إستراتيجية واشنطن (٤) حين نكون أدوات أميركا - سليم الحسني
إستراتيجية واشنطن (٤) حين نكون أدوات أميركا


بقلم: سليم الحسني - 25-01-2017
توارث المثقف الشرقي نمطاً من التفكير، جعله يُكثر من الغضب والسخط ضد الاستعمار وقوى العدوان الدولي. فقد صار مألوفاً لدينا وصف الدول التوسعية، بأنها تريد ان تتوسع على حسابنا، وأن الدول الإستكبارية تريد سرقة ثرواتنا، وكأننا نشخّص الأمر لأول مرة.. أو أن هذه الكتابات والأبحاث والكتب، جاءت باكتشاف جديد، لم يكن معروفاً من قبل.

إن السياسة الدولية تقوم على التنافس في مجالاته السياسية والعسكرية والاقتصادية، وكل دولة تسعى أن تمد نفوذها الى أقصى ما يمكنها، لتحصل على المزيد من المكاسب. لكن هذه الحقيقة لا يجري التعامل معها بالواقعية المطلوبة، فنحن نريد من هذه الدول أن تقدم لنا خدماتها.

نريد من الولايات المتحدة أن تقف في مجلس الأمن فتدين إسرائيل، ثم تقطع علاقاتها معها، وترسل قواتها لإقامة دولة فلسطين. كما نتوقع منها أن تقدم دعمها المالي وخبراتها العالية لعلاج مشاكلنا، وأن تشتري النفط بأعلى الأسعار، وأن تصدر لنا التكنلوجيا وتوفر لنا الخدمات وكل ما نحتاج اليه من دون شروط.
ولأنها لم تفعل ذلك، فهي قوة عدوانية غاشمة تكيد لنا الشرّ وتسعى للتوسع والسيطرة على مقدراتنا.

ويسهب المثقف العربي في هذا الكلام في محاضراته وكتاباته وحواراته، حتى صار ذلك منهجاً ثقافياً سائداً في مجتمعاتنا، على مدى عقود طويلة من الزمن. ولم يقف المثقف العربي ـ بشكل عام ـ عند الأسباب التي تقف وراء وقوعنا تحت هيمنة الاستعمار، والعوامل التي تحفز القوى الدولية للهيمنة على العالم الإسلامي وتجعله خاضعاً لسيطرتها وتحكمها.

لقد أشبع المثقفون العرب اتفاقية سايكس ـ بيكو لعناً وشتماً على مدى قرن من الزمن، وفي المقابل ظلوا يمجدون ثورة الشريف حسين في مكة عام ١٩١٦، ويصفونها بأنها (الثورة العربية الكبرى) وصار هذا اسمها الرسمي في كتب التاريخ، مع أن هذه الثورة هي التي أنتجت اتفاقية سايكس ـ بيكو. فقد كان الشريف حسين أداة بيد الإنكليز ـ من حيث لا يدري ـ في تحقيق أهدافهم ضد العثمانيين، وكان يحاربهم في الحجاز والأردن وفلسطين وسوريا، بينما هو في الحقيقة، يُسهل عليهم مهمة التقسيم الجغرافي للبلاد العربية.
...
إن من الضروري ان نواجه المسألة من بعدها الواقعي، قبل أن نمضي في التفتيش والبحث عن العدوان الأميركي واستراتيجياته في التحكم بالشعوب، وخصوصاً فيما يخلقه من فوضى تدميرية في الشرق الأوسط الكبير.

فعندما ثار الشعب الإيراني ضد دكتاتورية الشاه، وأسس الامام الخميني جمهوريته الإسلامية، كان ذلك شأناً خارجاً عن نطاق العراق والحكومات العربية. وحتى الاستفزازات الثورية التي ظهرت مع بداية الثورة، كان يمكن التعامل معها بنظرة واقعية، مثل أي ثورة جماهيرية تنجح في بلد دكتاتوري، حيث تنفلت التصريحات والمواقف مدفوعة بفورة الانتصار والحماس الثوري، قبل أن يهدأ الهيجان وتعود الأمور الى مسارها الطبيعي، وقد حدث ذلك في معظم الثورات ذات البعد الأيديولوجي، كما هو الحال في القومية الناصرية، والشيوعية اللينينية، والثورة الكوبية، وغيرها. فقد كانت هناك فترة حماس ثوري يبلغ صداه المنطقة الإقليمية، ثم ما يلبث ان يواجه حسابات السياسة الواقعية، فتعيش الثورة في حدودها الجغرافية الرسمية.

وعندما نراجع ما حدث بعد الثورة الايرانية، فاننا نرى أن ردة الفعل العربية كانت مفرطة في المبالغة بخطورتها، في حين لم يظهر هذا التحسس عند باكستان، ولا في تركيا ولا في أفغانستان المجاورة لإيران. إنما كان التحسس بالغاً عند الحكومات العربية وعند إسرائيل. فوجدت الولايات المتحدة في ذلك فرصتها لتعويض هزيمتها في إيران، بتشجيع صدام حسين على إعلان الحرب على إيران في أيلول ١٩٨٠، في حرب دامت ثمان سنوات، كانت الحكومات الخليجية تقدم دعمها لصدام، والولايات المتحدة تشجعها على ذلك. لأنها وجدت أن فرصة التوسع والوصول الى الشرق الأوسط بقواتها أصبحت في غاية السهولة، وهذا ما عبّر عنه (بريجنسكي) مع بداية الحرب، بقوله إن علينا أن نفكر بحرب ثانية في الخليج.

لقد جاءت السياسة العربية بالولايات المتحدة الى المنطقة.. جاءت بها عن طريق طيش صدام ومساعدتهم لنظامه. وقد انساق المثقف العربي في تهويل الموقف وتضخيم الصورة، فكان هدفه الأكبر هو تشجيع صدام على المضي في حربه، وكانت الجماعات الدينية تدعو له بالنصر على الفرس المجوس.
...
نفس الأخطاء التاريخية يكررها القادة السياسيون في العراق ـ وفي غيره ـ فهم يمهدون الطريق لإنجاح مشروع التخريب الوطني، ونشر الفوضى الخلاقة في الشرق الأوسط، وفي نفس الوقت يقف جيش من المثقفين والإعلاميين العراقيين يدعمون هؤلاء القادة، في ولاءات فئوية ومصلحية تمثل أقصى حالات التبعية لشخص القائد والانصياع لإراداته. وإذا ما دعا كاتب الى المراجعة والنقد، فان فورة الولاء الكاذب عند هؤلاء، ستبلغ أعلى مستويات الحرارة، دفاعاً عن هذا وذاك.

وعندما نواجه الواقع الأسوأ بعد فترة من الزمن، وتتكشف لنا خطوات التخريب الأميركي في بلادنا، فاننا نصب على الولايات المتحدة غضبنا المثقل باللعنات والحرب الكلامية التي يجيدها العاجز الخاسر.
للحديث تتمة.



Advertise on Sotaliraq.com? Click here for more information!

Copyright © 1998-2017 Sotaliraq.com - All rights reserved / جميـــع حقـوق الطبع والنشر محفوظة لصوت العراق
Home | News & Reports | Articles | Privacy Policy | Contact Us

Google