لماذا أرى خطأ الدعوة لإلغاء المحاصصة؟ - ضياء الشكرجي
لماذا أرى خطأ الدعوة لإلغاء المحاصصة؟


بقلم: ضياء الشكرجي - 29-12-2016
[email protected]

ملاحظة: هنا بعض التوسع لما نشرته تحت عنوان «خطأ الدعوة لإلغاء المحاصصة».

بلا شك نريد أن توضع نهاية للمحاصصة سيئة الصيت، وكارثية النتائج، وبلا شك إن المحاصصة هي من أسوأ ما أفرزته العملية السياسية بعد سقوط الديكتاتورية. إذن أين يكمن الخطأ الذي أراه في الدعوة إلى إنهاء المحاصصة.

استغربت في الآونة الأخيرة في تكرر سماعي وقراءتي من شخصيات علمانية وقيادات أحزاب وطنية عريقة عرفت بنضالها السياسي عبر كل مراحل الدولة العراقية الحديثة، تركيزهم على الدعوة إلى وضع نهاية للمحاصصة.

المحاصصة نتيجة، والمحاصصة رغم كل سيئاتها ضرورة لا يمكن أبدا الاستغناء عنها، إلا بمعالجة السبب. فبدون المحاصصة، أي لو اتبعنا آلية تشكيل الحكومة على أساس الأغلبية السياسية، كما كان وما زال يدعو إليها المالكي في حال تحقق له حلم العودة للسلطة، ومعه لوبي المالكي، وشخصيات وقوى أخرى شيعسلاموية، ونقر أنها دعوة حق، لكن يراد منها شرٌّ للعراق، إذ ستكون الحكومة بالضرورة، وببقاء هذه الخارطة السياسية الراهنة والقائمة منذ 2003 على حالها؛ ستكون عندها الحكومة شيعية إسلامية حصرا. وسيقول الكثير من الشيعة، حاشا للعقلاء والوطنيين والعلمانيين، وأين المشكلة أن تكون الحكومة شيعية، أو ليس الشيعة يمثلون الأكثرية في المجتمع العراقي؟ ولا أقول إلا أن هؤلاء لم يأخذوا الدرس بعد تجربة الثلاث عشرة سنة الماضية، ولا لوم على البسطاء وغير المتعلمين، ولا أستبعد أن بعض ممن يجيب بهذا الجواب، هو طائفي بالضرورة ولو بمقدار، فالطائفية درجات، من حيث يشعر صاحبها أو لا يشعر.

المطلوب ليس الدعوة إلى إنهاء المحاصصة كنتيجة بديهية وضرورية وضارّة في آن واحد، بل الدعوة إلى معالجة سببها، أي إنهاء الطائفية السياسية، وعندئذ يكون الكلام عن إنهاء المحاصصة، بل عندئذ لن تكون حاجة للكلام عن ذلك، بل ستنتهي المحاصصة تلقائيا بزوال سببها ومبررها.

ولكن، وهنا سؤال محق، ألا هو كيف يجري يا ترى إنهاء الطائفية السياسية، ونحن لا نملك أحزابا تختلف فيما بينها وفق مبدأ التعددية في برامجها وأولوياتها واتجاهاتها السياسية، وتتنافس على أساس ذلك ديمقراطيا، بل نملك أحزابا شيعية، وأحزابا أخرى سنية.

إذن لا المحاصصة ستنتهي، ولا مسببها، أي الطائفية السياسية، إلا بحل الأحزاب الشيعية والأحزاب السنية، وذلك عندما يُفعَّل قانون الأحزاب بوجوب أن تكون الأحزاب مؤسَّسة على أساس مبدأ المواطَنة. سيقال إني أطلب المستحيل. هنا لا أملك جوابا إلا أن أقول، إذن لنكفّ عن المطالبة بإنهاء المحاصصة. ثم ما كان اليوم مستحيلا، سيكون غدا ممكنا. وهنا أذكر حكمة ألمانية مفادها على نحو التقريب، وحسبما أتذكرها: «ابدأ أولا بالممكن، ثم أنجز الضروري المقدور عليه، وبعدها ستجد نفسك تحقق المستحيل». إذا لم يكن اليوم ممكنا أن ننهي ظاهرة الأحزاب الطائفية، أي الشيعية والسنية، فيجب أن أن نُصِرّ على طرح هذه الفكرة ونكررها، ونواصل الترويج لهذه الثقافة، حتى تتحول إلى ثقافة جماهيرية واسعة، كما يجب التثقيف الجماهيري على أهمية اعتماد الدولة العلمانية. والبداية تكون رفض الناخب الشيعي انتخاب أحزاب وقوائم شيعية، ورفض الناخب السني انتخاب أحزاب وقوائم سنية، ورفض الاثنين وسائر المواطنين انتخاب أحزاب الفساد المالي.

ليست القوى السياسية التي يجب إجراء تغيير عليها، بل يجب أن تتغير الثقافة العامة للمجتمع، أو لنسبة منه مؤثرة وقادرة على إحداث التغيير.

للتوضيح إني بكل تأكيد ما كنت قد كتبت هذه المقالة، لولا أني قرأت مثل هذه الدعوات، وسمعت لتصريحات بهذا الاتجاه، وليس لمرة واحدة، بل مكررا، وبالتأكيد لم أكن سأكتبه لو كان صدر من كاتب عادي أو طرف سياسي غير مؤثر، بل لأنه صدر من شخصيات سياسية علمانية محترمة، ومن طرف سياسي مهم ومؤثر أحترمه، ولم أكتب ذلك على نحو افتراض مثل هكذا دعوات. ومع إني لا أشك بأن هذه الشخصيات وهذه الأطرف السياسية هي ضد الطائفية السياسية، حيث نجد ذلك واضحا في أدبياتها، لكن عندما يتكرر ذلك، وكما بينت ولأكثر من مرة، وجدت لزاما عليّ أن أنبه إلى ما رأيته خطأ في هذه الدعوات، إذ وقع أصحابها من حيث لا يشعرون بخطأ ترديد ما تردده بعض رموز قوى الإسلام السياسي الشيعية لأغراض معروفة.

إني أصر على خطأ التركيز على النتيجة التي هي المحاصصة، وإهمال السبب، وهو الطائفية السياسية، أو اعتماد ما يمكن أن يسمى بدولة بالمكونات، بديلا عن دولة المواطنة، ذلك بوجود أحزاب شيعية، وأخرى سنية، ولنغض النظر قليلا عن الأحزاب الكردية، فهنا أي في كون الأحزاب التي تقود العملية السياسية بالدرجة الأساس هي أحزاب طوائف، أو بالذات أحزاب الطائفتين الكبريين، وهذا ما أكدت عليه دائما يمثل نقضا لأهم ركن من أركان الدولة الديمقراطية الحديثة، ألا هو ركن المواطنة. فإلغاء المحاصصة دون إلغاء مبررها، يعني أنه من الممكن أن يشكل ما يسمى بالتحالف الوطني (الشيعسلاموي) الحكومة وحده. فالطائفية السياسية هي التي أدت إلى المحاصصة، والمحاصصة أدت إلى الفساد، أو كرسته، بسبب ما توجبه من تستر متبادل، والسماح بممارسة الفساد وسرقة المال العام على أساس النسبة والتناسب، أي بنسبة حجم حصة كل من المتحاصصين. فإنهاء الطائفية السياسية ينهي المحاصصة تلقائيا، بينما إلغاء المحاصصة متجاوزين سببها ومبررها، سيكون بالعكس تكريسا للطائفية السياسية، وستكون نتيجته التفرد بالحكم من قبل طائفة الأكثرية، مع تزويق شكلي بعناصر سنية وأخرى كردية باختيار أمراء الطائفة الكبرى، وهذا بتقديري هو أحد أهم أهداف ما سمي بالتسوية الوطنية التاريخية.

فالحل هو الدولة العلمانية الديمقراطية القائمة على أساس المواطنة وفصل الدين والمذهب عن السياسة وعن شؤون الدولة، بل والشأن العام.



Advertise on Sotaliraq.com? Click here for more information!

Copyright © 1998-2017 Sotaliraq.com - All rights reserved / جميـــع حقـوق الطبع والنشر محفوظة لصوت العراق
Home | News & Reports | Articles | Privacy Policy | Contact Us

Google