الخمر بين الحلال والحرام والإباحة - راغب الركابي
الخمر بين الحلال والحرام والإباحة


بقلم: راغب الركابي - 27-10-2016
قبل النطق بالحكم على الموضوع يلزمنا بيان بعض المقدمات ، كعلامات لتوضح البون الشاسع بين كلام الله و بين كلام كهنة الدين ورجاله ..
يشيع في الوسط المسلم مقالتين :
أُولاهما تقول : - إن حلال محمد حلال إلى يوم القيامة وحرامه حرام إلى يوم القيامة - .
وثانيهما مشتقة من قول بعض الفقهاء عن أي شيء :- هذا حلال وهذا حرام - .
مع إن الكلام منهم لايخلو من دعة وترف فكري لا غير ، لأن الحقيقة هي غير ذلك بكل تأكيد ، فلفظة - حلال - لها إشتقاق معنوي ومفهومي محدد بدقة في كتاب الله ، وكذا لفظة - حرام - لها كذلك دلالة مفهومية محددة بإتقان في كتاب الله .
والتحديد الذي نعنيه هو الصيغة الرياضية بالعدد لا غير ، ويعني ذلك إن - للحلال والحرام - مساحة محددة و معينة يتحركان بداخلها ، ولا يجوز بحال الخروج عنها إلاّ بدليل مضبوط من كتاب الله .
ويعني هذا إن المساحة الأعم في حياتنا هي – للمباح - ..
ومن أجل توضيح ذلك نستدرج القاعدة المتداولة في أصول الفقة والتي تقول : ( إن الأصل في الأشياء الإباحة ) .
والمُراد من ذلك قولنا : - إن كل شيء مباح للإنسان ، إلاّ ما ثبت عدم صلاحيته وفائدته فهو متروك - .
والثبوت والإثبات من القضايا النسبية والتي ترتبط بآليات فعل الإنسان في الوجود والعدم ..
وبما إننا نُسلم بصحة تلك القاعدة الأصولية ، لذلك يُمكننا تعميمها على كل - مايؤكل وما يُشرب - أي إنه سيكون لدينا أصل صحيح بإباحة : - كل مأكول وكل مشروب - !! إلاّ ما ثبت خلافه في الكتاب المجيد ...
وتأسيساً على ذلك فيجب علينا إذن ان نوضح ما تعنيه كلمة أو لفظة - حرام - في كتاب الله ؟
وماهي صيغتها الدلالية والمفهومية واللسانية ؟؟





صيغة - الحرام - في كتاب الله هي صيغة حقيقية وتركيب ذي دلالة محددة لغوياً وبنائياً ، أي هي صيغة وضعت لتعني الشيء المسمى بها بذاته ، ولا تتسلل لغير هذا الشيء ، ولأنها كذلك فهي من الألفاظ الحصرية الممنوع تداولها إلاّ في كتاب الله والممنوع فيها الترادف اللفظي والمعنوي ، فعندما يقول الله [ حرمت عليكم الميتة ] فهذا يعني إن جنس الميت من الأشياء هو - حرام ذاتاً - علينا .
والمحرم ذاتاً : هو صفة تقديس للشيء تلازمه ملازمة وجود وعدم ، فحينما نقول مثلاً : هذه أرض محرمة ، فإننا نعني بها إنها - أرض مقدسة - ، والأرض المحرمة لايجوز الدخول إليها إلاّ على نحو خاص بها ، ولهذا يقال : مكة أرض حرام - أي إنها أرض يحرم العبث بها على أي نحو ..
وهكذا عندما يقول - حرمت عليكم أمهاتكم - فهي محرمة بذاتها لأنها مقدسة في ذاتها ، فلا يجوز التعدي عليها وعلى ساحتها كما لايجوز العبث بها ..
فالتحريم هنا هو – صفة إجلال وتعظيم - ولذلك يكون التحريم دوماً صفة للتعظيم والتبجيل لا صفة للتحقير ..
ولهذا فلا خلاف عندنا في صحة التسمية والنسبة هذه ، فحينما يقال - الزنى محرم على المؤمن - فالمراد من ذلك التحريم هو تقديس ساحة المؤمن وصيانتها من كل عبث ، ويظهر لنا ان ليس في صفة التحريم أي تحقير ، وهذا المعنى يمكن إعتباره سارياً على كل ما ورد في كتاب الله من تحريم سواء في اللفظ أو المسمى ..


وهذه القاعدة يمكن إعتمادها حتى في : قضية تحريم - لحم الخنزير - الذي عجز معه فقهاء التراث ان يأتوا بالعلة المنطقية التي يبنون عليها حكمهم في تحريم لحم الخنزير ، غير أقوال متهالكة لا تصلح ان تكون دليلاً منطقياً في رأيهم الدارج ، ولكننا وجدنا في سياق وحدة النص وموضوعه ان تحريم - لحم الخنزير – هو للأهمية ، أو لأهمية لحم الخنزير ويجري هذا مجرى تحريم - الهندوس لأكل لحم البقر - فالتحريم هنا للتعظيم وليس للتحقير ، كما هو واضح في الإستخدام اللغوي والتوظيف الجاري في لغة العرب ..
وبناءً على ذلك تكون : جميع صيغ التحريم الواردة في كتاب الله واحدة ودالة على شأن واحد وهو تعظيم المحرم وليس تحقيره أو الحط من شأنه ، فالتحريم فيه لأهميته وجلاله ..


كما يجب ان نعلم بان صيغة - الحرام – في كتاب الله هي صفة حقيقية : [ أي إنها تأتي للشيء في نفسه أي لمن سُمي بها ] وليست هي صفة إعتبارية : [ كما يزعم رجال المؤوسسة الدينية ، إذ لا يصح إطلاقها أو تعميمها في غير ما جاء اللفظ دالاً عليها ] ، ولهذ لا يصح تعميم هذه الصيغة من غير الوضع الذي أختاره الله لها ، إذ لا يصح أن نقول إن محمدًاً - ص - قد حرم شيئاً فهذا ليس من إختصاصه ولا هو من صلاحياته ، أعني إن التحليل والتحريم ليس من صلاحيات محمد – ص - !!
ولإنها كذلك فلا تتعلق صيغتها بطبيعة الإستخدام وأغراضه ، ولايتعلق أمرها بالعارض أو اللاحق ، وهذا يعني : - إن العلم بماهية التحريم دليل على قدسية الشيء المحرم في ذاته - .
ولهذا قيل في الفلسفة : إن عدم العلم بالعلة ليس دليلاً على عدم العلم بالمعلول - .
ففي النص التالي : ( حرمت عليكم أمهاتكم ) يعني ان تحريم أو حرمة الأم من حيث هي في ذاتها ، أو لأنها الساحة المقدسة الواجب تعظيمها وتقديسها ، ولا يتعلق أصل التحريم بفعل ما أو عمل ما هنا ، إذ فيه الأمر بما هي أو من حيث هي أم ..





المباح : قيل إنه - هو كل شيء لم يحرمه الله في كتابه - ولفظ كل شيء في سياق التعريف يمكن ملاحظته على النحو التالي :
إن كل شيء مأكول فهو مباح .
إن كل شيء مشروب فهو مباح إيضاً .
هذا الإستنباط يوضح لنا بان ساحة المباح تشمل كل ساحة الكتاب المجيد ، طبعاً يدخل في ذلك مايسمى - المنهي عنه - الوارد في صيغة - لاتفعل - لأن هذه الصيغة مقيدة ومحكومة بآليات الزمان والمكان ، وعليه - فالمباح - يُشكل كل الساحة العملية التي يمكنها إستيعاب مجمل الأحكام والقوانين ، أي إن ساحة المباح مجالها التداولي هو - كل ما يجوز فعله وما لايجوز فعله - .
ويجب ان نعلم بان - الجواز وعدمه : هما من المفاهيم النسبية التي تصح أو لاتصح بحسب الواقع الموضوعي ، وما يؤثر فيه من عوامل بيئية وإجتماعية وإقتصادية وسياسية وغيرها ، وهذه العوامل هي التي تصنع مفهومي - الجواز والعدم - ضمن الشروط الموضوعية المعينة ..
فمثلاً : - لا يجوز السماح للمرء ان يخرج عارياً في شتاء فلندا !!
لماذا لايجوز ذلك ؟ لأنه ببساطة : يترتب على ذلك الخروج مخاطر صحية وجسدية جمة ، لذلك وحفاظاً على سلامة ذلك المرء يُمنع من الخروج عارياً في الشتاء القارص ..
ونفس الشيء يقال للذين لا يعرفون بمخاطر أكل لحوم البقر المصاب بالجنون ، وكذا يُمنع أكل لحم الطيور المصابة بالانفلونزا ، وهكذا ..
فكل شيء يُعرف سببه يُعرف في المقابل إن كان يجوز إستخدامه أو لا يجوز !!
وبعبارة واضحة : إن إستخدام كل شيء معروف السبب متوقف على شيئين أثنيين هما :
1 - الفائدة من ذلك الشيء .
2 – المصلحة والغرض المرجوة منه .
وعليه يمكننا إستنباط قاعدة أصولية على النحو الآتي : إن - المباح - ذو طبيعة إعتبارية وهو لذلك يخضع بالضرورة للأحوال التي تحكمه ، فيتغير حسب هذا على نحو دائم ومستمر ، فما يجوز عمله اليوم قد نمنعه في الغد ، تبعاً لأسباب ظاهرة وموضوعية ومرتبطة بمصالح الإنسان ووجوده ..





وإذا كان ذلك كذلك : فكيف يُمكننا التعامل مع ماورد في كتاب الله عن - الخمر - ؟؟
وكيف يُمكننا تأويل النص القائل : (( إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجسُ من عمل الشيطان فأجتنبوه )) - المائدة 9 - .
في هذا النص هناك أربعة محاور بحثية تبدو واضحة ويجب التعامل معها بروح من المسؤولية التامة وهي :
المحور الأول : دلالة - إنما - في اللغة .
المحور الثاني : دلالة - الخمر - في اللغة والإصطلاح .
المحور الثالث : دلالة - الرجس - إصطلاحاً .
المحور الرابع : حكم - الخمر - .
و يُمكننا موضوعياً حساب المحاور الأربعة تلك كمحور واحد ، والتعامل معهن كجملة واحدة ذات سياق واحد ، حيث إن لفظ – إنما - دال على الحصر في لغة العرب ، وهي هنا حصر للجزء الثاني في الجزء الثالث وبيان حكمه رابعاً . .
أي حصر مفهوم - الخمر - بالمحور الثالث وتعليل حكمه وإظهاره .
والخمر : هو لفظ صحيح الإشتقاق ، وقد وظف في كتاب الله بصيغتين هما :
1 - الخمر بإعتباره أسماً .
2 - والخمر من حيث هو مسكراً .
والخمر : في اللغة عبارة عن كل مسكر ، وهو صفة عامة لكل ما يغطي العقل ويفقده الوعي والإدراك ، ولهذا سُمي لباس المرأة - خماراً - ، وإطلاق اللفظ جار في لسان العرب على ماهو ظاهر وما هو باطن !!
والخمر يُصنع في العادة من الفواكة والمحاصيل الزراعية ، ولأن الإنسان هو الكائن الذي أستخدمه شراباً بعد تسويته ، وهو نفسه الذي أدرك بان هذا الشراب يسبب له زوال الإدراك لبرهة من الزمن سمى الإنسان ذلك الشراب – خمراً - .
[ والخمر هذا يؤدي إلى تعطيل دور العقل من أداء وظائفه لبرهة من الزمن من دون ضرورة وحاجة لذلك ] ، بل تم ذلك منه عن إختيار لذلك عُد هذا العمل في الكتاب أثماً أو رجساً ، لماذا ؟ قيل لأنه إختيار في المخالفة ، أعني إختيار مخالف لطبيعة العقل وما يُستخدم لأجله !!

ويجب العلم بان الإنسان إنما تطور من صفته البشرية التي خلق فيها لصفته الثانية التي صار معها إنساناً ، إذن فالتطور إنما كان في عقله وفي معرفته لذلك جعله الله خليفة له على الأرض ، يظهر ذلك بقوله : [ إني جاعل في الأرض خليفة ] .
والخلافة موضوعياً لاقت معارضة شديدة من الملائكة الذين أعترضوا على جعل هذا البشر الذي يسفك الدماء ويقتل ويهدم ويتعارك من أجل قضايا تافه هذا المخلوق كيف له إن يكون خليفة ً لله ؟؟ ، إذن فهو إعتراض وجيه من قبلهم على البشر قبل أن يصبح إنساناً ، نقرء ذلك الإعتراض بالصيغة التالية : [ أتجعل فيها من يفسد فيها ويُسفك الدماء ] .
وهذه الصيغة في لسان العرب هي إستفهام إنكاري ، أي إنهم ينكرون على الله هذا القرار ، لكن الله وهو صاحب تجربة التحويل والجعل قال : [ إني أعلم ما لا تعلمون ] .
والعلم الإلهي هذا يرتبط بنظام الصيرورة المعرفية التي حدثت لهذا الكائن ، وثانياً : بمفهوم الأمانة التي عرضها الله على السموات والأرض ، كما ورد في الذكر التالي : [ إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض فأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولا ] .
والإمانة التي حملها الإنسان هي - خلافته - في الأرض ، والتي تعني بناء وإعمار وإصلاح الأرض وما عليها ، وهذا الإستنتاج نقرئه في النص التالي : [ هو الذي أنشائكم في الأرض وأستعمركم فيها ] .
والإنشاء والإستعمار صفتان تتعلقان بالهدف من الخلق والهدف من الجعل ، أي الهدف من خلق البشر وجعله إنساناً ، و من ثم تحويله بالجعل إلى خليفة ..
وحينما يُعطل الإنسان دوره المجعول من أجله خليفة يُعد ذلك الفعل منه - رجس أو أثم - ، ويكون ذلك منه إستجابة لإرادة الشيطان ، الذي بدء رحلته في الخلاف مع الإنسان ومع تطلعاته للعدل والحرية والسلام والحب ، يظهر ذلك في الرصد القرآني القائل : [ الشيطان عدو لكم فاتخذوه عدوا ] أو بقوله : [ الشيطان يعدكم الفقر ] .

و - الشيطان - : هو عبارة عن جملة المشاعر والأفكار والأحاسيس المخالفة لهوى ورغبة وإرادة الإنسان .. أي إن الشيطان ليس وجوداً مادياً إنما هو عبارة عن نتاج فعل الإنسان وعمله في مخالفة القانون والنظام العام ..
لذلك عبر الله عن - الخمر - بانه رجس من عمل الشيطان ، ولذلك طلب منا كتوجيه إرشادي وليس أمراً تعبدياً ، ان نتجنب الخمر باعتباره يؤدي بنا لتعطيل وظائف العقل فيما طلب منه في البناء والإعمار ..
ولكن أمر الإجتناب : هو أمر مباح ، وسواء فعلناه أو لم نفعله فهو من شؤوناتنا الخاصة ، أي إن الأمر هنا ليس من الأحكام ، فيكون شرب الخمر مباحاً ولا عقوبة على فاعله ، أعني إن الله لم يقرر عقوبة لشارب الخمر في الكتاب المجيد ..
ولكن النهي في النص عن الخمر إنما هو نهي توجيه وإرشاد وليس نهي توبيح وعقاب .
ولذلك قال ابن سينا الفيلسوف المعروف : إن كأساً من الخمر لا يضر ..
وكذا قال الإمام إبو حنيفه : بجواز شرب النبيذ .. والنبيذ هو الخمر لأنه من عموم معنى المسكرات ..


ثم إن فكرتي - الضرر والجواز - تنسجمان مع ما كان سائداً ، إذ الثابت بالدليل إن للخمر فوائد ومنافع تاريخية وعلمية ، فهو في التاريخ كان المادة التي يستخدمها الأطباء في عملياتهم الجراحية ، فقد كان أبو بكر الرازي الطبيب المشهور : يستخدم الخمر في إجراء عملياته الجراحية ، فهو يعطي للمريض جرعة من الخمر تكفي لفقدان المريض وعيه حال العمل الجراحي ..
وهذا الإجراء العلمي كان متبعاً قبل إكتشاف مادة التخدير المعروفة اليوم وهي من المسكرات إيضاً ، أي إن الخمر قد ساهم بشكل مباشر وغير مباشر في رفع الضرر من على الإنسان ، وهذه المساهمة أطلق عليها الكتاب المجيد - المنفعة - كما يظهر في المعنى المتقابل في قوله تعالى : [ يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس ] - البقرة 219 - .





وأما - السكر - فهو لفظ دال على صفة لما يؤدي إليه الخمر حال شربه ، أو هو لفظ دال على كل ما يُمكنه فعل السكر ..
ولكن الكتاب المجيد أستخدم هذا اللفظ للتعريف بماهية الخمر أو بما يفعله الخمر وما يؤدي إليه ، فحينما يقول الله : [ ولا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ] - النساء 42 - .
فالنهي في النص متعلق وجوداً بالسكر الذي يؤدي إلى عدم العلم ، إذ الأصل ان تعلم ما تقول في الصلاة ، فلو فقد المرء العلم بما يقول يُعد كلامه عبثاُ .
والصلاة هنا هي ليست هذا العمل الطقوسي وإن كانت من مصاديقه ، بل إن الصلاة هي لفظ لمعنى الصلة والإتصال في الحياة وعالم الأشياء ..
والنهي في النص إنما يُقرر حالة عدم الإتصال بما حولنا في حال السكر ، وعدم الإتصال وعدم الشعور بما حولنا يؤدي في العادة لخلق مشاكل للفرد وللجماعة ، لذلك عُد - السكر - مورثاً للعداوة والبغضاء ، وهذه إن حصلت في الحياة أفسدتها ، إذ قيمة الحياة بالاستقرار لأنه الكفيل في البناء والتنمية والتقدم المجتمعي والحضاري ..


كما يجب التنبيه هنا إلى إن ما مارسه وما حكم به فقهاء التراث الديني هو ليس حجة على الله ولا على كتابه ، بل يمكن إعتبار فتاوآهم في هذا المجال إستبداد ديني وقمع صريح ضد كتاب الله ودلالات بيانه ، ففقهاء التراث أدخلوا - الخمر - في باب الحرام من الأشياء وهذه منهم مخالفة صريحة لكتاب الله ، لأن الله في كتابه يقول : [ قل أرئيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراماً وحلالاً ، قل ءالله أذن لكم أم على الله تفترون ] - يونس 59 - .
وهنا نصل إلى النقطة المهمة والتي نقول فيها : إن الخمر لا يدخل في باب - الحرام - إنما ساحته الرئيسية هو – الإباحة - أي إن الخمر مباح للإنسان شربه ، إذا تيقن الإنسان بانه إذا شربه لا يفقد - العقل والإدراك - وإذا حصل هذا فلا بأس بشربه ..
وكذا لمن تعود على شربه ولم يسكر فيجوز له ذلك ، ولكن النهي لمن يبتدي شرابه ، لأنه قد يسبب له ضرراً وهذا منهي عنه إذ النهي متعلق بالضرر وليس بالخمر ..


* ومن هنا يصح لنا القول : بان ما يردده فقهاء التراث عن تحريم الخمر بواسطة رسول الله – ص - ليس على ما ينبغي : إذ وكما قلنا فان الرسول – ص - ليس من صلاحيته التحريم والتحليل ، لأن التحريم والتحليل من خصوصيات الله سبحانه وتعالى ..
ولكن يصح لنا ان نقول : بان محمداً - ص – قد منع عن ذلك بصفته حاكماً وليس بصفته مشرعاً ، فالمنع أو الأمر في مثل هذه الأحوال إنما يتعلق في الزمان والمكان ..
وهذا دليل على بطلان القول الدارج : بإن حلال محمد حلال إلى يوم القيامة وحرامه حرام إلى يوم القيامة - .
فمحمد - ص - لم يكن ولن يكن مشرعاً ، وليس من صفاته الرسولية ذلك ، ولكن كما قلنا يجوز له المنع والأمر من حيث هو حاكم ، والمنع غير التحريم في الدلالة وفي الماهية ..
ثم إن النص 59 من سورة يونس يتضمن إستفهام إنكاري ، أي إنكار التحريم والتحليل لبني البشر من الناس ، ومن ذلك نفهم إن ما سماه الله في كتابه حلالاً فهو حلال ، وما سماه الله حراماً فهو حرام ، وما لم يسمه الله فهو مباح ..

راغب الركابي



Advertise on Sotaliraq.com? Click here for more information!

Copyright © 1998-2017 Sotaliraq.com - All rights reserved / جميـــع حقـوق الطبع والنشر محفوظة لصوت العراق
Home | News & Reports | Articles | Privacy Policy | Contact Us

Google