المرأة، الحب ـ ـ ضوؤها الشاعر ! * - د. رضا العطار
المرأة، الحب ـ ـ ضوؤها الشاعر ! *


بقلم: د. رضا العطار - 22-01-2017


ان الحياة الجنسية في الحضارة الاسلامية لم تتمثل في كل العصور – ذلك ان العرب منذ القرن الاول للهجرة قد خرجوا بصورة فاضحة على القواعد والنواميس الاخلاقية التي جاء بها الاسلام، وقد ظهر ذلك في سلوك الخلفاء الامويين ومن تابعيهم في تقليد بذخهم واسرافهم ومباذلهم الاخلاقية وانحرافاتهم الجنسية. التي زادت عنفا وصخبا وخروجا عن المألوف في زمن العباسيين.

ان التحرر الجنسي لدى الشعوب في العصور القديمة كان دائما احد الاسباب الرئيسية في تدهورها وانهيارها بفعل الجنس، كما حدث في الامبراطورية الرومانية واليونانية وغيرها - - - واخيرا فهناك احتمال وجود التسامح الجنسي جنبا الى جنب مع نزعات التزمت والتقيد بالتعاليم الاسلامية الصحيحة في ظل حضارة متعددة الجوانب - - ومهما كان حظ جميع ما روي عن التحلل الاخلاقي والانغماس في الجنس المنفلت، في عصور الحضارة العربية والاسلامية، خاصة العباسية منها.

يقول كاتب السطور : كان الامين، الخليفة العباسي، نموذجا للماجن الخليع، فقد اكتظ قصره بالغلمان , ودرءا لسمعة الخلافة ارسلت اليه امه، ارملة هارون الرشيد زبيده بعشرة من المقدونيات الحسناوات بعد ان البستهن ثياب الغلمان لتصرف ابنها المتحلل
( امير المؤمنين ) عن سلوكه الشاذ, و على اثر ذلك ظهر في بغداد مصطلح الغلاميات وعم استعمال ثياب الذكور من قبل ساقية الحانة في كل مكان , لعل ذلك هو السر في ان
ابا نؤاس كان كثيرا ما يذكر ضمير المذكر في غزل المؤنث.
كان الأمين مغرما بالخمرة, وكأنما كان في قلبه جذوة من الغرام بها, حيث كان لاسبيل له الى احتسائها الا متتابعا, حتى اذا نام واستيقظ في السحر طلب الى نديمه ابي نؤاس ان يمده بالشراب وينشطه ببعض الأبيات, فكان يقول :

نبه نديمك قد نعس * * يسقيك كاسا في الغلس
صرفا كأن شعاعها * * في كف شاربها قبس
فيهش الأمين ليحتسي لليوم التالي وينعم بنشوته غير مبالي لحرمة دين او وقار خلافة (1)
في الواقع من يتمعن في النصوص الدينية الاسلامية من قرآن وحديث في موضوع الحياة الجنسية يظهر ما حملته هذه النصوص من غاية وحكمة مما لم يتوافر عند اي دين او معتقد آخر - - فقد اعطت هذه النصوص للجنس مكانته ومعانيه في الحياة – واخذت بعين الاهتمام الحاجات العظمى للجنس من بيولوجية واجتماعية ونفسية، وهي الحاجات التي دعا الدين الانساني الى تلبيتها بالقدر الاخلاقي المعقول.

وفي القرن العشرين عاد الجنس العربي على وجه الخصوص الى عصر الجاهلية - - فاصبحت حياة العربي تعتمد على مظهرين هامين هما : * الجنس و * العنف.
وكان هذان المظهران، نتيجة للتحولات الحضارية الهائلة التي شهدها هذا القرن من كافة النواحي : السياسية والاقتصادية والعلمية والاجتماعية. فالثورة العلمية والثورة التقنية طورت مفهوم الجنس وبدلت من موازينه ومقاييسه السابقة.

ان قيام الحربين العالميين الاولى والثانية ودخول القرن العشرين ثورة المواصلات المعاصرة والتقدم العلمي المذهل الذي شهده هذا القرن – وكان من نتائجه اكتشاف الادوية والعقاقير الفعالة التي تبيح للمرأة ممارسة الجنس داخل وخارج الحديقة الزوجية. دون خوف او وجل من العقوبات الاجتماعية او الدينية. - - - كذلك فان انفتاح الحياة في القرن الحالي على هذا النحو الذي هي منفتحة عليه الان، قد ساعد كثيرا على تغيير مفاهيم كثيرة للجنس.

بدأ القرن الحالي بثورة جديدة في الامور النفسية – وكانت الحياة الجنسية محور هذه الثورة - - ومع ان بذور هذه الثورة قد وقعت قبل ظهور العالم النفسي فرويد، الا انه كان لنظرياته وكتاباته وما اثارته هذه النظريات والكتابات من تأييد او معارضة، الاثر الاعظم في اخراج الحياة الجنسية من حيز الظلام والكتمان الى حيز البحث الصريح.

يربط فرويد الحياة الجنسية بالحياة النفسية للفرد منذ الطفولة الصغيرة وحتى الكبر – وفي احوال الصحة والمرض – فقد بات من المتعذر ايقاف البحث في هذه الرابطة - - بل اتسع مجاله ليتجاوز الامور الطبية والتربوية الى النواحي الاجتماعية والثقافية والحضارية وغيرها من المجالات والى الحد الذي اصبح فيه من المتعذر ايجاد مجال حياتي لا يربط الجنس بصورة مباشرة او غير مباشرة.

وقد كان للحربين العالميين الاولى والثانية اثر كبير في تحرير الفرد في الحضارة الغربية من القيود الضيقة التي فرضها عليه رجال الكنيسة على حياته الجنسية – وقد جاء ذلك لا لسبب ما يمكن ان يصاحب الحروب من حاجة وتبذل في الحياة الجنسية. وانما ايضا بسبب ما نجم من هاتين الحربين من شعور باليأس و خيبة الامل في القيم الانسانية ومصير الانسان مما دفعه للتخفيف من وطأة حدة هذا اليأس وخيبة الامل بالانهماك الجنسي.

وفي القرن العشرين تعزز موقف الانثى في الحياة الاجتماعية ونالت قسطا وافرا من الحقوق التي حرمت تقليديا من التمتع بها – وقد كان لهذه الحركة التحررية اثرها في الحياة الجنسية، ذلك ان الانثى اصبحت تنظر الى نفسها على انها شريكة كاملة في هذه الحياة لا مجرد تابع، عليها ان تخضع لرغبات الرجل ونزواته وانانيته.

ولعل من اهم عوامل الانفتاح على الامور الجنسية هي ابحاث ( كنزي ) ومعاونيه، في الحياة الجنسية للذكر والحياة الجنسية للانثى ! - - - فقد كانت نتائج ابحاثه ثورة في حد ذاتها. وكانت المعلومات التي تمخضت عن استيباناته بمثابة كشف مذهل عما خفي من الحياة الجنسية التي يعيشها الناس بالفعل.
ومع ان ابحاث كنزي كانت محدودة في مداها، وممثلة على احسن تقدير للمجتمع الامريكي فقط، الا ان ما تبعها من دراسات في امريكا وفي غيرها من البلدان، قد ايدت كلها ان حقيقة حياتنا الجنسية وكيفية ممارستها تبدو فقط فيما تخفيه وليس في ما هو معروف ظاهريا وتقليديا عن هذه الحياة.
وتلت ابحاث كنزي ابحاث ماسترز وجونسون، وهي ابحاث علمية دقيقة – نقلت المواضيع الجنسية من مجال التقشف الجاهل الى مجال البحث العلمي الرصين.
كما انها وفرت للمصابين بعطل جنسي من الجنسين افضل وسيلة علاجية عرفت حتى الان – وتوفير هذه الفرصة يتطلب بالضرورة اقبال الفرد ومعاونته على الكشف عن دقائق حياته الجنسية، وهو ما لم يكن متوافرا قبل اليوم.

* مقتبس من كتاب (المرأة، اللعبة، ضوؤها الشاعر) لنزار قباني.
(1) مقتبس من كتاب العصرالعباسي الاول لشوقي ضيف



Advertise on Sotaliraq.com? Click here for more information!

Copyright © 1998-2017 Sotaliraq.com - All rights reserved / جميـــع حقـوق الطبع والنشر محفوظة لصوت العراق
Home | News & Reports | Articles | Privacy Policy | Contact Us

Google