المرأة ـ ـ ضوؤها الشاعر ! * - د. رضا العطار
المرأة ـ ـ ضوؤها الشاعر ! *


بقلم: د. رضا العطار - 25-12-2016


وعندما جاءت الحضارة العبرية بعد ذلك – كان كثير من مقاييسها الجنسية شبيه بمقاييس حضارة ما بين الرافدين - - فكانت هذه الحضارة تلتقي بحضارة العراق القديم في الامور التالية :
- ان الرجل يحق له الزنا، بينما المرأة اذا زنت، اعدمت عقابا لها.
- ان الزواج هو مبدأ العلاقة الجنسية وهو شرعيتها الوحيدة.
- ان الزنا او الاغتصاب، تعتبر تعدّيا على حقوق التملك للرجل.

وقد جاءت صفحة الجنس في الحضارة العبرية مقروءة وواضحة تقول :
ان التوراة كغيرها من الكتب السماوية قد اعتمدت مقياسا واحدا في الحياة الجنسية وهو (العفة) – الا ان الفرد في الحضارة التوراتية قد اعتمد مقياسا ثنائيا في حياته الفعلية – ففي الوقت الذي منع فيه الجماع الجنسي خارج الزواج، فان العقاب كان اكثر شدة للعروس غير البكر او للزوجة الضالة، من العقاب الذي يلحق بالرجل في حالات مماثلة وفي العلاقة بين الجنسين عُدّ الزواج هو المبدأ، ولم يكن هناك مراعاة لما يسمى بالحب.

وقد عومل الجنس عبر اطار الزواج متعة خالية من الاثم. كما عُد الزنا جريمة عظيمة تخل بحقوق التملك للرجل – غير انه سمح للرجل بان يتخذ اكثر من زوجة وكذلك يتخذ لنفسه المحظيات – وعلى عكس ما عُد مثالا في الديانة المسيحية – فان العفة الدائمة لم ينظر اليها بارتياح في الحضارة التوراتية – غير ان جماعات من المتعففين والزاهدين اخذت تظهر في القرن الثاني قبل المسيح. وهذه الجماعات قد نبذت اللذة على انها أثم. وضرورة الغلبة على الهوى، وعُد ذلك فضيلة واهملت الزواج - - وقد كان لهذه الجماعات ومعتقداتها اثرها في المجتمعات التي سبقت ظهور المسيح - - فساد الكثير من التزمت الجنسي وفرضت القيود لتعزيز ذلك. ومنها تأثيم لعب الاولاد والبنات. وسكن الام مع زوج ابنتها في بيت واحد. وظهور الاب عاريا امام اولاده. ومُنع الاستمناء وعدت ممارسته خطيئة عظيمة. ولعل التحريم لم يكن للعادة في حد ذاتها بقدر ما كان للمحافظة على المني من التبديد والهدر - - ومع ان الحضارة التوراتية قد اعتمدت وصايا النبي موسى الا ان تطبيق هذا الالتزام في النواحي الجنسية لم يكن ثابتا - - فقد تغير الموقف بما يتناسب مع الزمان والمكان ومع افكار المجتهدين في هذه القضايا - - ويلاحظ في هذا الامر اختلاف في المواقف من الممارسات الجنسية عند العبريين في قترة ما قبل سبي بابل وبعده.

وعندما جاءت الحضارة الفرعونية، خففت كثيرا من القيود الجنسية التي كانت موجودة في الحضارتين السابقتين، حضارة ما بين الرافدين وحضارة العبرانيين، فاتسمت الحضارة المصرية بالتسامح فيما يتعلق بالامور الجنسية، والى الحد الذي اقتصر على القليل من الموانع والتحديدات للممارسات الجنسية – فما مُنع منها كان يهدف الى الابقاء على طهارة الطقوس الدينية. وهكذا منع زنا المرأة ومنعت العلاقات الجنسية في المعابد الا بعد التطهير – ومنعت اللواطية في المعابد منعا باتا.
كان المجتمع المصري كغيره من المجتمعات القديمة يؤكد سيطرة الرجل على المرأة بما في ذلك النواحي الجنسية – فبينما حرم على المرأة المتزوجة الزنا، فقد حرر الرجل من هذه القيود وسمح بتعدد الزوجات والاحتفاظ بالمحظيات وخاصة لاسر الافراد الحاكمة - - وعلى العموم فقد شجع الزواج المبكر للجنسين وشجع الاحداث من الذكور على الممارسات الجنسية حتى قبل الزواج لكن مع العبيد من الاناث. ولعل مصدر هذا التسامح في الحضارات القديمة يعود الى النظر الى الالهة على انها عناصر جنسية.
الا ان هذه الحضارة قد التقت مع حضارات سابقة لها على منع الزنا المرأة، وغضت النظر عن زنا الرجل – وسمح له بتعدد الزوجات وما ملكت يمينه. وكان لهذا كله اثره في دمج الممارسات الجنسية بالطقوس والتعاليم الدينية لدى الفراعنة.
مما لا شك فيه ان ظروف المناخ القاسية في الجزيرة العربية قد اجبر البدوي على التكيف مع خلو الصحراء وامتدادها، وطول الزمن وخلوه من المتغيرات - - وهي ظروف وحالات قد تهلك الذي يعيش فيها. ولعل عرب البادية قد وجد في المرأة وجسدها، وفي الغزو وعدته، ما يحرك الحياة في نفسه ويبعد عنه الملل – والا لتلاشى بين كثبان الرمال.

وفي محاولة فهم ممارسات ومواقف عرب الجاهلية في الامور الجنسية فلا بد من الافتراض انهم قد توصلوا الى هذه الممارسات والمواقف طبقا لضرورات الحياة وظروف البيئة التي عاشوها - - وهذا لا ينفي انهم تاثروا بفعل ممارسات ومواقف حضارات اخرى اتصلوا بها عن طريق الغزو او التجارة او العبادة – وان كان من المنطقي تغليب فعل طبيعة الحياة على فعل الاتصال بحضارات اخرى.
وان اهم ما تميز به عرب الجاهلية هو انهم نظروا الى المرأة والعلاقة معها نظرة متحررة ومنفتحة – فامعنوا في وصفها وفي التعبير عن الحاجة او المتعة، دون اي حرج او وجل او حاجة الى التستر. وهو موقف لم ينحصر في الرجل فقط – انما شمل الانثى ايضا. والتي وجدت مجالا واسعا للتعبير عن رغباتها وآمالها وميولها نحو الرجل - - وكثرة النصوص حول هذا الموضوع تؤيد الاستنتاج بان مواقف مماثلة من التحرر في الامور الجنسية قد سادت المجتمعات الجاهلية - - - ومن الامثلة التي تدلل على هذا التحرر ظاهرة التعدد الكبير في الزوجات – وانتشار الزنا والبغاء.

كما انتشرت الممارسات التي عدّت محرمة في تقاليد حضارات وديانات اخرى، مثل الزواج بين اب وبنته، والجمع بين الاختين في النكاح، ونكاح زوجة الاب - - كما عرفت ممارسات عجيبة، كسماح الزوج من ان تنكح زوجته من شخص آخر عُرف بقوته وشجاعته طمعا في ولد يخلفه له مثل هذه الصفات - - كما عرف تبادل الزوجات. او ما عرف بنكاح البدل - - ناهيك عن الانحرافات الجنسية الاخرى كاللواطية والسحاقية والخنثية والحيوانية.

لكن عندما اطل فجر الاسلام – انقذ عرب الجاهلية من الفناء تحت ضربات العنف والجنس – وابقى على التقاليد العربية الجنسية المقبولة اخلاقيا. والغى اوحرم الممارسات الجنسية الشاذة المنافية لخط الطبيعة والذوق السليم.
والتقاليد التي ورثت من الجاهلية والتي ابقاها الاسلام، لم يتركها كما كانت بل هذبها وشذبها واضفى عليها صفة انسانية رفيعة، حتى تستطيع البقاء فيما بعد. وحتى ان تكون جزءا من نظام حياة متكامل.

ان انسانية الجنس التي شرعها الاسلام تتميز بالصفات التالية :
• اعطاء الجنس قدسية انسانية وخصوصية فردية.
• ابعاد الجنس عن الانحراف و الرذائل.
• وضع حد للتطرف الجنسي وعدم ممارسته خارج نطاق العقل والمعقول.
• ادانة المحرمات باشد العقوبات الجسدية.
• اعتبار الزواج اهم علاقة جنسية، وانه اكثر العلاقات الاجتماعية قداسة.
• عدم ممارسة الانحرافات الجنسية كاللواط، كونه رذيلة اخلاقية.
• اتخذ الاسلام موقف صريح من العلاقات الجنسية واجاز للرجل ان يأتي حرثه، انّى شاء.

* مقتبس من كتاب (المرأة، اللعبة، ضوؤها الشاعر) لنزار قباني .



Advertise on Sotaliraq.com? Click here for more information!

Copyright © 1998-2017 Sotaliraq.com - All rights reserved / جميـــع حقـوق الطبع والنشر محفوظة لصوت العراق
Home | News & Reports | Articles | Privacy Policy | Contact Us

Google