قصيدة : من تضاريس الروح - جمعة عبدالله
قصيدة : من تضاريس الروح


بقلم: جمعة عبدالله - 28-01-2017
قصيدة : من تضاريس الروح


ياعُمْرُ أنت ضماني في محطاتي


فاشهدْ لماضي الهوى واليومِ والآتي


الشهدُ من فم محبوبي يخوِّلني

أنْ أملأَ الدَّنَّ أقماراً وسهراتِ



قد لا يكون له حقٌّ عليَّ ولا

دَينٌ وفضلٌ فأهجوهُ بقبلاتي


وأطرقُ البابَ، بابَ الغيم أسألهُ

إن كان يرضى بسكب العطرِ آهاتِ



بين الضلوع مضامينُ الشذا قلقاً

تحوَّلتْ من صحيحاتٍ لغلطاتِ



إنّ الوصالَ الذي قد كان يرشقني

ضمَّاً وشمَّاً تعامى عن مجاعاتي !



لكنني لا أرى في البَين معصيةً

فالطاعةُ اختُزِلَتْ في ذِكْر مولاتي



هيّا اذكريني ملاكاً كان مختبِئاً

ما بين شهوة أنسامٍ وعبْراتِ



لكنَّ دمعي مضى كالسيف مخترقاً

عقلي وقلبي وأسراري الصميماتِ



وإنْ سكنتِ أماليدَ الفؤادِ جَنىً

فقد تمثَّلتِ أحلى ما بآياتي



توزّعَ الحزنُ ميراثي ففرَّقهُ

بين الولاياتِ أشتاتاً بأشتاتِ



أمّا قوامك يا بنتَ الرخامِ فقد

صدَّعْتُهُ أملاً منه بإسكاتِ



لكنني كلّما هشَّمتُ قافيةً

منهُ استعادتْهُ ريحاناتُ أبياتِ



هذا زمانٌ توخّى مقتلي بيدٍ

تعلو أبا الهولِ هولاً رغم ضحكاتي



قد خطَّ قبليَ أشعاراً مُسوَّمةً

كهذهِ بعضُ أقلامٍ وأصواتِ



لكنني رمتُها جسماً على حُلَلٍ

تسري مُموَّجةً أو نحتَ نحّاتِ

هذه القصيدة التائية , تكمن فيها الى حد الفيضان , لواعج وهموم ومعاناة الذات والوجدان , وقد تكاملت فيها سحر العبارة الشعرية المتألقة , في بلاغتها ورونقة المفردات المختارة , وصورها الشعرية البليغة والمعبرة , عن مكنون الروح من الهموم العميقة والشجية , وهي تغور الى اعماق الذات الوجدانية , لتظهر بهذا الفيض الطافح بالفيضان على السطح والمكشوف , بالضبط مثلما طفح فيها التوهج السحري , في المخيل الشعري , الذي حلق بجناحي النورس الجريح , من طعنات ولهيب الهوى والهيام والعشق , وكذلك في شجية النوى والوجد , التي تغور بسكاكينها , اعماق الروح , وهي تجابه في صراع مفتوح , مع المكونات الثلاثة ( الانسان . المكان . الزمان ) , في تداخل وتفاعل متبادل , بين المضمور والظاهر . هذا التفاعل يمثل انعكاس وردة فعل متبادلة , من الصيرورة الثنائية . بين الذات الشخصانية ( الانا ) الى الذات الاعم والاشمل , وبالعكس بالتجاذب المترادف , قد ربما تختلف عن المألوف من كبار الشعراء الاقدمين , الذين عرفوا بالهيام والعشق الى حد التوحد والجنون , في معلقاتهم الشعرية المعروفة , التي ركزت قصائدهم , بالشاغل الاول على الذات ( الانا ) الوجدانية , ولكن هذه القصيدة التائية , خالفت المألوف , بأنها قسمت بالمناصفة المتساوية , بين الذات الوجدانية الشخصانية , وبين الذات العامة الى الرحاب الاشمل بما هو مرتبط بالمكونات الثلاثة ( الانسان . المكان . الزمان ) . في التخاذب والانسجام في الهم المشترك , من المعاناة . اضافة الى المحاولة الرائعة , في تكبير الصورة الشعرية ,بزخم المشهد الشعري المرئي الكامل من كل اطرافه , بهذه الاحاسيس والمشاعر المتفجرة بهذا اللهيب وباصواته الناطقة , وهذا دأب الشاعر القدير ( سامي العامري ) الى جنوحه الى تكبير الصورة الشعرية المتكاملة , ليضع القارئ في مناخها الكامل في اجواء القصيدة , ليس بصورة تكليفية صرفة , وانما بأنسيابية شعرية شفافة وناعمة , رغم اثقال معاناتها وهمومها , وهذا الشكل الشعري , تميز به الشاعر القدير , بلونه المتميز , بدون اطناب وترهل , بل في تسليط الضوء الكاشف المؤثر في مؤثراته في المتلقي , في الصدى والانعكاس والرنين المؤثر في النفوس بالتلقائية الاندماج الشفاف , في نغمات الايقاع الموسيقي , الذي عطف في سمفونية كاملة الاداء واللحن والترنم , وفي تفاعل محسوس في عمق الوجدان , قد يكون ظاهر لحنها بالتغنم الشفاف والرقيق , لكن تحمل في باطنها ثقل المكنون . الذي انفجر بهذا الزخم الهائل من عذابات الالم , كأنه كالطير الجريح الذي يرقص من المعاناة والالم . وحتى في الاختيار الرائع للقافية الممدودة الصارخة بآهاتها , في حرف العلة ( الالف ) , والذي ظهر كأنه ممدود بصراخات آلآهات برنينه المتواصل , بهذا الامتداد , وباصوات النورس الجريح , الذي اصابه الالم والتوجع . واضحى لا يعرف اين يسير ويتجه , وسط هذا الركام من التألم والاختناق , لذا ظهرت القافية في امتداد حرف ( الالف ) منسجم كلياً مع مناخ القصيدة , واضاف نوتات موسيقية اضافية , كأنها تضرب باوتار الروح والوجدان , ضربات لحنية حزينة وشجية . لذا فأن ضربات الموسيقية لهذه القوافي ( سهراتي . آهاتِ . عبراتِ ........... الخ ) تختلف عن الضربات الصوتية الموسيقية ( سهرتي . آهتي , عبرتِي ............................. الخ ) الاولى امتداد الالم بانفاسها طويلة , والثانية قطعية وحدية وانفاسها ضيقة والمختنقة . وارادها الشاعر تكملة لادوات المشهد الشعري في صوره الكاملة , وهي اكثر شمولية في الايقاع الداخلي للقصيدة , وهذه القدرة او الفطنة الشعرية في اختيار القافية بهذا الشكل , ليظهر ناصيته الشعرية المتألقة , واضافت زخم ابداعي مضاعف , واذا عرفنا , بأن الشاعر اشار بالغمز , بطريقة ايحائية ذات مغزى , ان ينفرد بهذا التألق عن بقية الاقلام الشعرية , ليثبت وزنه الشعري الثقيل بالابداع والتحديث . وهذه الابيات تكشف عن هذا المرام

قد خطَّ قبليَ أشعاراً مُسوَّمةً

كهذهِ بعضُ أقلامٍ وأصواتِ



لكنني رمتُها جسماً على حُلَلٍ

تسري مُموَّجةً أو نحتَ نحّاتِ


ولكن لا بد من وقفة في محطات القصيدة بالايجاز :

1 - ان دين العشق يعلو على كل دين , وصلاته القبلات العسلية ( النعناعية )


الشهدُ من فم محبوبي يخوِّلني

أنْ أملأَ الدَّنَّ أقماراً وسهراتِ

2 - جعل المكونات الثلاثة ( الانسان . المكان . الزمان ) شريك الاساسي في الهم والهموم والمعاناة



هذا زمانٌ توخّى مقتلي بيدٍ

تعلو أبا الهولِ هولاً رغم ضحكاتي

3 - انفجار القيح او الجرح , في العشق والهيام , ومواجهة كل تقلباته في النوى والوجد


إنّ الوصالَ الذي قد كان يرشقني

ضمَّاً وشمَّاً تعامى عن مجاعاتي !


4 - التأكيد على نصاعة بياض العشق , رعم الالم والتوجع والاحتراق


لكنني لا أرى في البَين معصيةً

فالطاعةُ اختُزِلَتْ في ذِكْر مولاتي


5 - الهيام في العشق , يفجر كل جوانح الروح , لتكون على أهبة الاستعداد لكل الاحتمالات المتوقعة


لكنَّ دمعي مضى كالسيف مخترقاً

عقلي وقلبي وأسراري الصميماتِ


قصيدة تائية مفتونة بالسحر , كما هي في حالة الشجن

جمعة عبدالله



Advertise on Sotaliraq.com? Click here for more information!

Copyright © 1998-2017 Sotaliraq.com - All rights reserved / جميـــع حقـوق الطبع والنشر محفوظة لصوت العراق
Home | News & Reports | Articles | Privacy Policy | Contact Us

Google