عرق هبب وبعشيقة - ماجد زيدان
عرق هبب وبعشيقة


بقلم: ماجد زيدان - 23-10-2016
كنا صغاراً، أي قبل عقود نسمع عن محلتين اكتسبتا سمعة وشهرة ويتناولها الكبار في احاديثهما في الجد والهزل ، هذه الشهرة جاءت من تصنيع العرق المحلى ولا نريد ان نغوص في التاريخ ،المحلتان هما قرية (هبب) على طريق بغداد- بعقوبة، وبلدة بعشيقة التي يتردد اسمها الان في العمليات العسكرية بالموصل..
كان يتم تقطير العرق فيهما سراً، وامتاز بالتركيز العالي للكحول فيه، تهرباً من الضرائب ولقوة النوعية التي يعادل القدح منها عدة اقداح تروى الحكايات والمداعبات في جلسات السمر عن شاربيه، ولكن لم نسمع عن حدوث مشكلات جراء تناول هذا المسكرـ خلافاً للمسكرات الاخرى.
انشأت معامل المشروبات الروحية مع نشوء الدولة العراقية ومايزال بعضها مستمراً في انتاجه فضلا عن ما يستورد منه.
اليوم منع البرلمان هذه المشروبات صناعة وتجارة مستغلاً بند في قانون البلديات ودون مناقشة في محاولة لاقامة الدولة الدينية.
فما الذي سيحدث؟
من المؤكد ان المشروبات لن تنقطع عن العراق ولكن اسعارها سترتفع وسيتضرر الاقتصاد الوطني ، وسيتم تصنيعها في البيوت كما هو الحال في بلدان اخرى سبقتنا في التحريم، وحسب المعطيات ازداد استهلاك المشروبات الروحية فيها وانواع اخرى من المسكرات وفي مقدمتها المخدرات.
ايام الدكتاتور صدام حسين وحملته الايمانية ايضا حرم المشروبات الروحية او ضيق النطاق الى ابعد حد عليها، فماذا كانت النتيجة اتجه المراهقون الى حبوب الكبسلة وبعض الادوية المباح بيعها والى مادة (التنر) و(السبيرتو) وما الى ذلك واصبح لدينا نوع جديد اصطلح على تسمية متعاطيها (الشمام).. ويمكن العودة الى صحف ذلك الوقت للتعرف على حجم المشكلة وكيف تم التغاضي لاحقاً عن القرار.
الاسبوع الماضي عرضت قناة الشرقية تحقيقاً من البصرة عن النزاعات العشائرية يمكن العودة الى الارشيف للاطلاع عليه ، يقول احد الشيوخ فيه اننا رحبنا وايدنا بقوة منع المشروبات الروحية من جنوب بغداد الى المحافظات الجنوبية كلها، ولكن سرعان ما اكتشفنا ورطتنا وخطأ قرارنا، فالشباب اتجهوا الى المخدرات وحبوب الهلوسة وازداد المشكلات والنزاعات في الاسواق والشوارع بين من يتعاطى والذين يحتك بهم وتجر بالتالي الى العشائر.
معروف من اين تأتي المخدرات بانواعها واشكالها وكيف اصبح العراق بلداً مستهلكاً، حتى المحافظات المقدسة والدينية لم تسلم من انتشار سعة المتعاطين، حتى البعض ان طرق تهريبها اصبحت علنية وتتغاضى بعض الجهات عنها.
الاكثر من ذلك ان هذه الآفة التي هي اخطر بكثير من تناول المشروبات على الفرد والمجتمع بكل المقاييس، بل حتى على الاقتصاد الوطني، وتشيع امراضاً بدنية واجتماعية لا حصر لها.
هذه النتيجة لمنع المشروبات هي على كل شفة ولسان، ويذهب البعض الى القول ان القصد من هكذا منع هو زيادة الاستهلاك للمخدرات الذي يصب في جيوب مافيات تعمل من خلف الستارة.
على اية حال الجميع يدعي انه يحترم الدستور اليس في هذا انتهاك للدستور في اكثر من مادة، اولها اسلمة المجتمع وحرمان الاديان من حقوقها، فعلى سبيل المثال، المسيحيون في الكنائس يتناولون بعد كل قداس النبيذ وليس هناك ما يحرم المشروبات الروحية لدى الايزييدين والصابئة والكاكائية فضلا عن ذلك ان مثل هذا القرار فيه مساس بالحرية الشخصية، كما يؤدي الى تداعيات وانعكاسات اقتصادية سلبية على اعداد غفيرة من المواطنين.
ثم ماذا لو تم استحداث محافظة للمسيحيين في سهل نينوى هل يفرض عليها
القانون قسراً وبما يتعارض مع حرية الاديان.. ماذا سيكون موقف الاقليم الذي يضم اقليات من كل الاديان وتتكتل في مناطق جغرافية محددة.
الواقع ان استغلال الاوضاع في البلاد لتمرير قوانين تضرب قسماً من المجتمع سيؤدي الى تصدع الوحدة الوطنية ويقلل الاستفادة من الاجواء الايجابية لتمتين عرى اللحمة بين مكونات شعبنا.
ان هذا القانون سيسقط في التطبيق وتحت مساعي الناس التي سيذهب كل من يريد ان يحصل على المشروب ان ينشأ معمله الخاص وهو امر لا يكلف شيئاً.
الم يكن الافضل لشعبنا ولمجلس النواب البحث وتكريس الجهد لتشريع قانون يخدم الناس لا ان يعقد حياتهم ويثير سخطهم على الحكومة.



Advertise on Sotaliraq.com? Click here for more information!

Copyright © 1998-2017 Sotaliraq.com - All rights reserved / جميـــع حقـوق الطبع والنشر محفوظة لصوت العراق
Home | News & Reports | Articles | Privacy Policy | Contact Us

Google