عْاشُورْاءُ السَّنَةُ الثّالِثَةُ (١٦) - نــزار حيدر
عْاشُورْاءُ السَّنَةُ الثّالِثَةُ (١٦)


بقلم: نــزار حيدر - 26-10-2016


عْاشُورْاءُ
السَّنَةُ الثّالِثَةُ
(١٦)
نـــــــــزار حيدر
الأَمرُ الثّاني الذي لم يتهاون فِيهِ أَميرُ المؤمنينَ (ع) والّذي بنى عليهِ مشروعهِ الاصلاحيِّ الرِّساليِّ، فكانَ حاسماً فِيهِ شديداً بِلا هوادة، هو إِعادةِ وإِرجاعِ المسروقاتِ والمنهوباتِ من المالِ العامِ الى خزينةِ الدّولة.
ولا فرقَ في ذَلِكَ بَيْنَ الاموالِ المنقولةِ وغيرِ المنقولةِ! فقد يسرقُ الحاكمُ مِنَ الدّولةِ نقداً، كما لو كانَ البنگ المركزي يديرهُ أحد أعوانهِ فيُسرّب لهُ المالَ نقداً كما فعلَ (القائد الضّرورة) مُدّة رئاستهِ للحكومةِ حتّى سرقَ هُوَ وأُسرتهِ وزبانيتهِ ومُحازبيهِ ما تسبّبَ بافلاسِ الخزينةِ العامّةِ! وقد يسرقُ أملاكاً تابعةً للدّولةِ من مبانٍ وقِطعِ أراضي وغير ذلك عندما يعرضها للبيعِ على نَفْسهِ! فيشتريها بسعرِ [البلاش] كما فعلَ جلُّ السياسيّين وفيهم عمائم فاسدة، إذ استَولَوا على أملاكِ الدّولة في أكثر من مُحافظةٍ، منها العاصمة بغداد والنَّجف الأشرف وغيرها!.
وقد يوظّف الحاكم المال العام، المنقول وغيرِ المنقولِ، لشراءِ الذِّممِ لتكونَ لهُ بوقاً أو ذيلاً! أو لإِسكاتِ الأصوات المُعارضةِ، فتلوذُ بالصّمتِ على جرائمهِ وأخطائهِ وانحرافاتهِ! كما فعلَ الخليفةُ الثّالثِ، كما تذكر كتب التّاريخ قصصاً كثيرةً بهذا الصّددِ! عندما أطلقَ يدُ الأمويّين في المال العام، أموالاً وأَملاكاً وأَراضٍ شاسعةٍ! أو لشراءِ أصواتِ النّاخبين، كما فعلَ [عِجلٌ سمينٌ] واحِدٌ على الأقلّ، عندما وزّعَ سندات قِطَع الأَراضي على [الفقراءِ] لكسبِ أَصواتِهم، ليتبيّنَ فيما بعدُ أَنّها مُزوّرة! وليست حقيقيّة كما فعلَ الخليفة الثّالث مع الأمويّين!.
ففي أَوّلَ خطابٍ لهُ عندما بويعَ خليفةً للمسلمينَ قال عليه السّلام بكلِّ وضوحٍ وصراحةٍ وصرامةٍ؛
أَيُّهَا النَّاسُ! إِنِّي رَجُلٌ مِنْكُمْ، لِي ما لَكُم وَعَلَيَّ مَا عَلَيْكُمْ، وَإِنِّي حَامِلُكُم عَلَى مَنْهَجِ نَبِيِّكُمْ، وَمُنَفِّذٌ فِيكُمْ مَا أَمَر بِهِ.
أَلا وَإِنَّ كُلَّ قَطِيعَةٍ أَقْطَعَهَا عُثْمَانُ، وَكُلَّ مَالٍ أَعْطَاهُ مِنْ مَالِ اللهِ فَهُوَ مَرْدُودٌ فِي بَيْتِ المَالِ، فَإِنَّ الْحَقَّ لا يُبْطِلُهُ شَيْءٌ، وَلَوْ وَجَدْتُهُ قَدْ تُزُوِّجَ بِهِ النِّسَاءُ وَمُلِكَ بِهِ الاِْمَاءُ وَفُرِّقَ فِيِ الْبُلْدَانِ لَرَدَدْتُهُ؛ فَإِنَّ في العَدْلِ سَعَةٌ، وَمَنْ ضَاقَ عَلَيْهِ العَدْلُ، فَالجَوْرُ عَلَيْهِ أَضيَقُ!.
إِنَّ هذا النّص التّاريخي الالهي العظيم يُلخِّص كلّ مقوّمات المشروع الاصلاحي الحقيقي، وما دونهُ وغيرهُ كذبٌ ودجلٌ وهُراءٌ وتحايلٌ وتجارةٌ رخيصةٌ بالدّينِ والمذهبِ والنصِّ المقدَّس.
فالإصلاحُ عادةً ما يمونُ من سنخِ المُصلحِ، والعكسُ هو الصّحيح، ولقد حدَّد الامامُ (ع) في النّصِّ أَعلاهُ الأُسس التّالية للاصلاحِ وللمصلحِ على حدٍّ سَواء؛
١/ الرّاعي لا يميّزهُ شيءٌ عن الرّعيّة، الّا الانجاز، فكلُّ تمييزٌ أو تمايزٌ على أَساس المنصب والانتماء والعشيرة والحزبيّة والمناطقيّة فهو مرفوضٌ ومردودٌ.
هذا يعني أَنّهُ ليس للرّاعي ميزةً إضافيَّةً على الرّعيّة فيتكبّر ويتجبَّر، أَو كما تصفُ عقيلةُ الهاشميّين بطلة كربلاء زينب بنت عليٍّ بنت فاطمةَ الزّهراء بنتَ رَسُولِ الله (ص) طاغيةَ الشّامِ الأَرعنِ الطّليقُ ابْنُ الطّليقِ يزيد بن مُعاوية بقولِها {فَشَمَخْتَ بِأَنْفِكَ وَنَظَرْتَ فِي عِطْفِكَ، تَضْرِبْ أَصْدَرَيْكَ فَرَحاً وَتَنْفُضَ مُذْوَرَيْكَ مَرَحاً، جَذْلَانَ مَسْرُوراً}.
وهي صفة الانسانُ عندما يطغى، على العكسِ ممّا أَوصى بهِ لُقمانُ إِبنهُ، كما في قولِ الله تعالى {وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ* وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ}.
وقولهُ تعالى {وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا}.
أَوَلَم يكتب أَميرُ المؤمنينَ (ع) في عهدهِ الى مالك الأشتر لمّا ولّاهُ مِصْرَ {وَأَشْعِرْ قَلْبَكَ الرَّحْمَةَ لِلرَّعِيَّةِ، وَالْـمَحَبَّةَ لَهُمْ، وَاللُّطْفَ بِهِمْ، وَلاَ تَكُونَنَّ عَلَيْهِمْ سَبُعاً ضَارِياً تَغْتَنِمُ أَكْلَهُمْ، فَإِنَّهُمْ صِنْفَانِ: إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي الدِّينِ، وَإمّا نَظِيرٌ لَكَ فِي الْخَلْقِ}.
إَنَّ الحاكم العاقل والحكيم لا يرى لنفسهِ ميزةً على النّاس لمجرَّد المنصب والموقع والسّلطة والسُّلطان، أَبداً، فليس عاقلٌ يتباهى بمُلكٍ زائلٍ وموقعٍ لا يدومُ يصفهُ أَميرُ المؤمنين (ع) بقولهِ {صَاحِبُ السُّلْطَانِ كَرَاكِبِ الاَْسَدِ: يُغْبَطُ بِمَوْقِعِهِ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَوْضِعِهِ} وصدقَ عليهِ السّلام عندما كتب في عهدهِ المذكور {وَإِذَا أَحْدَثَ لَكَ مَا أَنْتَ فِيهِ مِنْ سُلْطَانِكَ أُبَّهَةً أَوْ مَخِيلَةً، فَانْظُرْ إِلَى عِظَمِ مُلْكِ اللهِ فَوْقَكَ، وَقُدْرَتِهِ مَنْكَ عَلَى مَا لاَ تَقْدرُِ عَلَيْهِ مِنْ نَفْسِكَ، فَإِنَّ ذلِكَ يُطَامِنُ إِلَيْكَ مِنْ طِمَاحِكَ، وَيَكُفُّ عَنْكَ مِنْ غَرْبِكَ، يَفِيءُ إِلَيْكَ بِمَا عَزَبَ عَنْكَ مِنْ عَقْلِكَ!
إِيَّاكَ وَمُسَامَاةَ اللهِ فِي عَظَمَتِهِ، وَالتَّشَبُّهَ بِهِ فِي جَبَرُوتِهِ، فَإِنَّ اللهَ يُذِلُّ كُلَّ جَبَّار، وَيُهِينُ كُلَّ مُخْتَال}.
وانَّ من المساواةِ الانصافِ، وهو أحدُ أَعظمِ صفاتِ المرءِ، كما وردَ في الحديثِ الشّريفِ {مَنْ لَا إِنْصَافَ لَهُ لَا دِينَ لَهُ} فما بالُك بالحاكمِ والمسؤولِ؟!.
يَقُولُ أَميرُ المؤمنين (ع) في عهدهِ للأَشتر؛
أَنْصِفِ اللهَ وَأَنْصِفِ النَّاسَ مِنْ نَفْسِكَ، وَمِنْ خَاصَّةِ أَهْلِكَ، وَمَنْ لَكَ فِيهِ هَوىً مِنْ رَعِيَّتِكَ، فَإِنَّكَ إِلاَّ تَفْعَلْ تَظْلِمْ، وَمَنْ ظَلَمَ عِبَادَ اللهِ كَانَ اللهُ خَصْمَهُ دُونَ عِبَادِهِ، وَمَنْ خَاصَمَهُ اللهُ أَدْحَضَ حُجَّتَهُ، وَكَانَ لله حَرْباً حَتَّى يَنْزعَ وَيَتُوبَ.
٢٦ تشرين الاول ٢٠١٦
لِلتّواصُل؛
‏E-mail: nazarhaidar1@hotmail. com
‏Face Book: Nazar Haidar
‏WhatsApp & Viber& Telegram:



Advertise on Sotaliraq.com? Click here for more information!

Copyright © 1998-2017 Sotaliraq.com - All rights reserved / جميـــع حقـوق الطبع والنشر محفوظة لصوت العراق
Home | News & Reports | Articles | Privacy Policy | Contact Us

Google