كتابات ليست بوقتها - محمد رضا عباس
كتابات ليست بوقتها


بقلم: محمد رضا عباس - 24-01-2017
في أيام الحروب والمحن التي تمر على الشعوب تقف طبقة الكتاب خلف القيادة السياسية من اجل تحقيق الوحدة الوطنية ودعم قيادة البلد حتى يخرج من ازمته , ولكن في العراق كان العكس . المعارضين من الكتاب لم يتوقفوا يوما واحدا من الانتقادات و التسقيط ضد الحكومة وهي تقاتل اسوء مجاميع إرهابية عرفتها منطقة الشرق الأوسط ويحتل ثلث مساحة البلاد , هجرة اكثر من ثلاث ملايين من أبناء المنطقة الغربية خوفا من بطش تنظيم داعش , تعرض المكون المسيحي والشبكي و الايزيدي الى الإبادة الجماعية , وبيع بنات العراق في أسواق النخاسة . بل كانت أصوات الكتاب المعارضين للحكومة تزداد وترتفع مع كل مشكلة سياسية جديدة تطوف على السطح. وهكذا , و بدلا من ان تتحد الكلمة ضد الإرهاب والداعمين له , ودعم القوات العراقية وجميع القوات المسلحة الداعمة له , ورفض سياسة لي الاذرع التي تبناها بعض السياسيين المشاركين في العملية السياسية , ورفض التدخل الأجنبي , ظهر سوق على مواقع التواصل الاجتماعي و المواقع الإخبارية خلال فترة الحرب ضد تنظيم داعش متخم بجميع أنواع الكتابات ,القليل منها يدعم النظام السياسي و العملية السياسية والاغلبية العظمى مقالات اختصت بأسقاط العملية السياسية , تسقيط الحكومة , تسقيط لمكونات سياسية معينة , بل حتى تسقيط لأشخاص ضمن الطاقم الحكومي او البرلماني او القضائي . لقد قاد حملة الكتابات التسقيطية كتاب محسوبين على اليسار العراقي , القوميين والبعثيين , الطائفين والمتضررين من العملية السياسية , والإسلاميين من المذهبين الشيعي والسني .
كل متتبع للظروف السياسية التي مرت بالبلاد منذ استلام حزب البعث العربي الاشتراكي وحتى يوم السقوط يعرف جيدا ان حزب البعث استخدم كل أنواع البطش بحق الأحزاب السياسية في البلاد الى حد ان الأحزاب خسرت اغلب اعضاءها بين مقتول وسجين او هارب , ولقد كانت حصة الأحزاب الإسلامية الشيعية هي الأكبر من بطش حزب البعث . وعلى الرغم من تلاشي تأثير الأحزاب الدينية في داخل البلد الا انها ظلت فاعلة في خارجه وفي دول مهمة . وعند السقوط , اصبح من المنطق ان تكون الأحزاب السياسية الشيعية القائدة في المناطق ذات الأكثرية الشيعة , واصبح من المنطقي ان تتصدر القوائم الشيعية الانتخابات , خاصة وان المكون الشيعي هو المكون الأكبر في البلاد . وهكذا فاز الائتلاف الشيعي في ان يكون رئيس مجلس الوزراء منه . لقد اختير رئيس الوزراء عن طريق انتخابات حرة مستقلة و نزيهة باعتراف العالم اجمع و ليس عن طريق الدبابات وليس عن طريق إذاعة " بيان رقم واحد " كما كان هو معروف به في فترة الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي , وهذه مفخرة انفرد العراق فيها و تسجل للعراقيين جميعا .
اعتراض الكتاب على النظام السياسي هو انه نظام محاصصه , اعتمد المذهب والقومية وليس العلمانية , حيث منحت الوزارات لا على أساس الكفاءة والخبرة وانما تم توزيعها على حساب المكون وهو 20% الى الكرد و 80% الى المكون الشيعي والسني وبقية المكونات الصغيرة . الاعتراض يبدوا منطقيا من الخارج , ولكنه يصطدم بعدد من الحقائق وهي : أولا, وان كان خيار الديمقراطية هو الخيار الذي يرغبه العراقيون الا ان النظام المحاصصة قد فرض من قبل الولايات المتحدة الامريكية , على اعتبار انه النظام الوحيد الذي يبعد هيمنة مكون معين على المكونات الاخرى. ثانيا , إرادة الولايات المتحدة الامريكية مشاركة جميع مكونات الشعب العراقي في الحكم , وهكذا كان اول مجلس للحكم في العراق بعد التغيير مكون من المكونات العراقية وحسب نسبتها السكانية . ثالثا , لقد اشتركت الأحزاب العلمانية في جميع الانتخابات البرلمانية ولكن لم تحصل الا على أصوات قليلة بعكس الأحزاب الإسلامية الشيعية والسنية والاكراد حيث أظهرت هذه الأحزاب قدرة عالية من التنظيم في حصد الأصوات لها . وهكذا فقد حصلت الأحزاب الشيعية معظم أصوات الشيعة , وحصلت الأحزاب السنية معظم أصوات السنة , وحصلت الأحزاب الكردية معظم أصوات الكرد . رابعا , كان حزب البعث الحزب المهمين على الساحة العربية في العراق وعندما انهار الحزب بعد دخول القوات الامريكية لم يظهر حزب فاعل عدى الأحزاب الإسلامية وبعدها بمسافة طويلة الأحزاب اليسارية .
ولكن التركيبة السياسية في العراق لم تسلم من الرفض والطعن والتجريح من المعارضين لها منذ التغيير واستمرت حتى في زمن حرب تحرير المدن المحتلة من قبل داعش, و بحجة رفض المحاصصة و الطائفية دبجوا المئات وربما الألاف من المقالات تتهم فيها السيد نوري كامل المالكي بالسماح لتنظيم داعش الدخول الى الموصل ليقتص من السنة في العراق , بالوقت الذي كانت نفس الأقلام تدافع وتناصر التظاهرات و الاعتصامات التي جرت في الموصل والفلوجة والرمادي والحويجة . واعتبرت فتوى " الجهاد الكفائي " للسيد على السيستاني المرجع الديني الأعلى للشيعة في العراق والعالم فتوى تحرض فيها الشيعي قتل السني في الوقت الذي كان يلح هذا المرجع العظيم ان يسمي أبناء المكون السني "انفسنا" , وهو صاحب الفضل الكبير في انقاذ البلاد والعباد من حرب أهلية مدمرة . وبدلا من الالتفاف حول الحكومة العراقية ضد التدخل التركي العسكري السافر في العراق , بعد ان اكتشفت الحكومة العراقية معسكرا للجيش التركي في بعشيقة مهد له بعض الخونة من الساسة العراقيين , خرجت أصوات نشاز تدافع عن تواجد الجيش التركي على الأراضي العراقية وبحجة ان العراق بفضل المحاصصة اصبح دولة بدون هيبة وان الحكومة لا تستطيع طرد تركيا من أراضيها لأنها بعيدة عن الشعب . ولكن عندما انتفض الشعب واستجاب الى دعوة " الجهاد الكفائي" التي دعت اليه المرجعية الدينية وانتج منها الحشد الشعبي , بدأت الأقلام الطائفية بالتشكيك بقدرة هذا الحشد في محاربة داعش وصنفوا شهداءه بقتلى المليشيات او الميليشيات الطائفية الإيرانية او رجال قاسم سليماني قائد فيلق القدس الإيراني وعلى الرغم من التأكيدات الحكومية بان الحشد الشعبي هو مؤسسة حكومية تحت امرة رئيس مجلس الوزراء.
كثيرة ومتنوعة الأقلام التي اختصت بمحاربة الحكومة العراقية والعملية السياسية باسم المحاصصة مرة , وباسم الطائفية مرة أخرى . هؤلاء الكتاب يعلمون جيدا ان المحاصصة او توزيع المناصب السيادية حسب النسبة السكانية لم تكن المشكلة في العراق , بعد ان اخذ كل ذو حق حقه , ولكن المشكلة هي ان الخاسرين من التغيير وبدعم من الخارج هم الذين عطلوا العملية السياسية وهم المسؤولون عن الدمار والقتل في العراق. أصوات الناخبين هي التي قررت من يمثلهم في الحكومة العراقية ولم يجري تزوير النتائج الى درجة ان يخسر فيها الرابح ويربح فيها الخاسر. بكلام ادق العمليات الإرهابية لم تبدء بسبب اختلاف على نتائج الانتخابات وانما ظهرت بعد ثلاثة اشهر من التغيير , واستمرت تحت عناوين مختلفة وقيادات مختلفة حتى دخل داعش العراق . لقد بدأت بعنوان محاربة المحتل الأمريكي وعندما خرج المحتل الأمريكي اصبح عنوانها محاربة " الرافضة و المتعاونين معهم " . ان الدعم الدولي للمنظمات الإرهابية في العراق هو الذي مكنها التمدد في بلدان أخرى مثل سوريا واليمن ومصر وليبيا وتونس وتركيا. لقد انقلب السحر على الساحر , لقد أرادوا من دعم المجاميع الإرهابية تدمير تجربة العراق الديمقراطية , فانتقل الإرهاب لهم , وسقطت اطروحات ان داعش هو نتيجة الاقتتال الطائفي في العراق , بعد ان اصبح تنظيم داعش يقاتل تركيا العلمانية ومصر السنية وكذلك تونس وليبيا .
الأحزاب الشيعية هي ليست الوحيدة التي تحكم العراق وانما توزعت السلطة بين المكونات العراقية الكبرى الثلاث وهي الشيعية والسنية والكردية , ولكن غضب الكتاب انصب على الأحزاب الشيعية وأصبحت محل تنديد و تندر وتسقيط . ان تحميل الأحزاب الشيعية جميع الإخفاقات التي صاحبت العملية السياسية هو تحميل مجحف وغير عادل بحق نضال هذه الأحزاب ورجالها ,والمنصف يجب ان يحمل الأحزاب والكتل السياسية غير الشيعية الإخفاقات أيضا . إضافة الى ذلك فان تحميل الأحزاب الشيعية الإخفاقات دون الكتل والأحزاب غير الشيعية هو تقليل من مكانتها وغير عادل لها , خاصة وان العملية السياسية , على علاتها , افرزت إيجابيات كثيرة وبالأخص السياسية منها . العملية السياسية افرزت ثلاث انتخابات برلمانية حرة نزيهة , لم تعتقل مواطن واحد بسبب معتقداته السياسية , أعطت المواطن حق إدارة محافظته , اخراج الجيش من السياسة , تامين حرية الاعلام ,تامين حرية التظاهر والاعتصام , و تنزيه القضاء واصبح حتى المتهمين بالإرهاب لهم الحق بالدفاع عن انفسهم امام محاكم مدنية .
وهنا لابد من التذكير والمقارنة ان النظام السياسي الحالي مع النظم السابقة , والذي يغفل او يتجاهل ذكرها بعض الكتاب . جميع النظم السياسية التي حكمت العراق منذ الاستقلال حتى التغيير كانت نظم علمانية ولها يد في تأخر العراق وكان أفظعها نظام حزب البعث العربي الاشتراكي الذي حكم البلاد لمدة 35 عام. هذا الحزب دخل في حروب عبثية مع المكون الكردي و مع الجارة ايران واحتل دولة الكويت و ذهب من جراء سياساته الحمقاء مئات الالف من الشباب العراقي بين شهيد وجريح و بدد ثروة قدرها 450 مليار دولار في حربه مع ايران فقط. لقد انهار نظام حزب البعث عام 2003 مخلفا اكثر من 400 مقبرة جماعية في البعض منها عوائل دفنت بكاملها وهم احياء , ديون خارجية قدرت بمبلغ 120 مليار دولار , نسبة تضخم في الأسعار لم يشهدها العالم الا المانيا الاتحادية خلال الحرب العالمية الثانية , نسبة عطالة بلغت 50% وهو رقم قل نظيره حتى في دول افريقيا والشرق الأوسط , ودخل فردي سنوي كان لا يتجاوز 200 دولار وهو دخل كان اقل من دخل فلاح يعمل في احدى قرى الهند . في زمن البعث ظهرت واستفحلت مشكلة انقطاع الطاقة الكهربائية , السكن , الرعاية الطبية والتعليم .لقد ترك معظم موظفي الدولة وظائفهم لكون ان راتبهم الشهري اصبح لا يغطي اكثر من كيلو لحم و أصبحت ممارسة الرشوة في دوائر الدولة ممارسة رسمية , حيث لا يستطيع مواطن انجاز معاملته بدون "اكرامية" الموظف المختص .
سياسيا , كان حزب البعث العربي الاشتراكي المسؤول الأول والأخر عن إدارة البلاد , حيث لم يسمح لأي فئة سياسية أخرى في المشاركة حتى بقرارات الحرب . جميع الوزراء من البعثيين او انصارهم , بينما غدت وظائف الدولة المهمة حكرا على أقرباء وأصدقاء و موالين الرئيس . في فترة الحزب أصبحت بعض الوزارات مغلوقه على أعضاء الحزب وانصاره وأصبح الطالب الاعدادي لا يستطيع التقديم الى الجامعات بدون الانضمام الى الحزب. كانت الأجهزة الأمنية والمنظمات الحزبية ترصد حركات واحاديث المواطنين حتى في بيوتهم , مما خلق نوع من عدم الثقة بين الزوج وزجته , والجار وجاره , واصبح الإباء يتجنبون الحديث في السياسة امام أبنائهم الصغار خوفا من نقل احاديثهم الى الاخرين مما يعرض الإباء الى اعتقالات طويلة الأمد . لقد وصل الحال خلال فترة حكم حزب البعث ان بطبق القوانين على حالات رجعية , حيث تم اعدام المئات من انصار الأحزاب الإسلامية بحجة انتمائهم الى الحزب في الفترات السابقة , ووصل الحال تعرض المواطن العراقي الى قطع السان او الانف او الاذن لمن ينتقد سياسة الرئيس .
مع كل الأسف الكثير من كتاب المواقع , بقصد وغير قصد , يتناسى هذه الجرائم بحق الشعب العراقي و يعتبر نظام صدام كان علمانيا لا يكترث بهوية المواطن العراقي ولكن لا يذكر هؤلاء الكتاب الجرائم التي وقعت ضد مكونات الشعب العراقي من كرد , شيعة , كرد فيليين و حتى من أبناء المكون السني . نعم كانت جميع الحكومات قبل التغيير علمانية ولكنها لم تتخلى عن الطائفية , الا في زمن الزعيم الوطني المغفور له عبد الكريم قاسم . طيلة فترة الحكم الملكي لم يكن نصيب المكون الشيعي لراسة الوزراء الا ثلاث مرات من مجموع أكثر من ثلاثين وزارة وكانت مجموع عدد أشهر حكمها لا يتجاوز الاثنا عشر شهرا. عبد الكريم قاسم كان سنيا ولكن لم يكن طائفيا , ولكن حكم الاخوين عبد السلام عارف وعبد الرحمن عارف كان حكم طائفيا حيث لم يقربا الوظائف المهمة الا من أبناء محافظتهم , الانبار .
اذن , من يريد ان يسوق ان النظام العلماني هو النظام الأمثل للعراق انما يشوه تاريخ العراق السياسي عن عمد او غير عمد . وان من يريد ان يصور ان النظام السياسي القائم هو نظام قائم على الطائفية والسرقة انما يريد تدمير ثقة الشعب بنفسه وارباك السلطة والحط من قدر بلادهم ودولتهم كما أشار اليها الدكتور عبد الخالق حسين في كثير من مقالاته .
كما ذكرت ليس جميع الكتاب من طينة واحدة , فهناك كتاب من يكتب لدعم العملية السياسية ويشجع المواطن العراقي حمايتها لأنها النظام الوحيد في تاريخ العراق حقق العدالة وعلى الرغم من الصعوبات والتحديات التي كان يمر بها البلد . الكاتب علي المؤمن كتب في مقال له بمناسبة زيارة اربعينية الامام الحسين في عام 2015 قال فيها " لا تقرعوا أنفسكم أيها العراقيون , لا تهنوا ولا تحزنوا ولا تيأسوا , فانتم شعب عظيم في دولة ناجحة , رغم كل الصعوبات والاخفاقات . انها كرامة لكم ان تنجحوا في تنظيم هذا الحدث السنوي التاريخي الفريد , ان شعبنا بهذا التالف والاشراق والنجومية , ودولة بهذا الحجم من قبول التحدي والإصرار على النجاح , جدير بان يكون في مصاف الشعوب والدول المتقدمة الكبيرة ".



Advertise on Sotaliraq.com? Click here for more information!

Copyright © 1998-2017 Sotaliraq.com - All rights reserved / جميـــع حقـوق الطبع والنشر محفوظة لصوت العراق
Home | News & Reports | Articles | Privacy Policy | Contact Us

Google