المرأة، الحب ـ ـ ضوؤها الشاعر ! * - د. رضا العطار
المرأة، الحب ـ ـ ضوؤها الشاعر ! *


بقلم: د. رضا العطار - 29-01-2017


وفي عودة اخرى الى المجتمع العربي في القرن العشرين من حيث مقاييسه الجنسية، ومفاهيمه للجنس - - نرى ان هذا المجتمع قد كان في متاهة جنسية واضحة، فهو لا ارضا قطع، ولا ارضا ابقى.
فالجنس عند العرب في الوقت الحاضر ليس له هوية، كما عليه قبل الاسلام في الجاهلية، وبعد الاسلام ايام الامبراطورية الاسلامية التي امتدت عشرة قرون تقريبا.

أما بالنسبة لأوربا، فقد تخلت عن المفاهيم المسيحية للجنس واتخذت لنفسها مفهوما محددا له - - - فقد الغت عقوبات الاعدام للمخالفات الجنسية – وقد نص القانون النابوليوني الذي ما زال ساري المفعول في فرنسا حتى وقتنا الحاضر، على عدم مجازاة مرتكبي الخطيئة الجنسية، ما دام ذلك قد تم برضا الطرفين.
وقد سمح القانون الفرنسي بالشذوذ الجنسي بين الذكور اي (اللواطية) وبين الأناث (السحاقية)، شرط ان لا يكن في العلن وان لا يمس ذلك الاداب العامة.

وفي بريطانيا صوت مجلس العموم على السماح بممارسة اللواط علنا.
وفي المانيا كان الوضع الجنسي لا يختلف عما كان عليه في بريطانيا وفرنسا.
واما في امريكا فقد كان المجتمع الجنسي شبيها بما هو عليه في اوربا. اضافة الى ان المجتمع الامريكي اضفى الشرعية القانونية على الشذوذ الجنسي – فسمح للواطيين والشاذين باقامة منظمات علنية لهم – وبوضع ورقة حقوق لهم، شأنهم في ذلك شان المهنيين.
وكان من نتائج هذا التدهور الخطير في الاخلاق (التي نادى بها نبيهم السيد المسيح)، ان انحدر الى الحضيض، فانتشرت الامراض الجنسية المخيفة والفتاكة وعلى راسها مرض (الايدز).

اذن، لقد عرف العالم العربي طريقه الجنسي واتخذ له في الوقت الحاضر مفهوما واضحا. اما تيه العربي في الجنس هو جزء من تيهه في السياسة، وهو جزء من تيهه الاجتماعي، وتيهه الاقتصادي، وتيهه الثقافي.
وفقدان الهوية القومية العامة للامة العربية قد ادى بالتالي وكنتيجة حتمية الى فقدان الهوية التربوية.
فاصبح الجنس عند العرب خليطا متنوعا - - كما هو الادب وكما هو الفن.
ولذا فقد استغل بعض الشعراء هذه الفوضى الجنسية التي ادت الى وجود حبل جنسي يومي، مشدود شدا محكما في الحياة العربية - - فاخذوا يعزفون عليه عزفا ناعما مدغدغا – متخذين من الجنس (لعبة) فنية، وليس (قضية) فنية - - في حين ان الجنس (كلعبة) لم يرد في يوم من الايام في الاداب الاوربية او في الشعر الاوربي الحديث على وجه الخصوص - - واذا ورد الجنس في هذا الشعر فانما يرد كقضية وليس كلعبة. كما هو الحال عليه في الشعر العربي الحديث – وخاصة في شعر (نزار قباني).

ان اجمل واوفى تعريف علمي وبلاغي للحب هو ما قاله فيلسوف الحب العربي
(ابن حزم الاندلسي) في سفره العلمي البلاغي المجيد (طوق الحمامة).
وابن حزم استطاع في تعريفه للحب كظاهرة انسانية جليلة، ان يلخص وجهة نظر الامم التي سبقت بحضاراتها العرب – وان يدمج وجهة النظر هذه بالنظرة العربية.
وبالرغم من مضي تسعة قرون على الفلسفة (الحزمية) اى ان النظرات الحديثة التي اعقبت فلسفة ابن حزم لم تقدم او تؤخر في نظرية (ابن حزم) في الحب.
ان سر النظرية العلمية البلاغية لابن حزم في الحب تتجلى في كون صاحب هذه النظرية قد كان سياسيا ورجل قانون، قبل ان يكون منظرا في الحب. - - فقد عالج (ابن حزم) الحب على ضوء الفقه والقانون – ولقد انطلق ابن حزم يحلل الحب تحليلا يضاهي في مناهجه ونتائجه احدث ما توصل اليه علم النفس المعاصر من معطيات في دراسة عاطفة الحب - - - فماذا قال الفيلسوف (ابن حزم) في الحب ؟

لقد قال كلاما كثيرا في هذا الموضوع - - سماه (طوق الحمامة) – لكن اجمل ما قال :
- الحب : اوله هزل - - وآخره جد - - !
- لا يدرك المرء معاني الحب الا بالمعاناة - - !
- لو كان سبب الحب الموافقة في الاخلاق – لما احب المرء من لا يساعده – ولا يوافقه.
- الحب شئ في النفس.
- اذا قام الحب على سبب من الاسباب، فني بفناء الاسباب.
- ان نفس المحب متخلصة عالمة بمكان ما كان يشركها في المجاورة، طالبة له، قاصدة اليه، باحثة عنه، مشتهية لملاقاته، جاذبة له، لو امكنها، كحديد المغناطيس

ان الحب كالنار في الحجر. فانت لا توصل اجزاء الحجر بعضهم بعضا الا بعد القدح، ومجاورة الجرمين، وإلا فإن النار تظل كامنة في الحجر، لا تبدو، ولا تظهر.
فكما ان الكراهية تأتي لا لمعنى ولا علة – ويستثقل بعضها بعضا بلا سبب – فكذلك الحب - - انه يأتي لا لمعنى – ولا علة.
- الحب داء عياء، فيه الدواء على قدر المعاناة !
- الحب علة مشتهاة – لا يود سليمها البرء - -
فهل قيل بعد تسعة قرون من قول هذه الأراء في الحب، شئ جديد - - ؟
ان كل ما قيل بعد ذلك من نظريات عربية وغربية – لا يخرج عن نصوص (مانيفستو الحب) الذي قرأناه قبل قليل.
* مقتبس من كتاب (المرأة، اللعبة، ضوؤها الشاعر) لنزار قباني



Advertise on Sotaliraq.com? Click here for more information!

Copyright © 1998-2017 Sotaliraq.com - All rights reserved / جميـــع حقـوق الطبع والنشر محفوظة لصوت العراق
Home | News & Reports | Articles | Privacy Policy | Contact Us

Google