عراق ما بعد تحرير الموصل الحشد والقوى العسكرية غير النظامية (3-3) - لقمان عبد الرحيم الفيلي
عراق ما بعد تحرير الموصل الحشد والقوى العسكرية غير النظامية (3-3)


بقلم: لقمان عبد الرحيم الفيلي - 04-11-2016
حاولنا في المقال الاول ان نحلل الحالة العراقية الداخلية تحليلا دقيقا وشاملا وننظر اليها من جوانبها المتعددة، وفي الجزء الثاني حاولنا ان نحلل ونستقرئ دور التحالف الدولي والوضع الجيوسياسي للمنطقة وللعراق, وفي هذا الجزء الثالث والاخير لهذه المقالة سنحاول ان نستقرئ بعض مفردات مستقبل الحشد الشعبي وخصوصاً المعطيات المهمة المعنية بأمن العراق. هناك اسئلة جوهرية نحتاج ان نبحث عن اجابات لها قبل ان نتحدث عن مستقبل الحشد الشعبي، هذه الاسئلة هي: ما هي الرؤى والآليات لتحديد دور الحشد الشعبي (المنضبط وغير المنضبط) بعد تحرير الموصل؟ ومن هو المسؤول عنها؟ وهل هناك خارطة طريق لحل وجود الكيانات الحشدية؟ ام انها سوف تدمج بالجيش العراقي النظامي؟ ام هناك تخطيط بأن تكون كيانات الحشد مرادفة للجيش؟ وهل وجود الحشد الشعبي هو عنصر قوة ام ضعف للدولة العراقية على المدى المتوسط والبعيد؟ وكيف ترى الاطراف الاخرى الدور المرتقب للحشد واحتمالية تفكير قيادات الحشد المختلفة بدور سياسي قيادي لها بعد تحرير الموصل وخصوصا مع قرب حلول انتخابات المحافظات والنواب؟.
في البداية نرى ان من الضروري ان نفهم الحالة الحشدية وماهيتها قبل ان نستقرئ مسيرة تطور فصائل الحشد واثرها المستقبلي على الوضع الامني والسياسي العراقي (والاقليمي بعض الشيء). الحشد ليس كيانا واحدا متجانسا او ذا هيكلية واضحة، وانما يتضمن مكونات مختلفة تعمل تحت مظلتها قوات شيعية وسنية ومسيحية وتركمانية وكردية وشبكية.
لا يخفى على احد ان وجود الحشد وصعوده في الساحة العسكرية كان ضرورة ونتاج حاجة آنية لحماية المجتمع العراقي من ارهاب داعش والحركات التكفيرية السلفية وبقايا حزب البعث، وان صورة العراق اليوم كانت ستتغير لولا دخول الحشد للمعادلة العسكرية. هذا العنصر في المعادلة زاد من معنويات الجيش والشرطة الاتحادية واوقف زحف داعش نحو مدن ومراكز دينية مهمة وحافظ على وحدة البلاد. ولعل قدرة ابناء الحشد على الالتزام بتعليمات وتوصيات المرجعية الدينية والقائد العام للقوات المسلحة عكست مدى جديتهم ومهنيتهم (رغم المجازر الوحشية المتعددة التي ارتكبتها داعش) ووطنيتهم في السعي بكل ما يملكون لانهاء كيان داعش. وهنا تأتي اهمية البحث عن اجابة للسؤال التالي: هل كانت قوى الحشد تريد ان تعكس، لكل العراقيين ولمن هو خارج الحدود، انها قوة وطنية هبت للدفاع عن العراق بشتى قومياته واجناسه وطوائفه واديانه ام هي قوة شيعية طائفية فقط؟ من جانب آخر لا يخفى على احد الدور الايجابي الذي لعبه الحشد في المعارك وكيف انه عكس ايجابية دوره الاجتماعي والتنظيمي والاخلاقي.
واذ نحاول ان نرى مواقف بعض الاطراف غير الشيعية من مشاركة الحشد الشعبي في تحرير الموصل فاننا بالمقابل نرى ان هناك اعتراضا من قيادة اقليم كردستان من مشاركة الحشد في تحرير الموصل وقد تكون نتيجة مخاوفهم من فقدان سيطرتهم على المناطق المتنازع عليها. وهناك اعتراض ايضاً من بعض العشائر العربية السنية نتيجة مخاوفهم الطائفية (حقيقية او مفتعلة) بفقدان تحكمهم بهذه المناطق المتحررة. وهناك مخاوف من اميركا ودول التحالف من مشاركة الحشد ايضاً نتيجة اعتراض بعض الدول الخليجية. الكرد والعرب السنة والاميركان ودول التحالف والاتراك لديهم مخاوف من علاقة (دعم لوجستي وارتباط ايديولوجي/ عقائدي وبالتالي سياسي) لبعض القوى المؤثرة داخل الحشد بالجمهورية الاسلامية الايرانية. وبعض اسباب هذه المخاوف يعود الى ضعف التواصل بين قيادات الحشد وهذه الاطراف او ان بعض مكونات الحشد غير المنضبطة رسخت هذا الفهم الخاطئ عن الحشد او ان قيادات الحشد لم تقم بمراعاة الجانب الجيوسياسي اثناء مشاركتها في تحرير المحافظات المحتلة من قبل داعش.
ولعل ضعف علاقة قوى الحشد الشعبي بقيادة الاقليم ترجع لعدم وجود علاقة بين اغلب قوى الحشد مع القوى الكردية المعارضة ايام النظام الصدامي السابق. هنا ارى ان من الضروري لقيادات الحشد ان تنفتح اكثر على دول المنطقة والغرب والولايات المتحدة وان تسوق حيثيات نشوئها ودورها في دحر الارهاب ومدى تطلعها لدورها الايجابي في بناء عراق جديد بعيدا عن الطائفية، في ظل حكومة تحتكر السلاح وحدها.
ولعل كثرة من يسمون انفسهم بالمتحدثين عن الحشد واندفاعات تصريحاتهم اربكت قدرة تأثير الحشد السياسي والاعلامي وهذا ساعد المنافسين والمعادين للحشد على التسويق لمن هو خارج الحدود بأن الحشد كيان غير طبيعي وفيه الكثير من العيوب وصعب الانضباط وبالتالي هو اقرب الى مليشيات من كيان ممكن ان يندمج او يتعاون مع اجهزة الدولة. بعض هذه التصريحات غير المسؤولة لاطراف الحشد عكست طبيعة الولاءات (العقائدية والسياسية لمن هو خارج الحدود) لقسم من مكونات الحشد، وانها لا تعترف بالحدود وانها لا تمانع من ان تتحرك عسكريا في داخل سوريا او اية منطقة اخرى، وهذا الامر بطبيعته يحرج الحكومة العراقية واجهزتها الدبلوماسية ويعكس تمرد قوى الحشد على القوانين والاعراف الدولية. من جانب آخر نرى ان من الضروري لقادة الحشد ان يبينوا، اعلاميا وسياسياً، بأن منطلقات تحركاتهم وخطاباتهم هي وطنية وليس مذهبية بحتة وان اخطاء قد ارتكبت منهم او من الذين ينسبون انفسهم لقوى الحشد ولكنهم يعملون على ضبط منتسبيهم واحالتهم للقضاء حال قيامهم بأي جرم وذلك لأنهم قوة رسمية تخضع لقوانين البلاد وتحترم معايير حقوق الانسان العالمية، مع ملاحظة حاجة القوى الحشدية للاهتمام اكثر بالاعلام وخصوصا مع وجود ضبابية في وضوح ودقة طبيعة الحشد عند الاطراف غير الحشدية.
قد يكون الحشد الشعبي لا يرى نفسه الآن كجزء من الجيش العراقي او لا يرغب ان يندمج معه بشكل كامل، بل هو يرى نفسه رديفا او مضاهيا للجيش او افضل منه وبأنه يتوقع تسليحا ودعما وتدريبا كاملا حاله حال قوات مكافحة الارهاب العراقية. ان مستقبل الحشد سيعتمد ويتأثر بطبيع تعاطيه مع اجهزة الدولة الامنية ايضاً ومع طبيعة تعاطي المرجعية الدينية مع مستقبل مكونات الحشد وشرعيتها بفتوى الجهاد الكفائي (اذ لم تصدر من المرجعية العليا مثل هذه الفتوى منذ حوالي قرن من الزمن) فهل سيكون انهاء الفتوى الكفائية كافيا لحل التشكيلات الحشدية؟ ام ان الدولة ستحتاج ايضاً الى اصدار قوانين جديدة في هذا الامر وخصوصا ان كيانات الحشد قد شُرعنت ودُمجت ضمن هيكلية الدولة ورعايتها.
ومن الضروري ان لا ننسى ايضاً وجود حاجة حقيقية للحشد وخصوصاً مع عدم التعافي الكامل للجيش العراقي وبقاء قوة ولو نسبية للتنظيمات الارهابية في الساحة العراقية، وهذا يعني ان زوال الحشد عن المشهد الآني او فضاءات الحراك السياسي سوف لن يكون قريباً وخصوصاً وان هواجس الماضي ليست بعيدة عن كل الاطراف، وهذه الهواجس تتضمن خوف الشيعة من الماضي وعودته وخوف السنة من المستقبل المجهول. وهنا تأتي اهمية الحكومة في ايضاح برنامجها السياسي المستقبلي وخارطة طريقها لبناء القوى العسكرية والامنية، وهذه الخارطة من الضروري ان تبين ما هي مكامن القوة والضعف في بناء الجيش المستقبلي وان كانت هناك حاجة لوجود الحشد ضمن حماية الحدود او داخل المحافظات؟.
وهنا يأتي سؤال اساسي هو: ما هي احتمالية تطور كيانات الحشد المختلفة الى قيادة سياسية موحدة او احتمالية بقائها متفرقة تحمل رؤى مشتركة لعراق ما بعد تحرير الموصل؟ وهنا تأتي اهمية تواجد الحشد رسميا ضمن كيان الدولة بقانون يشرع من مجلس النواب تحدد فيه هيكليته والتزاماته وحقوقه، ويبين اهمية عدم تسييس الحشد وذلك ليكون عمله تحت امرة القائد العام فقط بعيداً عن الاجندات الحزبية والانتماءات السياسية.
من جانب آخر نتساءل: هل قوى الحشد لديها برامج وطنية لكل العراق ام لديها أولويات محلية؟ وماذا عن دورها المستقبلي في المناطق المتحررة او المتنازع عليها؟ وماذا عن كيفية تمويل وجودها في حالة الدولة التي لم تستطع تلبية احتياجاتها الاساسية نتيجة اختلاف الاولويات او ضعف امكانيات الدولة او حتى تحرك الدولة لاضعاف كيانات الحشد اذا شعرت الدولة ان الحشد يعمل ويخطط لكي يكون البديل عن الجيش او يفرض وجوده بعيدا عن جبهات القتال وبالخصوص داخل الحكومة والمدن؟
ختاما اقول ان من الضروري ان يتم التعامل مع الحشد الشعبي من منطلق ان الحشد قدم الكثير من الشهداء والجرحى وان دخوله للمعادلة العسكرية والامنية اوقف نزيف الدولة وساعد في اعادة الكثير من النازحين الى محل سكنهم ومدنهم، ومن الضروري ان نعترف ايضاً ان دوره كان محوريا ومشرفاً وخصوصاً في الابقاء على وحدة العراق والحد من انتشار دمار داعش الارهابي. لنتعامل مع هذا الكيان الجديد بحكمة وموضوعية بعيداً عن العواطف مع الاخذ بعين الاعتبار التاريخ الحديث للعراق وطبيعة التحديات الحالية والاستقراءات المستقبلية للحالة الجيوسياسية للعراق والمنطقة.
*سفير العراق في أميركا



Advertise on Sotaliraq.com? Click here for more information!

Copyright © 1998-2017 Sotaliraq.com - All rights reserved / جميـــع حقـوق الطبع والنشر محفوظة لصوت العراق
Home | News & Reports | Articles | Privacy Policy | Contact Us

Google