الدين المجرد ! * - د. رضا العطار
الدين المجرد ! *


بقلم: د. رضا العطار - 21-10-2016

إن المادية اليهودية (او الوضعية) هي التي لفتت العقل الانساني الى العالم، واثارت الاهتمام بالواقع الخارجي.
اما المسيحية فقد لفتت الروح الانسانية الى نفسها. فالواقعية الصريحة (للعهد القديم) لا يمكن التغلب عليها إلا بمثالية حاسمة من (العهد الجديد).
لا يصحً – في المسيحية – شطر الطاقة الانسانية الى اتجاهين متعاكسين : اتجاه السماء واتجاه الارض. (فلا يستطيع إنسان ان يخدم سيدين، فهو اما ان يكره احدهما ويحب الآخر، او يتمسك بأحدهما ويستخف بالآخر، كما هي الحال في (الديانة الزرادشتية). انك لا تستطيع ان تخدم الله وتخدم الشيطان.
وينطلق (تولستوي) من هذه الفكرة فيطورها حيث يقول : (لا يستطيع انسان ان يُعني بروحه وبمتاع الدنيا في الوقت نفسه. فإذا كان الانسان يطمح الى المتاع فعليه ان يتنازل عن روحه، واذا كان يطمح الى خلاص روحه فعليه ان يتخلى عن متاع الدنيا. وإلا فانه يتمزق بينهما، فلا يصل الى هذه او تلك - - لقد اعتاد الناس ان يسعوا للحصول على الحرية عن طريق تجنبهم ما يعوقهم. لكن الوسائل التي يتخذونها لتحقيق متعهم البدنية المادية – من ثراء ومراكز عالية وسمعة بين الناس – كلها لا تؤدي الى الحرية المرغوبة، بل على العكس تقيد هذه الحرية اكثر واكثر. فاذا اراد الناس ان يحققوا حريتهم عليهم ان يبنوا من خطاياهم واهوائهم وضلالاتهم سجنا يحبسون فيه انفسهم بين جدرانه)

لقد لاحظت السلطات الكنسية وجود اختلافات جوهرية بين روح (العهد القديم) و (العهد الجديد) حيث يذهب انجيل مرقص الى ان المسيح عيسى قد الغى قانون موسى، واستبدل (يهوى) – إله العدالة ومنقذ العالم المادي – بأله الحب الذي خلق عالم الغيب اللامرئي. وكما يقول (كوشود) : (في هذا الانجيل تبدو مبادئ الزهد واللاعنف والامتناع عن مقاومة الشر اكثر وضوحا من الاناجيل الاخرى).

لذلك فإن الدين منذ البداية ينبذ اي توجًه لتغيير العالم الخارجي او محاولة جعله عالما كاملا، فالدين المجرد، - من هذا المنطلق – يحكم على اي اعتقاد انساني، بان تنظيم العالم الخارجي او تغييره يؤدي الى زيادة في الخير الحقيقي ويعتبره نوعا من – الخطيئة – او هو في الحقيقة نوع من انواع خداع النفس. فالدين اجابة على سؤال كيف تحيا في ذاتك وتواجه هذه الذات، وليس اجابة على سؤال كيف تعيش في العالم مع الاخرين. انه معبد (على قمة جبل – ملاذ)
على الانسان ان يرتقي اليه تاركا خلفه خواء عالم لا سبيل الى اصلاحه - - عالم يهيمن عليه الشيطان وحده. هذا هو الدين المجرد.
وعندما سأل الناس الحكيم، ماذا ينبغي ان نفعل، أجاب : ( من كان له ثوبان فليعط واحدا لمن لا ثوب له ).
ان التشابه بين هذه العبارات وبين بعض المبادئ الاشتراكية ليس الا تشابها ظاهريا. فلا مناقشة هنا لمجتمع وما فيه من علاقات، انما الامر كله منصب على الانسان ونفس الانسان. فالدين يدعو الى العطاء والثورة (الاشتراكية) تدعوا الى الأخذ. وقد تكون النتيجة الظاهرية واحدة. ولكن النتيجة الباطنية مختلفة كل الاختلاف.
الى الحلقة التالية !
* مقتبس من كتاب (الاسلام بين الشرق والغرب) لعلي عزت بيجوفيتش.






Advertise on Sotaliraq.com? Click here for more information!

Copyright © 1998-2017 Sotaliraq.com - All rights reserved / جميـــع حقـوق الطبع والنشر محفوظة لصوت العراق
Home | News & Reports | Articles | Privacy Policy | Contact Us

Google