عْاشُورْاءُ السَّنَةُ الثّالِثَةُ (٢٤) - نــزار حيدر
عْاشُورْاءُ السَّنَةُ الثّالِثَةُ (٢٤)


بقلم: نــزار حيدر - 12-11-2016

عْاشُورْاءُ
السَّنَةُ الثّالِثَةُ
(٢٤)
نـــــــــزار حيدر
والتزاماً بالمنهج كان رسول الله (ص) يحرص على إشاعةِ الأَمن في المجتمع، سواء على الصّعيد الشّخصي أَو على صعيد الجماعة، ليحمي شخصيّتهم التي تتجلى في التّعبير عنها بحريّة بعيداً عن العنف والارهاب والتّهديد والوعيد وكلّ أَنواع الإغراءات!.
فعندما كان يتحدّث المسلمون مع رَسُولِ الله (ص) وقد يخيِّم الخوف والوجَل على بعضهم كان يهدّئ من روعهِم قائلاً كما في الحديث الشريف {أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى الله عَليْهِ وآله وسَلَّمَ رَجُلٌ، فَكَلَّمَهُ، فَجَعَلَ تُرْعَدُ فَرَائِصُهُ، فَقَالَ لَهُ: هَوِّنْ عَلَيْكَ، فَإِنِّي لَسْتُ بِمَلِكٍ، إِنَّمَا أَنَا ابْنُ امْرَأَةٍ تَأْكُلُ الْقَدِيدَ} لانّ الأمن أَحد أهمّ العوامل التي تهيّئ للمرء المناخ المناسب ليعبّر عن نَفْسهِ ورأيهِ ويسأل ويُجيب بشكلٍ سليم وصحيح، امّا الخوف فهو يخلق الارضيّة المناسبة والخصبة لنموّ ظاهرة النّفاق وازدواج الشّخصية في المجتمع.
ولهذا السّبب كان أَميرُ المؤمنين (ع) يرفض رفضاً باتّاً ان يتحدّث معهُ أَحدٌ بطريقةِ الاباطرة والملوك والطغاة الجبابرة، فقال (ع) وقد لقيهُ عند مسيرهِ إلى الشّام دهاقين الانبار، فترجّلوا له واشتدّوا بين يديهِ: مَا هذَا الَّذِي صَنَعْتُمُوهُ؟ فقالوا: خُلُقٌ مِنَّا نُعَظِّمُ بِهِ أُمَرَاءَنَا.
فقال (ع) {وَاللهِ مَا يَنْتَفِعُ بِهذَا أُمَرَاؤُكُمْ! وَإِنَّكُمْ لَتَشُقُّونَ بِهِ عَلَى أَنْفُسِكْمْ [فِي دُنْيَاكُمْ] وَتَشْقَوْنَ بِهِ فِي آخِرَتِكُمْ، وَمَا أخْسرَ الْمَشَقَّةَ وَرَاءَهَا الْعِقَابُ، وَأَرْبَحَ الدَّعَةَ مَعَهَا الاَْمَانُ مِنَ النَّارِ!}.
لقد رفضَ الامامُ (ع) التصنُّع في الحديث معهُ أَو في طريقة استقبالهِ لانّ بمثل هذه الحالة تنمو في نفس صاحبها الذلّة والصَّغار وعقدة الحقارة، وهي صفات يرفضها المنهج الرّسالي لكائنٍ مَن كان فما بالكَ بالمؤمنِ؟!.
وكان (ع) يقول لهم يوصيهم {فَلاَ تُكَلِّمُونِي بَمَا تُكَلَّمُ بِهِ الْجَبَابِرَةُ، وَلاَ تَتَحَفَّظُوا مِنِّي بِمَا يُتَحَفَّظُ بِهِ عِنْدَ أَهْلِ الْبَادِرَةِ، وَلاَ تُخَالِطُونِي بالْمُصَانَعَةِ، وَلاَ تَظُنّوا بِيَ اسْتِثْقَالاً فِي حَقّ قِيلَ لِي، وَلاَ الِْتمَاسَ إِعْظَام لِنَفْسِي، فَإِنَّهُ مَنِ اسْتَثْقَلَ الْحَقَّ أَنْ يُقَالَ لَهُ أَوْ الْعَدْلَ أَنْ يُعْرَضَ عَلَيْهِ، كَانَ الْعَمَلُ بِهِمَا أَثْقَلَ عَلَيْهِ}.
ويُضيفُ (ع) يحثَّهم على حريّة التّعبير في جوٍّ آمِن {فَلاَ تَكُفُّوا عَنْ مَقَال بِحَقّ، أَوْ مَشُورَة بِعَدْل، فَإِنِّي لَسْتُ فِي نَفْسِي بِفَوْقِ أَنْ أُخْطِىءَ، وَلاَ آمَنُ ذلِكَ مِنْ فِعْلِي، إِلاَّ أَنْ يَكْفِيَ اللهُ مِنْ نَفْسِي مَا هُوَ أَمْلَكُ بِهِ مِنِّي، فَإنَّمَا أَنَا وَأَنْتُمْ عَبِيدٌ مَمْلُو كُونَ لِرَبٍّ لاَ رَبَّ غَيْرُهُ، يَمْلِكُ مِنَّا مَا لاَ نَمْلِكُ مِنْ أَنْفُسِنَا، وَأَخْرَجَنَا مِمَّا كُنَّا فِيهِ إِلَى مَا صَلَحْنَا عَلَيْهِ، فَأَبْدَلَنَا بَعْدَ الضَّلاَلَةِ بِالْهُدَى، وَأَعْطَانَا الْبصِيرَةَ بَعْدَ الْعَمَى}.
لقد كان عليه السّلام يسعى دائماً لان يكون ذَلِكَ منهجٌ في الدّولة وليس حالة طارئة أَو شخصيّة فكتب في عهدهِ الى مالك الأشتر لمّا ولّاه مِصر {وَاجْعلْ لِذَوِي الْحَاجَاتِ مِنْكَ قِسْماً تُفَرِّغُ لَهُمْ فِيهِ شَخْصَكَ، وَتَجْلِسُ لَهُمْ مَجْلِساً عَامّاً، فَتَتَواضَعُ فِيهِ لله الَّذِي خَلَقَكَ، وَتُقعِدُ عَنْهُمْ جُنْدَكَ وَأَعْوَانَكَ مِنْ أَحْرَاسِكَ وَشُرَطِكَ، حَتَّى يُكَلِّمَكَ مُتَكَلِّمُهُمْ غَيْرَ مُتَعْتِع، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ (عليه السلام) يَقُولُ فِي غَيْرِ مَوْطِن: "لَنْ تُقَدَّسَ أُمَّةٌ لاَ يُؤْخَذُ لِلضَّعِيفِ فِيهَا حَقُّهُ مِنَ الْقَوِيِّ غَيْرَ مُتَعْتِع"}.
وكتب الى عبد الله بن عباس عاملهُ على البصرة يوصيه بنفس المنهج بقوله {وَاعْلَمْ أَنَّ الْبَصْرَةَ مَهْبِطُ إِبْلِيسَ، وَمَغْرِسُ الْفِتَنِ، فَحَادِثْ أَهْلَهَا بِالاِْحْسَانِ إِلَيْهِمْ، وَاحْلُلْ عُقْدَةَ الْخَوْفِ عَنْ قُلُوبِهِمْ}.
وقد كتبَ في عهدهِ الى محمّد بن أَبي بكر لمّا قلّدهُ مِصر {فَاخْفِضْ لَهُمْ جَنَاحَكَ، وَأَلِنْ لَهُمْ جَانِبَكَ، وَابْسُطْ لَهُمْ وَجْهَكَ، وَآسِ بَيْنَهُمْ فِي اللَّحْظَةِ وَالنَّظْرَةِ، حَتَّى لاَ يَطْمَعَ الْعُظَمَاءُ فِي حَيْفِكَ لَهُمْ، وَلاَ يَيْأَسَ الضُّعَفَاءُ مِنْ عَدْلِكَ عَلَيْهِمْ}.
هذا المنهج يحتاجهُ المجتمع كمنهجٍ تربويٍّ وتعليميٍّ منذ الطّفولة والصِّغر، سواء في رياض الاطفال والمدرسة أَو في الْبَيْتِ والاسرةِ، فاذا تعلّم الطّفل كيف يعبِّر عن رأيهِ في جوٍّ آمن لا يهدِّدهُ أَو يعاقبهُ أَحدٌ بالضّربِ مثلاً او بسلب العابهِ المفضَّلة وكذلك يسألُ عن حاجتهِ ويذكر رغبتهُ بلا خوفٍ او رهبةٍ، فانّهُ سيكبر وتكبر معهُ شجاعة التّعبير عن الرّأي، والعكس هو الصّحيح، ونحن نرى ونُتابع يومياً على مُختلف شاشات التلفزة، الاطفال والاولاد من كِلا الجنسَين يتحدّثون في برامجَ ومناسباتٍ مختلفة، فمنهُم من يتحدّث ويعبِّر عن رأيهِ وأَفكاره بشجاعةٍ وثقةٍ من دونِ أَن يتدخّل أَحدٌ ليحثِّهِ مثلاً وتشجيعهِ أَو يشدَّ على قلبهِ، وآخرون يقف كبارٌ وراء ظهورهِم يعلِّمونهم ويلقّنونهم كلّ حرفٍ ينطقونَ بهِ، لشدَّة الرّهبة والخوف الذي يتملّكهم!.
وعندما نبحث عن السّبب فسنرى انَّ النّوع الاوّل يعيش في بيئةٍ آمنةٍ في أُسرتهِ، لا يقمعهُ أَبوه اذا تحدَّث ولا تُسكتُها أمّها اذا تكلَّمت ولا تتجاهلهُ العائلة اذا سأَل مثلاً أَو عبَّر عن رغبةٍ مّا!.
امّا النّوع الثاني فعلى العكسِ من ذَلِكَ تماماً! فهو يعيشُ في بيئةٍ أُسريَّةٍ إِرهابيّةٍ يُخيِّم عليها الخوف والرَّهبة اذا نطقَ الطِّفلُ بحرفٍ!.
يَجِبُ علينا ان ننتبهَ للمنهجِ، والا فسنساهم جميعاً في بناءِ مجتمعٍ خائفٍ من كلِّ شَيْءٍ حتى من ظلِّه! ولذلك فعندما يحكمهُ مستبدُّ يخضع لظُلمهِ المجتمع ويخرسَّ الجميع فلا يُفكّرُ أَحدٌ بالمقاومةِ مثلاً والاصلاحِ والتَّغيير والمواجهة! وهو الحالُ البائِس الذي كان عليهِ المُجتمع عندما نزا على السّلطةِ طاغيةُ الشّامِ الطّليق ابْنُ الطّليق يزيد بن مُعاوية!.
الّا الحُسين السّبط (ع) فكان لها ولذلكَ قال {وَأَنا أَحَقُّ مَنْ غَيَّرَ}.
١١ تشرين الثّاني ٢٠١٦
لِلتّواصُل؛
‏E-mail: nazarhaidar1@hotmail. com
‏Face Book: Nazar Haidar
‏WhatsApp & Viber& Telegram: + 1
(804) 837-3920



Advertise on Sotaliraq.com? Click here for more information!

Copyright © 1998-2017 Sotaliraq.com - All rights reserved / جميـــع حقـوق الطبع والنشر محفوظة لصوت العراق
Home | News & Reports | Articles | Privacy Policy | Contact Us

Google