرات الصوت . أصيب الناس بالذعر ، وخرجوا مسرعين من بيوتهم ، ومن المدينة . الآلاف التحقوا بعشرات الآلاف غيرهم . بحلول المساء كان الملايين من البشر يبكون ، مذعورون ، يبحثون عن مخرج من المدينة في كل الاتجاهات ، الغالبية يحملون صرة مع بعض الممتلكات . كنا نشم رائحة دخان الحرائق ، جيفة المزابل والموت .

نحن الغربيون الذين فضلنا البقاء ، ذهبنا لنحتمي بساحة داخل السفارة الفرنسية . السفارة كانت مغلقة ، ولكن الحديقة والمباني ظلت موجودة . التحق بنا هناك كمبوديون عملوا مع شركات غربية أو كانوا متزوجين من مواطنين غربيين .

رأينا كيف تم إخلاء (فنوم بنه) خلال عدة أيام . بعد ذاك جاء الخمير الحمر لأخذ كمبوديين من محميتنا الفرنسية . تم إعدام غالبيتهم بالقرب من المكان ، وكنا حينها نسمع أصوات طلقات الرصاص ، ثم جاؤا وحملوا عقيد كمبودي جريح على نقالة ليعدموه في الزاوية المجاورة ، زوجته البلجيكية وبناته سقطن باكيات على الأرض .

بعد عدة أسابيع تم إجلاءنا نحن الأجانب المتبقين ، كنا نشعر بالجوع ، وسخين ، ومتعبين ، نقلونا في شاحنات مكشوفة باتجاه الحدود التايلندية . مررنا في طريقنا بحقول الموت التي تحولت لها كل كمبوديا ، كل مدينة وقرية مررنا بها كانت خالية . رائحة الجثث المتفسخة تزكم أنوفنا وسط الحرارة اللاهبة . وطيلة الوقت منذ الاستيلاء على (فنوم بنه) ، ولغاية إجلاءنا عنها لم يظهر أبدا أحد من القيادة السياسية ، ولم يقوموا بأي تصريح ، أو يقدموا توضيحا لما حدث .

حين عبرت الحدود إلى تايلاند ، كنت مرهقا تماما ، لأواجه بحماس اليسار السويدي : ( تفريغ بيوت الدعارة في فنوم بنه ... الشعب ينتفض ويحصل على الحرية ويطرد المعتدين ... بدأ الناس بتنظيف الشوارع والجدران لأنهم لم يعودوا قادرون على تحمل العيش بظل الاحتقار والإهانة ، ولكن يريدون العيش بسلام ومودة) ، كان هذا مكتوبا في الصفحة الثقافية لصحيفة (اكسبرسن) . الحزب الاشتراكي الديمقراطي السويدي احتفل وهلل ، لكمبوديا السعيدة والمتحررة ، هذا ما أشاعوه . حاولت أن أتحدث عما جرى هناك ، لكنهم أعلنوا بأني معتوه ، ولا أفهم شيء .

*هيرمان ليندكفيست كاتب في صحيفة افتونبلادت السويدية ، وهو حاليا أحد أبرز الكتاب والمؤرخين في السويد . عمل مراسلا صحفيا وتلفزيونيا في أكثر من بلد في أسيا والشرق الأوسط وأوربا .



ترجمة وإعداد : محمد ناجي /كاتب ومترجم
عن صحيفة افتونبلادت السويدية - السبت 11 نيسان/ابريل 2015



Advertise on Sotaliraq.com? Click here for more information!

Copyright © 1998-2017 Sotaliraq.com - All rights reserved / جميـــع حقـوق الطبع والنشر محفوظة لصوت العراق
Home | News & Reports | Articles | Privacy Policy | Contact Us

Google