سائق التاكسي و" معضلة" خور عبدالله - د. فائق يونس المنصوري
سائق التاكسي و" معضلة" خور عبدالله


بقلم: د. فائق يونس المنصوري - 31-01-2017
علت الصحيات في الآونة الأخيرة فجأة ودون سابق انذار حول الترسيم الحدودي لمياه خور عبدالله بين العراق والكويت، فتردد صداها في شارع ملغوم بنظرية المؤامرة وانسان متوتر أتعبه اللهاث اليومي خلف لقمة العيش وحربه اليومية مع تراكم الازبال وانتشار الجرذان وطفح مياه المجاري بسبب غياب الخدمات، والازدحام المروري بسبب غياب القانون وخراب الشوارع والساحات العامة والفرعية نتيجة تجاوزات الحواسم ومن لف لفهم، او بسبب عدم الصيانة او التجديد، واختفاء ارصفة المشاة بسبب احتلالها من قبل أصحاب المحلات فاصبح الشارع نهرا من المشاة والسيارات والستوتات. فضلا عن انتشار الجهل ومحاولة تغييب الفكر الحر الواعي الخلاق من خلال نشر سياسة التجهيل والفكر الغيبي الداعي الى قبول الانسان العراقي بواقعه المزرى وتردي وضعه الاقتصادي والاجتماعي بالإيحاء اليه بانها ارادة السماء وعليه القبول بهذا البؤس والفقر والمرض والجهل (لان المؤمن مبتلى) بينما يرفل دعاة هذا الفكر بأثواب العز ويركبون أرقى السيارات ويعيشون في أبهى القصور ويسيحون في أجمل بقاع الدنيا وبلدانها.
ولقد كذب الخراصون فان الله تعالى يريد ان يفيض بنعمائه على عباده ويرغب لهم العز والرفعة والعيش الرغيد وطلب العلم والتفكر في خلق الله ، فاختلط الحابل بالنابل وصار الانسان العراقي يحارب على عدة جبهات، ما بين لهاثه اليومي خلف توفير قوت عياله وبين غياب الخدمات وتدهور حالته الصحية والنفسية بسبب تردي الخدمات الصحية وتحول المستشفيات الى هياكل فارغة تمتلئ بالمرضى والادواء ولكن بلا دواء، وتردي النظام التعليمي وبيعه للقطاع الخاص وانتشار الرشوة والفساد في مؤسسات الدولة المختلفة، وبين حرب فكريه نحاول ان تطيح بآخر خط دفاعي له قبل ان تسلبه عقله ليصبح أداة للحروب ووسيلة لتنفيذ المطامع والرغبات كما تصف ذلك احداث رواية 1984 لجورج اورويل.
وفي ظل هذه الصورة القاتمة والمأساوية جاء توقيت طرح هذه المشكلة التي تعد (عويصة) او (معضلة) في نظر بعض المثقفين او الأكاديميين، الا انها في الحقيقة تشكل بندا من بنود عديدة او ورقة لعب من عدة أوراق سيطرحها الخائضون في مياه السياسة الاسنة مع اقتراب موعد الانتخابات وموسم توزيع العطايا والهبات لشراء أصوات المغلوبين على امرهم متقنعين ببكاء التماسيح على الوطن الممزق المنهوب (وهم في الحقيقة اول الناهبين)، او تراهم يطلقون بخور التعاويذ ويرتلون الترانيم لتضليل عيون الفقراء والاميين ممن اضناهم اللهاث اليومي وصراع الحياة، بينما في حقيقه الامر نرى هؤلاء الخائضين هم اول من يكفر بالمعبد ومقدساته عندما تلامس محرماته خطوط مصالحهم الحمراء.
فاذا رغب أي واحد منا ان يطلع على طبيعة الوضع الجغرافي والجيولوجي والرسوبي لخور عبدالله والمناطق المحاذية له، فما عليه الا ان يكتب كلمتين فقط في محرك جوجل وستنهال عليه مئات الألوف من المعلومات والصور والخرائط والمقالات (غثها وسمينها)، ومن ثم ما عليه الا ان يقرا ويفكر ثم يحكم عقله فيما جري وما يجري وما الذي يحاولون سوقنا اليه من كوارث ان لم يتنبه لها عقلاء القوم (وما اقلهم)!!
ولكن هؤلاء الخراصون الخائضون في مياه مستنفع السياسة الاسنه من محدثي النعمة وسارقي قوت الشعب وتجار الدم نسوا انهم يتعاملون مع شعب صبور ذكي داهيه، فهو اصبر من أيوب واذكى من اياس وأدهى من الاشعث بن قيس، وانني لأنقل لكم عينة بسيطة من الشارع العراقي وهو شاب في مقتبل العمر، فقد اقلني قبل أيام الى مكان عملي وكان الراديو يتحدث عن مشكلة اسمها خور عبدالله وكيف تم التفريط بسيادة البلد وكيف تعدى الجيران على حدوده وسلبوا كرامته وعلينا ان نشمر ارداننا كرة أخرى لحرب خليج رابعة او خامسة وووو..... الخ من هذا الكلام الذي له اول وليس له آخر.
ولأن جهاز التلفزيون عندي عاطل (والحمد لله) وبذلك فقد ارتحت من رؤية الوجوه الكالحة لهؤلاء الخراصون وسماع هذرهم الفارغ فالتفت الى السائق وسألته عن حقيقة الامر وهذا اللغط حول مسالة خور عبدالله وسألته عن رأيه فيما تقوله المذيعة، فما كان جوابه يا ترى؟؟؟
قال (وسأحاول ان اكتب ما ذكره بصورة أقرب ما تكون الى البساطة التي نطق بها بعفوية وسرعة خاطر):
"حجي، هؤلاء السياسيون يخلقون المشاكل من (جوا الكاع) ولا يهمهم غير مصالحهم وهم يحاولون دائما التفرقة بين المرء وأخيه. لقد مللنا من الحروب والقتال وصراع الجار مع الجار، فقد عشنا مع الكويتيين اخوان متحابين مذ وعينا على الدنيا ليس لنا شغل بالساسة والسياسيين، فلطالما عمل أهلنا في الكويت وقسم منهم استقر هناك وكانوا يزورون مدينتنا كل يوم وتمتلئ شوارعها بهم أيام الخميس والجمعة من كل أسبوع، والان وبعد سقوط صدام وعودة العلاقات الطبيعية بين البلدين، لماذا يحاول هؤلاء السياسيون اشعال النار في البيت الواحد"، فناري ونارُ الجارٍ واحدةٌ واليه قبلي ينزلُ القدرُ.
"صحيح نحن غزونا بلدهم أيام النظام المقبور، لكننا دفعنا الثمن (مربعاَ)" فتدمر بلدينا وخسرنا عشرات الألوف من الضحايا والجرحى والمفقودين وضاعت المليارات من ثروة البلدين بسبب رعونة حاكم اهوج والمستفيد الوحيد هم المحتلين واذنابهم ومن سار بركابهم، وكان من نتيجة ذلك الغزو حصار اسود اهلك الزرع والضرع فضاعت منا أراض ومياه كانت لنا منذ أيام سومر واكد بسبب قرارات الأمم المتحدة بعد حرب 1991، فصارت عمليات إدارة حركة السفن في مياه الخور مشتركة بين البلدين حسب توصيات لجان ترسيم الحدود الأممية بعدما كان للعراق وحده حق التصرف فيها ( كما هو الحال أيام المرحوم شط العرب الذي غير اسمه الى آروندرود بعد حرب 1980)، وتلك نتيجة طبيعية لكل من يتجبر ويعتدي وما نتيجة العدوان الا الخسران المبين.
" يا عمي هذه قوانين عالمية وليس لنا الا القبول بها ومحاولة التراضي مع الكويتيين حول بعض المشاكل الباقية من أيام الغزو ومحاولة حلها بالحسنى والا ستخرب بلادنا أكثر مما هي (خربانة) الان"
" ونحن ناس فقراء نريد ان نعيش كما يعيش خلق الله الاخرين، وليس لنا بعد قابلية على الحروب والقتال، وانت ترى معي ان مدننا أصبحت مقابرا من كثرة صور الشهداء الذين تقدمهم يوميا للخلاص من داعش وغيرها"
كنت اصغي له بكل جوارحي وانا فرح بداخلي لهذا الوعي الفطري والتحليل الصائب الذي لا يمتلك نصفة الكثير من مدعي الثقافة والسياسيين، ولم أحس الا وانا امام مقر عملي فسكت السائق (شهريار) عن الكلام المباح بعدما أطلق كلماته، بل دعواته الأخيرة، حين قال:
" الله لا يوفق كل من يعمل لخراب العراق وسرقة العراقيين"

والسلام على من سمع القول فاتبع أحسنه.
اللهم فاشهد... إني قد بلغت؟



Advertise on Sotaliraq.com? Click here for more information!

Copyright © 1998-2017 Sotaliraq.com - All rights reserved / جميـــع حقـوق الطبع والنشر محفوظة لصوت العراق
Home | News & Reports | Articles | Privacy Policy | Contact Us

Google