همس سياسي - جاسم جمعة الكعبي
همس سياسي


بقلم: جاسم جمعة الكعبي - 29-01-2017
لنبدأ الكلام كما نتهجى الحروف الأبجدية (أ. ب) كي يسهل علينا فهم الامور، ونحاول فك شفرة الواقع الذي اصبح لغزا محيرا، حيث كل يدور حول محوره ويسبح في فلكه. ففي عام 1914 شهد العالم العربي والاسلامي تغيرا في مجرى الامور، وانسحبت الدولة العثمانية مع الاحتفاظ ببعض المصالح، بعد تغير في الشكل والمضمون، في بودقة التفاعل التي كان الوسط التفاعلي فيها هو العالم الاسلامي والعربي، ليكون مسرحا للصراعات بين دول المحور ودول التحالف، وينتهي الامر بانتصار بريطانيا وحلفائها الضعفاء، لتنشر امتداداتها وانعكاساتها على العالم بأجمعه، ويشهد العالم العربي والاسلامي انتهاء فترة السلطان والباب العالي الذي كان يضفي على نفسه الصبغة الإسلامية، ليحل محله الحكم الوضعي الملكي، ولم يبتعد كثيرا عن الشرعية، فحاول جاهدا وضع الملوك من سلالة خاصة او قريبة من الخاصة. وامتد الوضع الى انتهاء الحرب العالمية الثانية، ليدخل العالم في فوضى الانقلابات والعصيان، وتغير الاوضاع الاقتصادية والجغرافية. انتهت الحرب الباردة عند سقوط الاتحاد السوفيتي القديم، وبدء الولايات المتحدة الأمريكية العمل التنفيذي في المنطقة، فجابت العالم من اجل تطمين اصحاب المصالح في مناطق مختلفة، مقابل تأييدها على جدول أعمالها. وتباينت ردود الافعال بين مؤيد ومرتاب ومنزوٍ ومستضعف. وأرغم من لا يريد الدخول الى تصعيد في التسلح، او تنافس اقتصادي غير مشروع. وما زاد الطين بله تحول العالم الى عالم احادي القطبية. وماجرى من احداث من 1986—2003 مزق تلك القطبية لتحتل اميركا وبريطانيا العراق، دون غطاء شرعي من الامم المتحدة، لتدخل في خلاف خفي مع حلفائها من جهة، وصراع مع اعدائها من جهة اخرى، وتكون حلبة الصراع مرة اخرى العالم العربي والاسلامي.
بعد هذه المقدمة السريعة والمشوشة، علينا ان نحاول معرفة طريقة تفكير الاخرين، للم شتات انفسنا، وإنقاذ ما تبقى منها -ان تبقى شيء- وهذه مجموعة اسئلة سوف نطرحها على انفسنا، لماذا دخلوا العراق بعد جولات مارثونية من المفاوضات، دامت أكثر من عقد من الزمن، دون غطاء شرعي، اي دون مقاسمة الضعفاء.
لماذا اسقطوا العراق عسكريا بعد 13 سنة، وكان بالإمكان حسم ذلك سنة 1991؟.
لماذا اغلقوا العراق واغرقوه في حصار وجوع على ايدي اهله وجيرانه؟.
هل يبقى شكل لدولة بعد كل ذلك؟ ام ان ما تبقى هو مساحة جغرافية تسمى العراق! وبعد دخول الاحتلال انتهى شكل الدولة رسميا، من خلال حل اكبر مؤسسة وهي المؤسسة العسكرية، وهدر مخازنها ومواردها، ومطاردة قادتها، وترك الناس يعمهون في "الحواسم" وسرقة اموال العامة، مع العلم ان امن البلد هو مسؤولية الحاكم العسكري. لماذا أخرجت الامم المتحدة من دائرة الصراع، بعد ان كانت هي الغطاء الذي تتكلم وتعمل من خلاله اميركا؟. ثم يبدأ بناء اكبر سفاره في المنطقة، وجعل الحكومة الناشئة تحت سلطة السفارة، وتحول المسؤولين الى مقيمين في المنطقة الخضراء، ومن لا يسكن فيها يسكن قريبا منها، او يجد من يكفله ليبقى خارج المنطقة، فهو كامب اللاجئين. نحن لا نتهمهم ولا ننتقص منهم ولا نفترض اننا خير منهم.
هل كان انسحاب الجيش الامريكي نصرا حقيقيا للمفاوض العراقي او للمقاومة؟ ام كان تغييرا في طريقة القتال!.
هل كانت أميركا تدير الصراع على حلبة العراق واستقبال خصومها داخل الساحة العراقية؟.
هل جعلت اميركا العراقيين يدافعون عنها بالنيابة من خلال فكرة عش الدبابير وداعش؟.
أيجب علينا إعادة التفكير في ما يحصل ونتصارح؟ وهل آن الاوان لذلك؟.
ان الصراع بين الدول الكبرى لن يهتدي الى حل قريب، وعدم وجود اقطاب متكافئة سيجعل الوصول الى حل ليس سهلا. ان الاحزاب والجماعات التي تدير العمل السياسي في العراق، لا يأخذون حيزا كبيرا من اهتمام الامريكان، ودليل الكلام انهم لا يستطيعون وضع حد لأية ظاهرة داخل الساحة العراقية مثل؛ الارهاب، التفجيرات، ومطاردة المطلوبين، انهاء الفساد، بناء دولة مؤسسات، وحتى تحديد مسؤولية انهيار المحافظات، او تحرير اراضي العراق، لانملك الا الانتظار، وما يتوافق مع المفوضات التي تشهدها الساحات الأوربية او غيرها من الساحات. بعدها سوف يختفي الكثير من الجماعات والشخصيات، كما حدث في فترة الستينيات، فذاب القوميون وهزم الشيوعيون واقصي الاسلاميون، وهدمت حتى الاحزاب المركزية، لينتهي الامر بأشكال دكتاتورية، باتت كالفزاعات تخيف العصافير والطيور، ويهلكها الدهر ولا تنتفع مما تحرس شيئا. ونحن لا نقلل من تضحيات المجاهدين الصادقين والسياسيين المخلصين، ولكن، رغبة في استثمار الجهود والتضحيات من اجل فهم الألغاز المحيطة بنا. ومازال خطاب القيادات موجها للقيادات المضادة لها، وليس خطابا للجماهير، فهو صراع وجود واستمرار للبقاء داخل الساحة السياسية. كما اننا مازلنا ننتظر المبادرات، ممن هم مكبلون بالمعاهدات والمال، والكل يخاف ان يخاطب الجماهير صراحة، او ان يعمل على اعادة نظامه الداخلي بما يناسب المرحلة القادمة، والأسوأ من ذلك ان الاحزاب والجماعات، تحاول جاهدة اثبات هويتها التي مزقتها الاحداث، وتدافع عن صفاتها التي فارقتها ايام الرخاء والسلطة، وتتبنى فكرة أن لمن اجتهد واصاب اجرين، وان اخطأ فله اجر واحد. واصبح الارتباط بين الجماعات والجماهير ارتباطا اقطاعيا نفعيا، وهذا لا يبني دولة سليمة معافاة من المفاجآت والمنعطفات الخطيرة.
[email protected]



Advertise on Sotaliraq.com? Click here for more information!

Copyright © 1998-2017 Sotaliraq.com - All rights reserved / جميـــع حقـوق الطبع والنشر محفوظة لصوت العراق
Home | News & Reports | Articles | Privacy Policy | Contact Us

Google