عودة الى *الازمة* وقد عَصَفتْ بساسةٍ تعلقوا بقشةٍ *التسوية* علَّها تُنقذهم من طُوفان ما بعد داعش – الحلقة الثانية - د. عبدالحميد العباسي
عودة الى *الازمة* وقد عَصَفتْ بساسةٍ تعلقوا بقشةٍ *التسوية* علَّها تُنقذهم من طُوفان ما بعد داعش – الحلقة الثانية


بقلم: د. عبدالحميد العباسي - 31-12-2016
عودة الى *الازمة* وقد عَصَفتْ بساسةٍ تعلقوا بقشةٍ *التسوية* علَّها تُنقذهم من طُوفان ما بعد داعش – الحلقة الثانية
بِمَ تتوسلُ الازمة للتوصل الى غاياتها في الترويض والتطويع وكسر الارادة:
الآلية البايولوجية لفعل الازمة.
عندما يواجه فرد او جماعة (شعب او أمّة) أمرا جللا لا قدرة على ردّ ه (أو هكذا يقرأه أو يقرأونه), كوقوع كارثة طبيعية أو سياسية, أوغزو أجنبي أوتمردٍ أو انهيار حليفٍ أو نضوبِ مَعين, وعندما يشعر من له علاقة, أن زمام الامر قد افلت من يده أو كاد, تُرسم للحال صورة قاتمة ُتنقلُ الى الدماغ لتستقبلها وتستجيبَ لها المراكز الحسية:
1. بإضفاء حالةٍ سلوكية من الخَوار والخُنوع والطواعية, لا ينشد الضحية فيها إلا السلامة والبقاءَ في الظرفِ الجديد والإستعداد الى قبول متطلباتِه سواء كانت شروطا أو إبتزازا. الواقع ان الجهات التي تعودت الابتزاز تنتهز مثل هذا الظرف (الظرف المواتي لوقوع الازمة) او تصنعه هي لتحقق ما تريد عِبْرَه.
2. بإستنفار محوريين هورمونيين رئيسين:
اولا. محور الغدة النخامية (الواقعة في قاع الدماغ) وقشرالغدة الكضرية الجالسة فوق الكلِية, ليُغمرَ الجسمُ بهورمونات (اهمها هورمون الكورتيزول), التي من شانها ان تساعد على:
أ. تعلمِ أنماطَ جديدةٍ في التعامل( التأقلم) مع الاحداث.
ب. إيقاع افعال إندثارية (تخريبات) في مراكز الذاكرة خاصة, مركزُ*قرَين آمون* Hippocampus مما يساعد على النسيان والتنكر لثوابتَ كانت مقدسة يوما. ويؤدي كذلك الى صعوبة استذكار دروس الماضي واستثمارها.
ج. اعتلال في الصحة وتداعٍ ٍ في القدرات الجسدية في وقت يكون المرء في أمس الحاجة اليها.
ثانيا. محور الجهاز العصبي الودي واسع الانتشار في الجسم Sympathetic n.s وُلب الغدة الكضرية, الواقعة فوق الكلية, ليُصبَ وفرٌ هائلٌ من هورمونات الكاتيكول مثل Adrenaline وشبيهاته, المثيرة للاعصاب والتي قد تؤدي الى التهور واتخاذ قرارات متسرعة أو حمقى.

صورة مَن بطشت به الازمة او كادت.
شكله مُرتجف مَهزوز مُتوتر, متأرجح في مواقفه, تتسارع الكلمات من فمه حتى لا يكاد يلتقط بينها انفاسَه. من كلامه ما هو هذرٌ أو هذيان, يُلقي اللومَ على هذا وذاك ويشكُ في هذا وذاك, أكان معلومة أو شخص, ذاك. لا يستقر على حال أو قرار أو مكان.
عُيون جاحظة وحَدَقةٌ واسعة وجسدٌ يرتعش, نومه متقطع وضغط دمه مرتفع وضربات قلبه تتسارع وتشتد حتى تُحَسَّ في أعلى الرقبة عبر شراينها. يرتفع معدل السكر في الدم بدرجة مفرطة وكذا الشحوم وغيرها ولا يستقيم الحال الا بانتصاره واستنفار عمليات البناء في جسده وفكره من جديد, أو إستسلامه وإلتحاقه بركب الخصيان (ويا مكثرهم هذه الأيام!). علما بأن وصفهم بالخصيان Castrated لم يأتِ جُزافا فمستوى هورمون الذكار, الفحولة Androgen في دمهم يهبط الى درجة تقرب من العًدَمْ ولا يهبط الهورمون الانثوى. تُذكِرنا بهذه الحال مقولة, *الِزلِمْ لِبْست عِبي*

في الايات الكريمات, تصويرٌ رائعٌ لحال مَن وقعَ فريسة الازمة: * إذ جاءوكم من فوقكم ومن اسفلَ منكم وإذ زاغت الأبصارُ وبَلَغَتْ القلوبُ الحناجرَ وتظنون باللهِ الظنُون, هنالك أبتلي المؤمنون وزُلزلوا زلزالا شديدا* صدق الله العلي العظيم.
هنا, الازمة في عُنفوانها, حَراجةُ موقفٍ, عدو يُطبق عليهم. وحَيرة فيما ينبغي فعله وظنونٌ وتشككٌ بما وُعِد به المؤمنون * ما وَعدَنا اللهُ ورسولُه إلا غُرُورا*. فتراهم, عندها يتلمسون الاعذار للهروب (استسلام مُقنَع للازمة التي يَمُرُّون بها) *يقولون ان بيوتنا عَورة وما هي بعَورة, إن يريدون إلا فِرارا* صدق الله العظيم.
عيون زائغة, خائفة, حائرة وضربات قلب هادرة, تُحَسُّ في أعلى الرَقَبة وكأن القلبَ قد هاجر الى هناك.
والآن الى أمثلة إنتصرت فيها الازمة وحققت اهدافها منها ما وقعَ قبل ومنها ما وقع بعد قِيام العراق *الجديد*
1. في خيمة صفوان (خَيمة المَذلة), قال الجنرال شواركوف قائد حملة عاصفة الصحراء وقد سمِعته بنفسي, من على محطة ال NBC عام 2002 وهو يُرَوِجُ لكتابه عن حرب الكويت, قال: سألت الجنرال سلطان هاشم (رئيس الوفد العراقي) عن عدد اسرى الحلفاء, اجاب سلطان, اربعون (او هكذا حسب ما اذكر انا) وسال سلطان من جانبه عن عدد اسرى الجيش العراقي عند الحلفاء فاجبته ( الجنرال شواركوف) سبعون الف وما زلنا نَعِد. يقول شواركوف*رمَيتَ هذه المعلومة في وجه سلطان فأسقِطَ في يَدِه وأسرع في التوفيع* على ما قُدِّمَ له من شروط. و*تاكد لي ان القيادة العسكرية لم تكن تعلم ما حصل لجيشها. لم يات ذلك صدفة فقد ركَّز الحلفاءُ على تدمير وسائل الاتصال بين القيادة العسكرية العراقية وقواتها في الجبهة وهذا يفسر ضرب البريد في ساحة الميدان بالصواريخ مرات وقد تبين فيما بعد انه مركز رئيس للكابلات المحورية من والى وزارة الدفاع. اما القيادة السياسية, فكانت لها خدمة انترنت (ربما عن طريق انترنت الاردن), تتابعُ عن طريقها الاعلامَ العالمي وبياناتِ قيادة الحلفاء (حسب مجلة الدراسات العليا الصادرة في 2 آذار 1996), لماذا؟ يقول شواركوف كنا نعلم ان صدامَ كان يتدخل (يتحكم) في الخطط والعمليات العسكرية وان *صدام كان عدو نفسه* على حد تعبير شواركوف وكنا نعرف انه من بين الخيارات سيختار, قدْرَ معرفته, الاسوء له (لجيشه). وكنا نُعَولُ على هذا. هم يُخططون ونحن نرتَجِل. اما لماذا أريدَ تجهيلُ القيادة العسكرية بهذا الشكل, فهو لوضع الوفد المفاوض في حيرة ويأس: لم يَعُدْ له جيش ولا أمل في التعنُت وإن عادَ الى بغداد بخفي حُنين فمصيرُه معلومٌ, *رومٌ امامَك ومن خلفِك رومُ* فاختار البقاء في الظرف الجديد. هذه هي الحال دائما, تُقدم شروطُ الاستسلام للمغلوب حال انتهاء المعارك فيقبلُها *دُك عَلْ الحديد وهو حار* هم لا يتقاسمون الانتصار مع المغلوب, كما يفعل, عندنا مَن يُفرِّطون بنصرٍ, هُم لم يكسبوه.

2. الإبتزازات التي تعرضت لها الحكومة الاتحادية (الأحادية) ايام السيد المالكي. فمما كان يلاحظ انه كلما واجهت حكومة المالكي (اوخُلِقَ لها) ظرفا عصيبا, تتقدم احدى الكتل بطلبات او ترفع مِن سُقف مطالبها والا تسحب الثقة عنه في البرلمان, مع انه يعلم ان اصواتِها لا تكفي لاسقاطه, بيد ان وجود من يغازلهم, يشجِعُهم ويَعُد بَإضافة اصوات كتلته الى جانبهم, يضع المالكي بين نارين, التحدي الذي يواجهُه اصلاً والفئة المبتزة ومن يغازلها من جماعته, فضلا عن شكوكه ( والتي قد تكون في محلها بسبب الذبذبة وتعدد الولاءات) التي دفعته الى تركيز السلطة بيده عن طرق توكُلِهِ بالوزارات القيادية. هو لا يستطيع رفض مطالب المبتزين لان معنى ذلك سحب الثقة وضياع الكرسي الذي *كلُّ في حُبوُ يِهُون* ثم مَن يَدري فقد يأفل نجْمُه بعد ذلك كليا. وهو لا يستطيع التفاهم مع مَن هُم, نظريا في دائرته الفكرية الواسعة, لانهم إنما يُريدون منصبَه, فأمام هذه الحَيرة وامام فقدانه الثقة بقدرته على المناورة, لم يبقَ امامَه الا الرضوخ للابتزاز والبقاء في السلطة. وتنتصر الازمة في كسر ارادته وتطويعه للاستجابة الى مطالب المبتزين. معروف ان لا حَدَّ لمطالب المُبتز ولانهاية ونحن نرى اليوم تداعيات ذلك. وهناك امثلة أخر سيأتي, الكلام عنها في فسحة اخرى



Advertise on Sotaliraq.com? Click here for more information!

Copyright © 1998-2017 Sotaliraq.com - All rights reserved / جميـــع حقـوق الطبع والنشر محفوظة لصوت العراق
Home | News & Reports | Articles | Privacy Policy | Contact Us

Google