نشيج القدود الحلبية - حيدر الصراف
نشيج القدود الحلبية


بقلم: حيدر الصراف - 21-12-2016
من يظن ان الدخول بين الأطلال من المباني و الخراب من المدن و ما تحت ذلك الركام من جثث و اشلاء هو انتصار و تحرير و ظفر مؤزر فيكون الوهم اقرب اليه من حقيقة ذلك النصر المزعوم فهذه ( المدينة ) التي ظل الأنسان الحلبي مشغولآ ببنائها و التفنن في عمرانها لالاف من السنين خلت و بقي جيلآ يوصي آخر بها الى ان كانت معاول الهدم و الدمار تنخر فيها خرج مقاتلون و دخل آخرون في حطام و انقاض مهشمة و لم يعد لتلك البيوت و الدور العتيقة من سكان و اهالي يقطنون بها فهي خرائب خاوية هجرها اصحابها او دفنوا تحتها لا فرق فالرحيل واحد و الفراق سيان لتلك الحارات القديمة و الدروب الضيقة التي كانت و لسنوات قليلة مضت تعج بالصبية و لعبهم و لهوهم المشاكس و اصوات الباعة عالية و مجلجلة و هم في عربات تجرها الخيول و الحياة تموج و تفور في تلك الأزقة الفقيرة.

كان الأختيار هذه المرة ان تكون ( سوريا ) هي ساحة الصراع و القتال لأطراف و جهات اجنبية متعددة فتجمعت و تحشدت اقوام مختلفة اللغات و الهيئات و متنوعة الأشكال و الألوان في هدف واحد هو الحرب و القتال و الدمار و عندما لم يجدوا حجة او ذريعة مقنعة لهذه الحرب الشعواء كانت اللافتة الجاهزة على الدوام و التي لا تحتاج سوى نشرها على ( اسنة الرماح ) و هي الطائفية و نادى كل فريق منهما يستنجد و يطلب العون و المساعدة لأن ( بني مذهبه ) يتعرض للقتل و الأبادة فهبت ( الجموع الطائفية ) من كل حدب و صوب مناصرة لأبناء ملتها و مدافعة عن ابناء جلدتها و ان كانوا من اقوام مغايرة و شعوبآ مختلفة و اصقاع بعيدة و نائية و ان كان اغلب القادمين للحرب و القتال لم يأتوا عن قناعة و فهم كافيين لما يجري و لكن عن غضب و حماسة يشحذها في نفوسهم ائمة المساجد ة الجوامع في تلك البلدان .

في حلب ( المدينة التي اذا نطق الحجر فيها سوف يروي قصة من التأريخ كانت هنا ) تجمعت تلك الأقوام القادمة و تحشدت بالجنود و الأسلحة الفائقة التدمير و المقدمة مجانآ و هبات من تلك الجهات التي كانت ( حلب ) ساحة حربها الجديدة و ميدان معركتها الأخيرة و كانت الواقعة التي لم تنتهي الا و ( حلب ) المدينة انقاض بنايات مهدمة و اطلال مدمرة في مشهد مأساوي كئيب لأناس يفرون هاربين وسط صراخ الأطفال المرعوبين خوفآ و ذعرآ من اصوات الطائرات و الأنفجارات و عويل الكبار و نحيبهم الموجع و هم يحملون ما تبقى لهم من امتعة و اغراض بالية ممسكين بصغارهم وسط الأمطار و الأوحال هائمين على وجوههم في منظر وجب على البشرية ان تغلق عينيها خجلآ لذلك المشهد المخزي لأولئك الذين طالما تبجحوا بالدفاع عن الأنسان و حقوقه الأساسية .

كان الجميع هنا يبحث عن النصر العسكري و بأي ثمن كان و مهما كانت الخسائر و التضحيات غير مبالين و لا مهتمين بتلك الأنفس الكثيرة من الكبار و الصغار و التي هي محترمة كما جاء في الكتاب المقدس الذي يؤمنون به و كأن تلك النصوص الدينية الواردة في ( القرآن ) هي مجرد سطور خالية من الكلمات لا تعنيهم و لا تهمهم من قريب او بعيد و كان التعنت و العناد و الأجندات التي تقف خلف ذلك الأصرار الشديد على الحرب و القتال و تدمير ما تبقى من بنيان او عمران ان كان هناك ما لم يتم تدميره بعد و قتل المزيد من الناس تحت القصف او دفنآ تحت الركام و تشريد من حالفه الحظ و نجا من تلك المذبحة .

المشهد المأساوي الأنساني يتجلى لكن ليس في انصع صورة بل في ابشع صورة عندما تكون تلك الآلام و الأشلاء و ذلك الدمار الهائل و الأبنية المهدمة هي الموضوع الذي يستقوي به كل طرف من اطراف ذلك الصراع الدامي فتبارت وسائل الأعلام التابعة للأنظمة و الحكومات الأجنبية المؤيدة للحكومة السورية و الأخرى المعارضة للنظام ذاته في اظهار تلك المشاهد الحزينة و المناظر المؤلمة و كل منهم يضع اللوم و المسؤولية على الجانب الآخر في تبادل فج و سخيف لللأتهامات .

هؤلاء جميعآ الحكومة السورية و من وقف معها من دول مثل ( روسيا و ايران ) و احزاب و ميليشيات مثل ( حزب الله ) اللبناني و ميليشيات افغانية و اخرى عراقية و كذلك المعارضة المسلحة و من دعمها من الدول مثل ( امريكا و تركيا و السعودية ) و منظمات ارهابية متعددة الجنسيات و القوميات مثل ( القاعدة و داعش ) و اخرى مختلفة الأسماء كل هؤلاء غارقون حتى آذانهم و يخوضون حربهم هذه في بحر من دماء الشعب السوري و يتاجرون بدموع و اوجاع المعذبين من اولئك الذين فقدوا الأعزاء و الأحبة قتلآ او ضياعآ في طرق الهروب و دروب النجاة بالأنفس و سوف يلعن التأريخ و بأقسى العبارات و الشتائم المقذعة عندما يتذكر مأساة اهل ( حلب ) و دمارها و سوف يلاحق اولئك المجرمين الذين كانوا سببآ في هذه النكبة الأنسانية المروعة بالخزي و العار الذي سوف يؤطر اسمائهم وكذلك ملامح صورهم ان بقيت لهم اسماء تذكر او صور تؤطر .

حيدر الصراف



Advertise on Sotaliraq.com? Click here for more information!

Copyright © 1998-2017 Sotaliraq.com - All rights reserved / جميـــع حقـوق الطبع والنشر محفوظة لصوت العراق
Home | News & Reports | Articles | Privacy Policy | Contact Us

Google