هل الغرب الحضاري سائر نحو الانحطاط ؟ * - د. رضا العطار
هل الغرب الحضاري سائر نحو الانحطاط ؟ *


بقلم: د. رضا العطار - 21-12-2016


لا توجد فكرة يطرب لها المفكرون العرب كالفكرة القائلة ان الغرب في حالة انحطاط ! .
فما ان يخرج مفكر اوربي او امريكي او روسي برأي ينتقد فيه الحضارة الغربية او المجتمع الغربي الحديث ويتوقع سقوطه، ألا وتجد اصداء هذا الرأي ينعكس باسرع ما يكون، وبشتى التفسيرات في لغة الضاد . . وينام المفكرون العرب والمواطنون العرب مرتاحين ملء جفونهم على اعتقاد ان الغرب في حالة انحدار ـ وانه من الانهيار قاب قوسين او ادنى !
ولهذا يتلهف العرب سماع الاشاعات التي تتحدث عن انحطاط الغرب اكثر مما يسمعون عن نهضاته واختراعاته وعلومه وانجازاته ومكتسباته الحضارية. فهذه كلها امور ثقيلة على قلب المفكر العربي وسمع المواطن العربي، فلا يتحدث عنها ذاك ولا يستمع اليها هذا . . أما حديث الانحطاط، فحدث عنه ولا حرج.
هذه الاختراعات التي ابدعها الغرب وما زال يبدعها، وما زلنا نحن نتفرج عليها مشدوهين، هل تمثل حالة انحطاط ؟
هذا الاصرار الغربي على التقدم بمختلف اشكاله من محاولة زرع الخلية الحية الى اكتشاف الزهرة والمريخ . . ألا يعني شيئا للمفكرين العرب ؟ غير فكرة الانحطاط ؟
هذه القدرة الغربية العجيبة على تجاوز الازمات المجتمعية والاقتصادية والروحية ـ جيلا بعد جيل ـ وعلى تجديد الانسان والمجتمع والحضارة لا توحي لنا الا بفكرة الانحطاط ؟ وهذا الغزو الغربي الشامل لبلداننا العربية بقوة تقدمه العلمي و التكنولوجي العصري، دليل انحطاط، سبحان الله!

يقول كاتب السطور : نأتي الى بلاد الغرب كسواح، متعطشين لأرتشاف اللذائذ المحرمة، غير مبالين بمظاهرها الثقافية اوالعلمية اوالفنية اوالتاريخية العريضة والمتنوعة، فلا نزور متحفا او معرضا للرسوم او مهرجانا صناعيا ولا نشتاق لسماع حفلة موسيقية، كي نطلع من خلالها على مستوى رقي الدولة و الناس، بل ولا نفكر بتجوال في احدى حدائقها الغناء الفسيحة للتمتع بجمال نسق الزهور ومبلغ الاناقة والنظافة التي تحيط بالمكان، ولا يخطر ببالنا مشاهدة المواطنين عن كثب لنرى علو سلوكهم وعلاقلتهم الاجتماعية ومدى احترامهم للنظام في حياتهم اليومية، فلن نحاول ان نقارن بين مجتمعنا ومجتمعهم، لنستوعب الفارق بينهما، لنتعلم منهم كيف انهم يعاملون بعضهم البعض بكل لطف وهدوء، يتسم بروح الأحترام والوئام . . . لا ابدا، بل على عكس ذلك ترانا لا نحتك فترة اقامتنا هناك إلا بذلك القطاع الهامشي من التجارة السياحية المتمثلة في الحانات الليلية التي تجتذب جموع العرب باغراءاتها الجنسية، لتشبع نزعات الأثرياء منهم في ساعاتها الخمرية الحمراء !
ثم نعود بعد ذلك الى بلادنا لنتحدث عن انحلال المرأة الغربية واستهتارها، وننسى ملايين النساء الغربيات العاملات في المصانع طوال النهار لاننا لا نشاهدهن في سياحتنا الليلية !

ننسى المرأة الغربية العاملة
ننسى المرأة الغربية المتعلمة المفكرة
ننسى المرأة الغربية الملتزمة بتربية اولادها.

ننسى هذا النوع من المرأة، لان سياحنا لا يقابلونه مع الاسف، هذا النوع من المرأة التي تعمل اكثر مما يعمل الرجل في مجتمعاتنا . . ثم نعود لنحمد الله على فضائلنا . . وانحطاط الغرب وانحلاله ! متناسين ان الغرب يؤمن بالسلوك الصريح غير الموارب وانه يضع اصغر رذائله تحت المجهر ويمارسها في العلن، ولا يستحي منها ولا يهمه ان يمارس (تمثيل) حياته الخاصة، امام الاخرين. اما نحن فما زلنا نعيش حياة مزدوجة منفصمة.
لنا حياة بالنهار . . واخرى بالليل . . حياة في الضوء واخرى في الظلام، نشرب الويسكي في فناجين الشاي تسترا . . ثم نتحدث عن انحطاط الغرب ! نمنع نسائنا من العمل المنتج، ونستورد عاملات أجنبيات لسد النقص . . ونتهم الغرب بالانحطاط.

من اكبر الدلائل على رقي الغرب، واعني بالغرب هنا الحضارة الحديثة كلها في اوربا وامريكا وروسيا انه يسمح لمفكريه بالحديث عن مظاهر (انحطاطه) اوانحلاله بصراحة ودون تستر وموارية ليعرف نقاط ضعفه ويشخص علله فيعالجها ويتداركها . . ولهذا استطاع الغرب ان يواصل تقدمه . . لان ذهنيته تمتلك القدرة على نقد الذات وعلى تجاوز الذات وعلى مواجهة الذات، وسماع الرأي الاخر . . الصوت المعارض يخرج صريحا و صحيا، يحقق لجسم الحضارة تنفسه السليم فيذهب الهواء الفاسد، ويتجدد الدم وتعود العافية . . ! ! فهل تسمح مجتمعاتنا لمفكريها بالحديث عن انحطاطها كما يسمح الغرب لمفكريه ؟ ام انها فقط تمارس الانحطاط دون الحديث عنه ؟

من اكبر الاخطاء المميتة التي وقع فيها عقلنا هو انه لم يميز بين شيئين منفصلين تماما ـ الاستعمار الغربي . . والحضارة الغربية . . نحن تصورنا الاثنين شيئا واحدا على الرغم من الفارق الهائل بينهما. . فخسرنا الحضارة . . ولم نهزم الاستعمار. مع ان اكتساب الحضارة الحديثة شرط جوهري لدحر الاستعمار . . اليابان اكتسبت الحضارة وهزمت جيوش الغرب الاستعماري. الصين اكتسبت الحداثة وهزمت الاستعمار. المانيا بعد ان استعادت مجد حضارتها تحررت من نير المستعمرين.
اما نحن فهجمنا على الاستعمار دون سلاح الحضارة . . فخربنا المعركتين . . معركة الوطنية ومعركة الحضارة، وليس من سبيل لكسب المعركتين قبل التخفيف من معزوفة انحطاط الغرب، والدخول بتواضع في مدرسة الحضارة.

* مقتبس من كتاب تجديد النهضة بأكتساب الذات ونقدها لمحمد جابر الانصاري.




Advertise on Sotaliraq.com? Click here for more information!

Copyright © 1998-2017 Sotaliraq.com - All rights reserved / جميـــع حقـوق الطبع والنشر محفوظة لصوت العراق
Home | News & Reports | Articles | Privacy Policy | Contact Us

Google