شيوعي من العراق . - محمد السعدي
شيوعي من العراق .


بقلم: محمد السعدي - 17-11-2016
باقر أبراهيم أحمد الموسوي المعروف ب ( أبو خولة ) .. تجترح المأثر عندما تدوس عتبة باب تاريخه الثر بالمعاني النضالية الوطنية والاجتماعية .. فليس سهلا أن تجرب تكتب عن شخصية نضالية بمستوى باقر أبراهيم حتى وأن كنت قريبأ له روحيا وفكريا لجرأة وصراحة وشجاعة مواقفه في النضال والموقف من الوطن , قد تختلف معه بهذا الموقف أو ذاك , لكن قامته النضالية أرفع وأرقى من ذلك الخلاف والاختلاف . فالخلاف برأيه لايفسد للود قضية .. والمجاهرة في الرأي ليس جرما , بل دعما لتطوير الفكر والممارسة الديمقراطية . منذ سنوات ولعلاقتي الطيبة والقريبة بتفاصيل مواقفه وأرائه ورؤاه , لكني كنت مترددا في الكتابة عنه لانه الغمار في خوض بشخصية مثل باقر أبراهيم بحاجه الى قوة وفصاحة وتمكن . ولد باقر أبراهيم عام ١٩٣٢ في مدينة الكوفة اول عاصمة للخلافة الاسلامية في عهد الخليفة الرابع علي أبن أبي طالب ( عليه السلام ) .. والمدينة التي شهدت واقعة الطف باستشهاد الحسين وصحبه , قد يكون من هنا ومن تلك الارض المعطاء كسب ذلك الثراء والاثراء .. ولد ونشأ بعائلة متواضعة وهادئة ومستوى العيش متوسط وماشي الحال .
تعرفت عليه شخصيا منذ عام ١٩٨٤ وجدته في اللحظات الاولى من اللقاء ثرأ وأدبا وتواضعا .. تركت الجانب السياسي حينها جانبا بعلاقته بذلك الزمن في مقتبل حياتي السياسية وأنا أتصفح جريدة طريق الشعب بمانشيته العريض حول تجربة الجبهات في العالم وجبهتنا الوطنية مع البعثيين بقلم باقر أبراهيم على التخوت العتيقة بمقهى الحاج أبراهيم الجولاغ في قرية الهويدر , أو صفحات من كتابه ( دراسات في الجبهة الوطنية .. دار الرواد بغداد عام ١٩٧٦ ) .. وموقفنا المعارض من تلك الجبهة بل شكلنا خلية تحليل وأراء مع محمود شيبون وعبد الامير الطائي بالضد من مسيرة الجبهة الوطنية .
دامت علاقتي مع باقر أبراهيم من ذلك التاريخ وفي مرحلة صعبة ومعقدة جدا ومختلفة حول مسيرة الحزب ووضعه الداخلي .. وجدت في مسيرته حرصه المتناهي على وحدة الحزب وبنائه التنظيمي وتاريخه الوطني .. حيث لم يبخل بجهد ومصمم على المضي قدما على وحدته وقوته بعيدا عن فكرة تشكيل حزب شيوعي أخر , حرصا منه على وحدة الشيوعيين العراقيين وهو المحاط بجمهور واسع من المؤيدين والمريدين والمتابعين يضغطون عليه بهذا الاتجاه . ظل متأملا وماسكا ببصيص أمل على قدرة الشيوعيين في تجاوز خلافاتهم والعودة الى طاولة المنطق والحق والواقع بأعادة النظر بذلك التدهور الذي أصاب جسد الحزب ووحدته .. أنطلاقا من ذلك التاريخ العميق بقدرة الشيوعيين بتمسكهم بوحدة حزبهم وتاريخهم .
بمرور الايام تطورت علاقتي مع باقر أبراهيم عن قرب , مع بدء الصراع داخل البيت الشيوعي حول جملة قضايا تنظيمية وفكرية ووطنية وهو الداعي والمبادر دومأ الى الحوار الهاديء والمسؤول بعيدا عن التخندق والتشهير والاقصاء وتوسيع فجوة الخلاف , بل يعمل دومأ على ردمها . في تلك الحقبة الخطيرة دقت الامبريالية طبولها في أستهداف العراق أرضأ وشعبا , وكان لزاما على الوطنيين العراقيين أن يعلنوا موقفهم من أستهداف بلدهم . وكان باقر أبراهيم في مقدمة المتصدين للمشروع الامبريالي باستهداف العراق أرضأ ووطنا .. وتحمل عقبات هذا الموقف بكل شرف وتحدي في ظل غياب الرؤية الوطنية .
تم أستهدافه من بعض المتطفلين عبر عدة وسائل وعبر منابر وصحف صفراء .. كنت أتناول معه ببعض تلك التجنيات في أستهدافه أنه كان يعيد نشرها بلا تردد ولا وجل لايمانه العميق بصلابة موقفه وأيمانه بارادة شعبنا وأنه سوف يدحر المحتلين وعملاءهم .
وما تعرض له العراق بشعبه وأرضه ووحدته برؤيته السياسية وتجربته النضالية وأيمانا بقدرات شعبنا بتجاوز المحن .
جمعتني به محطات نضاليه خضنا غمارها سوية بمواقف منشودة بالاتجاه الصحيح .. وطرحنا رؤى سياسية مبكرة بتقيمنا للمستقبل ولم نتردد في الاعلان عنها وتبنيها أنطلاقا من أرادة شعبنا وقواه الوطنية في مواصلة المسيرة تجاه عراق متعدد متأخي . تاريخ باقر أبراهيم يبتدأ في وقت مبكر من عمره وتعرض بسبب نضاله الوطني الى الاعتقال والسجن , وأطلق سراحه من سجن بعقوبة المركزي بعد قيام ثورة ١٤ تموز ١٩٥٨ .
في عام ١٩٥٩ أصبح عضوأ في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي وعضوأ في المكتب السياسي عام ١٩٦٢ . ومسؤول عن التنظيم المركزي في الحزب بين أعوام ١٩٦١ الى ١٩٨٤ .. الى أن تفجرت خلافاته مع قيادة الحزب .
أختلف مع قيادة الحزب لأسباب سياسية وفكرية وأيديولوجية , تتعلق بأساليب وطرق النضال ضد الدكتاتورية والقمع الحكومي , وبالموقف من الديمقراطية وحرية الرأي داخل الحزب , والموقف من القضايا الوطنية التي واجهت العراق . وبسبب تلك الخلافات والمواقف , أصبح خارج قيادة الحزب . وأخد يمارس العمل والكتابة والفعاليات من أجل الاهداف الوطنية والاجتماعية والانسانية ضمن تيار اليسار الوطني المستقل .
سأتناول في تلك الدراسة المتواضعة والمتأنية والمبنية على الوقائع التاريخية من حياة باقر أبراهيم الموسوي على مفترق طرق من تاريخ الحركة الشيوعية العراقية , الذي هو أحد رموزها الوطنيين ووجهها المشرق في الدفاع عنها وعن وطنيتها ومعتركاتها السياسية لمدة ستة عقود .
لا أحد يختلف وأن أختلفوا مع أرائه السياسية والايديولوجية بصفات وسجايا باقر أبراهيم في النزاهة يدأ وضميرأ وأخلاقأ .
انقلاب ٨ شباط ١٩٦٣ .. عرف عن باقر أبراهيم قوة المراس أيام المحن والعمل السري ومواجهته للازمة بحلول منطقية وواقعية . الشهيد سلام عادل قبل أستشهاده كان يؤكد وحريص بالحفاظ على نصف قيادة الحزب بالخارج أو بعيدا عن متناول أجهزة قمع السلطة , وهذا فعلا ماتم في ذلك اليوم الدموي من تاريخ العراق , على الرغم من وجع وعمق الضربة والتي وجهت الى الشيوعيين وقيادتهم وأستشهاد سلام عادل البطولي , لكن الحفاظ على بعض القياديين تمكن الحزب وبسرعة أرهبت أعداءه بأعادة تنظيماته ونشاطاته على حد سواء في الخارج أم داخل العراق .
يقول باقر أبراهيم في مذكراته (( بعد صدور بيان الحاكم العسكري العام في ٩ أذار , باعدام الرفاق سلام عادل , ومحمد حسين أبو العيس , حسن عوينه .. كانت صلتنا مع مركز الحزب قد أنقطعت , وتداول مكتب المنطقة في الوضع وأتخذ قرارا بمواصلة الانتقال الى الريف , وقصدنا في قرارنا , نقل ما يمكن من كادر المنطقة , فان البقاء على النمط العادي يعني أنتظار تصفية مؤكدة . كنت أخر وجبة خرجت الى الريف , وتم ذلك بطريقة لاتخلوا من المجازفة في مسيرة صحبني فيها عدنان عباس لقطع صحراء النجف حتى شاطىء الفرات جنوبي الكوفة )) .
في تلك الفترة التاريخية الحرجة والخطرة , كان لباقر أبراهيم دوره الريادي في قيادة عمل الحزب في ريف الفرات والانتقال الى بغداد , وتمكن بطبعه الهاديء وطرحه العقلاني في لملمة جماهير الحزب رغم ثخن الجراح جراء دموية أنقلابيي ٨ شباط .
مر حزب الشيوعيين العراقيين بمنعطفات خطيره تكللت بهجمات دموية وفكرية , أستهدفت وجوده وكيانه السياسي , لكنه تجاوزها بحنكة وشجاعة قادته بدء من شباط ١٩٦٣ ومرورا بحملة عام ١٩٧٠ الى عام ١٩٧٨بفرط التحالف مع البعثيين ..
في تلك المنعطفات الخطيرة والحساسة في الدفاع عن الشيوعية والوطن والحزب , كان لباقر أبراهيم دوره الميداني في مواجهة القمع الحكومي وبناء تنظيمات الحزب رغم المخاطر الجدية في أستهداف حياته . وعندما فرط التحالف مع البعثيين ظل أبو خولة في الوطن الى يوم ١٩ أب عام ١٩٧٩ .. وقدم حلولأ واقعية لمواجهة الازمة السياسية مع البعثيين , وكان رافضا بترك أرض العراق رغم محاصرته من أجهزة السلطة والتضييق على تحركاته بعد أعتقال أعضاء اللجنة المركزية صفاء الحافظ وصباح الدره , معاونيه الأمينيين في قيادة تنظيمات الحزب .. وقد حدثني أبو خولة في معرض سؤالي له حول الوثيقة الحزبية أشبه بمناضل الحزب والتي صدرت شخصيا عنه حول معطياته في رأب تصدع العلاقة مع البعثيين ولغة التهدئه في جنباتها , وكانت الاغلبية الساحقة من كادر الحزب في الداخل ومن بينهم الرفيقيين الشهيدين صفاء الحافظ وصباح الدرة موضع أهتمامهم والناصية في تجاوز الازمة وتهدئة الامور لحين أيجاد حلول عملية بالحفاظ على كوادر وجماهير الحزب .
وقصة أعتقالهما دارت حولها شكوك كثيرة .. حول مالك مالية الحزب والسلاح والصلات الحساسة مع دول ومنظمات تمتلك مؤثرات أمنية نافذة في بيروت ودمشق . حيث ألقي القبض على الشخص المرسل على الحدود وهو حامل الجوازات المزورة الى الرفاق صفاء الحافط وصباح الدرة , وأعتقلا على أثرها وغيبا في المعتقل بلا أثر الى يومنا هذا .
على ضوء تلك التطورات الخطيرة , وصلت رسالة الى باقر أبراهيم بعد أن أنتقلت قيادة الحزب بالكامل الى المهجر أن يترك العراق ويتوجه الى المهجر .
في المهجر بدأت النوايا السيئة بشن حملات ضد رفاق متهمين باليمين ومسؤولين عن ما حدث من تحالفات مع البعث , والحديث حول التوجه اليساري في الحزب , الذي قادوه تبجحا , وصلوا به الى القاع وتخلوا عنه بل حاربوه ودمروه .
ظل باقر أبراهيم حريصا على جماهير الحزب والتصاقها بركب النضال الوطني , وعدم التفريط بأعضاء وكوادر الحزب , وما على الحزب الا أستيعابهم وفهم حرص مواقفهم وأرائهم حول تصوراتهم الجديدة في التقييم والسياسة .
وحول تطهير الحزب هناك نقاش جرى عام ١٩٦١ حول المقترحات بشن حملة عامة لتطهير الحزب , وقد وقف الرفيق سلام عادل ضد حملة التطهير هذه , وقال ..أن كل رفيق تنتزعونه الأن من الحزب بدون حق , فكأنما تقتلعون شعرة من عيوني . سياسة التحالف مع البعث هو نهج سياسي عام للحزب .. والجميع يتحمل نجاحاته وأخفاقاته , وشعار المؤتمر الثالث للحزب الشيوعي العراقي في بغداد عام ١٩٧٦ كان واضحا ومنسجما مع سياسة البلد وتطوراتها (( نحو تطوير وترسيخ المسيرة الثورية وتوجه العراق صوب الاشتراكية )) . وأشاعة سياسة التطور اللارأسمالي . وتم أنتخاب ٤٤ عضوأ للجنة المركزية . وبعد سنوات قاسية من النضال الصعب والاستثنائي تم في خيمة المؤتمر الرابع في وادي أرموش السفلى عام ١٩٨٥ أقصاء من قوام اللجنة المركزية والمكتب السياسي ٢٨ عضو بين مطرود ومعتقل ومهمل ومهمش وشهيد .
محمد السعدي

السويد
تشرين الثاني ٢٠١٦



Advertise on Sotaliraq.com? Click here for more information!

Copyright © 1998-2017 Sotaliraq.com - All rights reserved / جميـــع حقـوق الطبع والنشر محفوظة لصوت العراق
Home | News & Reports | Articles | Privacy Policy | Contact Us

Google