قرب عرين السلطة ...مشهدان شخصيان في زمنين مختلفين.... - عارف معروف
قرب عرين السلطة ...مشهدان شخصيان في زمنين مختلفين....


بقلم: عارف معروف - 09-11-2016
كنت قادما ، صباح هذا اليوم ، من بداية شارع الزيتون من جهة معرض بغداد، متجها الى النفق ، حيث يمكنني الاستدارة الى جسر الجمهورية . لكنني دخلت بالاستدارة التي تسبق استدارة النفق سهوا . وسرعان ما ادركت خطأي ، فالطريق ذو اتجاه واحد وسيؤدي بي الى الحارثية . ترّيثتُ عندما بدتْ ثلة من جنود الحماية ببدلاتهم المرقطة واسلحتهم الشخصية عند باب حديدي ضخم...

- لقد اخطأت الاتجاه يا شباب واريدُ العودة الى الشارع العام باتجاه النفق، فهل من استداره قريبه ؟

قال احدهم : لابأس عمو يمكنك الاستدارة من هنا والعودة ، ثم بادر احدهم الى ايقاف سيارتين قادمتين في حين فتح الاخر الباب الحديدي للبناية التي يحرسونها لكي يمكنّني من الرجوع بالسيارة الى مدخل البناية ثم العودة بالاتجاه المعاكس للشارع ذاته . حييّتهم شاكرا وأنا اعود بالاتجاه الذي اريد ....اعرف ان العرين اليوم هو المنطقة الخضراء لكنني اتحدث ، هنا عن مقتربات وجنود حماية ....

عادت الى ذهني واقعة مشابهه حصلت في نفس المكان ، تقريبا ، مع جنود الحمايات ايضا ، في زمن آخر مختلف . فقد شاء سوء طالعي ، ان ادخل بسيارتي الى مدخل خطأ ، في منطقة قريبه ، عام 1997 . وحينما شاهدتُ نقطة حماية ومجموعة من الحرس عدت الى الخلف بأقصى ما استطيع من سرعة ، لكن مجموعة من الجنود ذوي السُحن المزمجره هرعت باتجاهي وهم يصرخون بأوامر الوقوف ثم خرج لي عدد آخر منهم ، بينهم مدنيين ، من زوايا مختلفه وبعضهم قد شهر سلاحه :قف ..قف ..قــــــــــــــــــــــف !

ادركت انني ارتكبت غلطة كبرى بل مصيبه، وتهيأت كل غرائزي للدفاع ، فيما تملكني الخوف والرهبه :

اذا دخلت في الشارع الخطأ فها انذا اعود يا اخوان ، ما المشكله !

- ليش هيه بكيفك تدخل وبكيفك ترجع ؟ شنو خطأ .. شنو مشكله ، ثم بلهجة آمره ، اطلع ياللا ادخل بذاك الممر في الامام ...

حضرت الى ذهني كل تجاربي المريره وانبعثت مخاوفي الاكثر مراره ، لكن الضربه التي لا تكسر ظهرك تقويك ، كما تقول الحكمة . لذا قدت سيارتي الى حيث اشاروا ثم نزلت عنها هادئا محاولا ان اكون منتصبا ومرفوع الصدر ، فقد كان للتجربة وجهان ، احدهما ان الضحايا يتعلمون من الجلاد ايضا ضرورات واساليب مواجهة مجدية :

- فتشوا السيارة كما تشاءون ، اخوان ، ولكن بلا اي تجاوز ، فأصابعكم ليست سواء وكل لحيه ولها مقص مناسب ... انا قريب آمر سرية المراسيم العقيد فلان الفلاني ( لم يكن قريبي ابدا، انما كنت اعرف اسمه فقط )

-لا شأن لنا بسرية المراسيم .نحن جهاز الأمن الخاص ، ولن نتجاوز عليك، انما سنتحقق من هويتيكما اما السيارة فستذهب الى الحجز حتى يتم البت في امرها ...

اصبحت المشكلة اهون بعض الشيء لكن خوفي كله تركز في الشاب الذي كان بصحبتي ، فقد كان جارا لي وكنت اظن ان موقفه من الخدمة العسكرية ليس على ما يرام ، وقد تطوع ، ذلك اليوم ، لكي يدلني على كهربائي سيارات جيد في طريق المعسكر، والتحقق من هويته سيعني انني قدته بنفسي الى مكروه لا تحمد عواقبه ...

- من هو آمركم اريد مكالمته؟

-لا يمكن ذلك فالأوامر تمنعنا .

- اتركوني اذهب اذن .فلا ضرر ولا ضرار

-لايمكن ذلك ، فلدينا كامره في مرآب التفتيش وقد تم تصويرك مع السياره وسنُحاسب على الامر...

وحينما لمست بعض الهدوء في اجاباتهم وامكانية التسوية من خلال نظرات بعضهم الى بعضهم الاخر ، بادرتُ:

وين الحجز ياللا فليصعد معي احدكم اليه ....

تنفست الصعداء ، فقد بادر احد المدنيين وصعد معي الى السياره ووجهني الى الخروج من ذلك الممر باتجاه الشارع العام ،وحينما سألته الى اين؟ قال الى مكان حجز السيارات التابع الى مديرية المرور العامة ،خلف ملعب الشعب . ولا تقدرون حجم الجهد الذي بذلته والذي تظافرت فيه عوامل الادعاءات الكاذبه مع التوسلات المبطنه ، والمال ، لكي انجو بسيارتي والشاب الجار واقنع ذلك الحارس المدني الهمام بالنزول معي الى مكتبي التجاري مبادرا الى عمل مالا يستحقه من ضيافة مع برطيل مناسب جعله يغادر وهو يشّد على يدي ضاحكا : طلعنا عرف وصرنا اصدقاء ، آني آسف استاذ عود مر علينا خلي نشوفك ....

قلت له مازحا : مرّت عليك سليمه، لن ادخل تلك المنطقة ابدا بعد اليوم .....

المكان هو نفسه ، كما قلت ، والمهمة هي نفسها، اما جنود الحراسه فيكادون يكونوا هم انفسهم سوى انهم في الحاله الثانية كانوا قد حولوا خوفهم الشديد من السلطة الى شراسه متناهيه اتجاه المواطن !



Advertise on Sotaliraq.com? Click here for more information!

Copyright © 1998-2017 Sotaliraq.com - All rights reserved / جميـــع حقـوق الطبع والنشر محفوظة لصوت العراق
Home | News & Reports | Articles | Privacy Policy | Contact Us

Google