فيسبوكيات 2 - عبد الستار نورعلي
فيسبوكيات 2


بقلم: عبد الستار نورعلي - 16-11-2016
فيسبوكيات 2
عبد الستار نورعلي

"اسقِني كأساٌ وخُذْ كأساً إليك"

وأنا في سَكرةِ العمرِ
على خطوتِهِ العشرينَ
أغراني مِدادي، فانسكَبْ:
"لِمْ لا تعيشُ نواسيَّاً بلا ظمأٍ
تسقي الحياةَ، فلاخوفٌ ولا سهَرُ
ماتَ النواسيُّ، ماتَ الشيخُ واعظُهمْ
نموتُ نحنُ، يموتُ الطيرُ والشجرُ
فكلُّنا في ظلامِ القبرِ يجمعُنا
صمتُ الترابِ، ويغفو فوقنا الحَجَرُ" 1
* * * *
ها هُمُ اليومَ وحبلُ الخَنْقِ
مرفوعٌ على أيديهُمُ
يصرخُ قاضيهِمْ بملءِ البغضِ:
لا تشربْ!
ولا تسْقِ عظامَكْ
مِنْ كرومٍ خلقَ اللهُ
ومِنْ أنهارِ خمرٍ
سوف تلقاها أمامَكْ!
نسيَ الشيخَ الفقيهَ
الحاملَ الرايةَ في الفرسانِ
صنديداً يجاهدْ
حينَ غنّى صادحاً:
"فاسقِني كأساً،
وخُذْ كأساً إليكْ
فلذيذُ العيشِ أنْ نشتركا "

هامش للعلم
في أيام الصِبا الخوالي، وزمانِ الوصلِ ببغدادِ المكارمِ والمعالي، كانتِ الكأسُ سميري ونديمي في لياليَّ مع الكتبِ والأوراقِ والأٌقلامِ والموسيقى والغناءِ، وفي نوادي السمرِ والسهرِ البريء. لكنّني ومنْ زمنٍ بعيد طلّقْتُها طلاقاً بائِناً. ومنْ يومِها لم تلامسْ شفتيَّ، ولا دغدغَتْ اشتهائي وعينيَّ، ولا هفَتْ إليها نفسي فأمُدُّ يديَّ، مع أنَّ حولي مقاصفَ فاخرةً شهيَّةً، وحاناتٍ أنيقةً بهيَّةً، ومراقصَ صاخبةً سنيَّةً، ومرابعَ مُشرقةً زهيَّةً، ومحلاتٍ بأنواعِ المشروباتِ غنيّةً. لم يمنعْني في طلاقِها قانونٌ مانعٌ جائرٌ، ولم يعظْني واعظٌ ماهرٌ، في اللغوِ شاطرٌ، ولم يُجبرْني جابرٌ، ولم يهدّدْني دعيٌّ داعرٌ، ولم يُقاضِني قاضٍ دجّالٌ غادرٌ. لقد عافتْها النفسُ عن قناعةٍ راسخةٍ، وإرادةٍ صُلبةٍ ثابتةٍ، واختيارٍ مدروسٍ حاسمٍ، وقرارٍ قطعيٍّ جازمٍ.
هكذا أنا مِنْ حالي. والحمدُ للهِ.

1. هي الأبيات الأخيرة منْ قصيدةٍ كتبتُها وأنا في عشرينات العمر.

عبدالستار نورعلي
الثلاثاء 1.11.2016



Advertise on Sotaliraq.com? Click here for more information!

Copyright © 1998-2017 Sotaliraq.com - All rights reserved / جميـــع حقـوق الطبع والنشر محفوظة لصوت العراق
Home | News & Reports | Articles | Privacy Policy | Contact Us

Google