"كلمن يرده حليبه" - علي علي
"كلمن يرده حليبه"


بقلم: علي علي - 30-01-2017
أكاد أجزم وبشكل قاطع، أن العبارات التي أنشأها متصيدو الغفلة ومتحينو فرص الصيد في عكر المياه، والتي يبتغون من إطلاقها إثارة نعرات اندرست، وخلق بلبلة في الشارع العراقي، لم يعد لها وجود على أرض البلاد، من تلك العبارات على سبيل المثال عبارة (مثلث سني) او إطلاق تسمية (محافظة شيعية) على كربلاء او النجف، وكذا الحال مع العاصمة بغداد التي حاولوا جاهدين تسمية محلاتها وأزقتها حسب الانتماء الديني والطائفي، فالأعظمية كانوا قد خصصوها للسنة ومدينة الصدر والشعلة للشيعة، وغيرها من مناطق البلد التي لم تكن يوما إلا عراقية فقط. ولاننسى تمادي المغرضين الى أبعد من هذا، فعلى سبيل المثال أطلقوا على (زيونة) مدينة أزلام صدام، باحتساب ان نسبة عالية من ضباط الجيش العراقي السابق يسكنونها، مع أن ساكنيها كانوا من أطياف العراق جميعها بمن فيهم الضباط والقادة.
ويطول الحديث اذا أحصينا المناطق الأخرى ومسمياتها التي أبت إلا ان تبقى عراقية، بدلائل حية تفرض إثباتها بين الحين والآخر في عراقنا. فعلى سبيل المثال لا الحصر، حين يفوز منتخبنا الوطني في مبارات يهبّ الجميع للتعبير عن فرحتهم وشعورهم بنشوة النصر كل بطريقته الخاصة، إذ تمتلئ حينها شوارع الأعظمية والشعلة وزيونة ومدينة الصدر والدورة والبياع والفضل والگريعات، وباقي محلات بغداد وكذلك المحافظات كافة، مرددين هتافات وأهزوجات وأناشيد لاتعرف غير العراق، ورافعين علما واحدا هو علم العراق لاغيره.
كذلك من الأدلة على وحدة ناسنا الطيبين ماحدث قبل سنوات قليلة، يوم فاض نهر دجلة في بعض مدن صلاح الدين، فقد سارع أبناء البلد من محافظاته -ولاسيما الوسط والجنوب- الى نجدتهم ومساندتهم في محنتهم. ولم تنته الآصرة بين العراقيين عند هذا الحد، بل تعددت مواقفهم وتجلت أكثر مع النازحين من محافظات الأنبار وصلاح الدين ونينوى وديالى، فقد كانت القلوب مفتوحة قبل الأحضان والبيوت، لاستقبال المهاجرين منها الى المحافظات الآمنة.
الفرقة إذن، والشتات يكمنان في شريحة الساسة فقط، وهم ليسوا بغافلين او ناسين او (غشمه) وحاشاهم أن يكونوا (دماغ سسزية) عن حقيقة ناصعة كشمس تموز في كبد السماء، تلك هي حقيقة الشعب العراقي وطبائعه المتوارثة جيلا بعد جيل، في الألفة والتوادد والتآزر فيما بين أفراده، بعيدا عن التفرقات الدينية والطائفية والقومية والعشائرية.
أرى أن العراق اليوم منقسم الى قسمين شئنا أم أبينا! القسم الأول هو الشعب، الذي لايبتغي أكثر من العيش بسلام في دار السلام، آمنا مطمئنا ليومه وغده، أما القسم الثاني فيتمثل بالجهة الحاكمة، إذ يبدو أن المنصب القيادي ينسي معتليه مامنوط به من واجبات مهنية ووطنية تجاه رعيته، ويتحول بعد تبوئه مقعد التسلط الى صنم يخال نفسه معبودا، فيما هو بحقيقته عابد للجاه والمال والسلطة والنفوذ، وما يتفرع منها من منافع شخصية ومادية، ومآرب فئوية وحزبية، رافعا شعار الأنانية وحب الذات. أما مسببات هذا التحول، فإن مردها يكمن في نفسية الحاكم وتكوينه الشخصي، واللذين يفضيان بدورهما الى تخويله للقيام بأفعال مشينة، ليس أولها الظلم، كما أن آخرها ليس الطغيان، وقد ورد في مثلنا الدارج؛ (كلمن يردّه حليبه) كناية عن مرجع الخلق الى النشأة الأولى. كذلك قال أجدادنا في حال الإطراء على شخص عفيف نظيف شريف؛ (ألف رحمه على ديس الرضعته) فواعجبي على ساستنا، من أي ثدي ياترى قد رضعوا؟

[email protected]



Advertise on Sotaliraq.com? Click here for more information!

Copyright © 1998-2017 Sotaliraq.com - All rights reserved / جميـــع حقـوق الطبع والنشر محفوظة لصوت العراق
Home | News & Reports | Articles | Privacy Policy | Contact Us

Google