عندما ينجح الفكر في ترسيخ ثقافة قبول الآخر المختلف يمكن انجاز الجبهة الموحدة ضد الارهاب - صلاح بدرالدين
عندما ينجح الفكر في ترسيخ ثقافة قبول الآخر المختلف يمكن انجاز الجبهة الموحدة ضد الارهاب


بقلم: صلاح بدرالدين - 26-12-2016
الأصدقاء الأعزاء في المعهد العربي للديمقراطية
أحييكم جميعا وأتقدم بالشكر الجزيل على دعوتكم الكريمة
لقد أحسنتم الاختيار فجمعنا هذا بمناسبة ( صفاقص عاصمة الثقافة العربية ) لايقتصر على النخبة الفكرية والثقافية العربية من المغرب والمشرق فحسب بل يشمل ممثلي شعوب أخرى ساهمت في تعزيز ونشرالحضارة الاسلامية والعربية وأقصد الكرد والأتراك والايرانيين ولاشك هناك بيننا من الأصول الأمازيغية أيضا وتحضرني الآن عشرات الأسماء ذات الأصول الكردية التي ساهمت منذ انتشار الاسلام في مختلف مناحي علوم التاريخ والفقه والاجتهاد وقواعد اللغة العربية ومن أبلى البلاء الحسن في الدفاع عن شعوب المنطقة والتصدي للغزاة وتحرير وانقاذ المقدسات مرورا بمن شارك في الكفاح التحرري ضد الاستعمار وتحقيق الاستقلال الوطني في التاريخ المعاصر خصوصا في سوريا والعراق وانتهاء بمواجهة الارهاب في هذه الأيام .
وجميع هذه الأقوام شركاء التاريخ والحضارة عاشت خلال قرون بوئام وتفاعل ايجابي في هذه المنطقة باستثناء بعض الأحداث العابرة في مراحل معينة وبعضها بالرغم من قساوته لم يضع النهاية لجوهر العيش المشترك ومبادىء الاخوة والصداقة أقول أن هذه الألوان الأقوامية المتعددة الزاهية ومن ضمنها ذلك التنوع الديني والمذهبي الجميل الذي يمكن وبالضرورة أن يشكل عامل غنى وقوة لشعوبنا هو النواة – القاعدة الصلبة التي ستبنى عليها مفردات مشروع العقد التاريخي الجديد بين مكونات المنطقة التي تتمثل رمزيا في هذا الجمع الكريم في بداية القرن كرد حضاري على مختلف المحاولات الجارية الآن باتجاه التدمير والتفتيت وتغيير التركيب الاجتماعي والديموغرافي للمناطق بالقوة لدوافع عنصرية ومذهبية مقيتة وفي زحمة التنافس اللامبدئي واللاأخلاقي وطرح الخطط والمشاريع المثيرة للفتن مثل تحديات : دولة الخلافة في بحور من الدماء والشرق الأوسط الجديد وممارسة الابادة لايجاد ممرات مذهبية واحياء الامبراطوريات المندثرة أقول أمام كل ذلك بأن جمعنا هذا وبمعانيه السامية ورمزيته ينفي كل تلك الادعاءات الوقتية الباطلة ويعزز فكرة : " الشرق الأوسط الأصيل " كمنطقة حرة تترفرف عليها راية السلام والوئام والعيش المشترك .
كل تلك الخطط والمشاريع الفالتة من عقالها الآن والتي أشرنا اليها أعلاه ظهرت بالتزامن مع تصاعد الموجة الارهابية باسم ( دولة الخلافة في بلاد الشام والعراق ) – داعش – كامتداد محلي – اقليمي لمنظمات القاعدة والذي يشكل المركز الرئيسي للارهاب العالمي في هذه اللحظة التاريخية الراهنة ومن الملاحظ أن منظمات وخلايا هذا الارهاب نشطت وانطلقت من البلدان المتعددة الأقوام والأديان والمذاهب مثل ( أفغانستان – العراق – سوريا – ليبيا – اليمن – لبنان – تركيا – ايران ووو) ووجدت فيها تربة صالحة وحاضنة شعبية وأحيانا رسمية لمخططاتها لأن الأنظمة الحاكمة في تلك البلدان لم تفلح في ارساء قواعد الوحدة الوطنية وانجاز حل القضيتين الوطنية والقومية ناهيكم عن المسألة الاجتماعية والتنمية وبعضها يمارس ارهاب الدولة وساهم في نمو الارهاب لأغراض تخدم مصالحه الخاصة وتمددت خلايا الارهاب نحو بلدان ومناطق تتميز بالموقع الاستراتيجي لخدمة عملياتها الاجرامية وأهدافها التي تتخطى البلدان والقارات .
وبناء على ماتقدم وبما أن محاربة الارهاب بنجاح لاتقتصر على الجانب العسكري بل تشمل الجوانب الفكرية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية فحتى لو تمكنا من هزيمة - داعش – وأخواته وأبناء عمومته في ساحات الوغى إلا أن المشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية والطائفية ستواصل النمو لذا أرى أن ايجاد وانجاز حلول دستورية لقضايا الأقوام وترسيخ قانوني لحرية الأديان والمذاهب بالاضافة الى حل المسألة الاجتماعية في تلك البلدان التي ينطلق منها الارهاب – بلدان المنشأ – يشكل الخطوة الأولى باتجاه القضاء على الارهاب أولا مصدر آلامنا والتحدي الأكبر لأجيالنا في العصر الحديث وبناء وتعزيز مكانة " الشرق الأوسط الأصيل " أقول ذلك وأنا على يقين بأن منظمات المجتمع المدني والجهات الثقافية غير الحكومية ومن بينها جمعنا هذا لايملك القرار النافذ في انجاز تلك المهام النبيلة ولكن يملك سلاح الفكر والتوعية وامكانية التأثير في خيارات الجماهير الواسعة وله صلاحية تحديد المهم والأهم والأولويات أمام النخب في مجتمعاتنا التي تتصدرها الكتل الشبابية التي أشعلت ثورات الربيع منذ أكثر من خمسة أعوام .
لذلك فان الرهان الآن على دور الفكر والمفكر في التأثير على الظروف الموضوعية بل تبديل قوانينها المحركة بمايناسب التطور الطبيعي باتجاه المصالحة والتسامح والحوار السلمي ونشر ثقافة قبول الآخر المختلف قوميا وثقافيا واحترام مبادىء المساواة بين المرأة والرجل وبذلك يمكن تفادي شرور الارهاب ومحاذير التدخلات الخارجية ووقف الحروب والمواجهات كل ذلك سينتج عملية سيرورة تشكل نظام " شرق أوسطي أصيل " الذي لن تتوضح معالمه في المدى القريب بل يحتاج الأمر الى مزيد من العمل الدؤوب حتى يعاد انتاج الصراع الحقيقي من أجل التقدم وليس المصطنع لهدر الأرواح والطاقات وأعني الصراع من أجل الحرية وتثبيت دعائم الدولة المدنية التعددية الديموقراطية ومفهوم المواطنة الحقة والمساواة بين الأقوام حسب مبادىء حق تقرير مصير الشعوب وشرعة حقوق الانسان .
أيها الجمع الكريم
هناك ظاهرة اختبرناها عن كثب حول طبيعة الارهاب - الداعشي – ومضمونه الآيديولوجي الذي يختلف في بعض جوانبه عن ما لمسناه من مسار منظمات القاعدة في مركز انطلاقتها بأفغانستان وتستحق المزيد من المتابعة والتقصي والتحليل من جانب نخبنا الفكرية فكما أرى أن ظهور – داعش – بكل مارافقه من قساوة واجرام يشكل أعلى مراحل الارهاب لأنه جمع بين آيديولوجيا كل من الشوفينية العنصرية وأصولية وتطرف الاسلام السياسي السني لذلك كان ومازال من أولوياته والى جانب تسعير الصراع المذهبي ابادة المختلف ( القومي والديني والمذهبي ) وماحصل للكرد الأزيديين في سنجار وكرد عين العرب – كوباني والتوجه لاحتلال أربيل وباقي مناطق كردستان العراق دليل على مانقول وقد يزول الاستغراب عندما نعلم أن البغدادي ومعظم قياداته ينحدرون من صفوف حزب البعث والنظام البائد ولم يحصل هذا التحول لقيادة – داعش – فحسب بل أن النظام البعثي ( العلماني ) بدمشق لم يتحالف مع الشيعية السياسية فحسب بل سلمها البلاد أيضا .
طبعا يتشعب الحديث هنا ويقع على عاتق المفكر واجبات نظرية عليه الاجابة على تساؤلاتها حتى ينجز مهامه الاستدلالية ويشخص الداء والدواء لمعالجة آفة الارهاب بشكليه الرسمي والميليشياوي وعلاقته بمصادره وبؤره وحواضنه ومحفزاته ليشمل مسائل تقييم جوهر وشكل الاسلام السياسي بجناحيه السني والشيعي وموقعه من الارهاب ومدى صحة تصنيفه بين معتدل ومتطرف وتكفيري وكذلك تعريف كل من الدولة والنظام والسلطة واشكالية العلاقة بينها ومفهوم السيادة والاستقلال الوطني والديموقراطية والمجتمعات والدول المتعددة وذات اللون الواحد والمركبة والبسيطة والتداخل بين ساحات الارهاب في منطقتنا من جهة وبين الصراع الاقليمي - الدولي حول النفوذ والمصالح وكما أرى أن الساحة السورية تقدم الآن النموذج الأوضح في هذا المجال حيث لايمكن عزل الكرد وقضيتهم عن الحالة العامة والثورة ضد الاستبداد والتغيير الديموقراطي فالمصير مشترك مع الشعب العربي السوري والمكونات الوطنية الأخرى ولن تحل المسألة الكردية هناك الا في ظل نظام وطني ديموقراطي تعددي بخلاف ذلك لن تكون القضية الكردية الا ورقة تستغلها الأطراف الاقليمية والدولية لمصالحها أو مصدر فتن ومواجهات بين الاخوة والشركاء كما يظهر جليا في نموذج أداء وممارسة تيارات كردية مغامرة .
واسمحوا لي وفي شأن ذي صلة وثيقة بموضوع بحثنا وخصوصا مسالة الاعتراف المتبادل بين المكونات من أقوام وديانات ومذاهب وقبول الآخر المختلف والعيش المشترك والتسامح أطرح على مسامعكم ماأتابعه يوميا بحكم اقامتي لأكثر من عقدين في اقليم كردستان العراق الذي ينص مشروع دستوره في تعريفه لشعب الاقليم ( بالكرد و- الكلدان الآشوريين السريان – والتركمان والعرب والأرمن ) الذين يشاركون جميعا بالسلطتين التشريعية والتنفيذية ويتمتعون بحقوقهم القومية والثقافية والدينية وبشهادة المعنيين من تلك المكونات وكذلك المنظمات الدولية والبلدان الأوروبية ونيافة بابا الفاتيكان فان اقليم كردستان الفدرالي يشكل نموذجا ملفتا لحرية الأقوام والمعتقدات والتفاعل الحضاري في منطقة الشرق الأوسط برمته .
ختاما أحيي الشعب التونسي العظيم الذي أنجب أبو القاسم الشابي والحبيب بورقيبة والبوسعيدي وكان ومازال أمينا على صيانة وتطوير ميراث ثورته الربيعية التي تحفزنا نحن المواكبون المراهنون على ثورات الربيع الى المزيد من التمسك بمعانيها ومبادئها وتوفير مستلزمات انتصارها رغم كل العراقيل والنكسات هنا وهناك ونقول نعم صفاقص هذه المدينة التونسية الوادعة تستحق أن تكون عاصمة الثقافة العربية بكل مضامينها الوطنية والديموقراطية .
والسلام عليكم
ورقة مقدمة الى
( ندوة " الأمم الأربعة " حول المشروع الديمقراطي والتحدي الارهابي – تونس 23 – 25 – 12 – 2016 )



Advertise on Sotaliraq.com? Click here for more information!

Copyright © 1998-2017 Sotaliraq.com - All rights reserved / جميـــع حقـوق الطبع والنشر محفوظة لصوت العراق
Home | News & Reports | Articles | Privacy Policy | Contact Us

Google