عندما حكمت الدكتاتورية والطائفية البلاد والعباد - محمد رضا عباس
عندما حكمت الدكتاتورية والطائفية البلاد والعباد


بقلم: محمد رضا عباس - 01-02-2017
في بلدي العراق حكمت الدكتاتورية 35 عاما فأنتج عنها المئات من المقابر الجماعية , مئات الالاف من المفقودين , ومئات الاف أخرى من المهاجرين الذين خافوا على ارواحهم واعراضهم واموالهم . في عهد الدكتاتورية , أصبحت التقارير الحزبية السلاح الفتاك الذي يستخدمه كل من يريد الانتقام من زميله في الوظيفة , جيرانه , وحتى وصل الامر الى الاهل والاقرباء . اصبح الزوج يخاف من زوجته , والقريب من ثالث ظهر يخاف من اقرباءه , بسبب ان احدهم عارض النظام . الالاف من الشبان استشهدوا في حروب الطاغية على سفوح جبال كردستان , وبقرب اهوار الجنوب , وعلى ضفاف شط العرب , في حروبه مع الشعب الكردي , ايران , واحتلال دول الكويت . في هذه الاثناء تراجعت حالة المواطن الاقتصادية , حتى اصبح المواطن لا يستطيع تأمين ابسط حاجات بيته , واضطر الى بيع مفروشاته , اثاثه , بل حتى أبواب و شبابيك داره. المواطن العراقي أصبح بين سندان الفقر والعازة ومطرقة القوات الأمنية التي اختبر المواطن قسوتها ونذالتها.

دكتاتورية النظام السابق والدكتاتوريات العربية هي الأخرى لم تكن شرا مطلقا 100% , وانما 99% . الواحد بالمئة يحسب لها ولا عليها لأنها استطاعت على الأقل من لم شمل شعوبها نحو القضية الفلسطينية , حيث ان الإعلام العربي نجح نجاحا كبيرا في جمع الشعوب العربية نحو القضية الفلسطينية على اعتبارها القضية المركزية الأولى للامة العربية , وترك جميع المطالب الداخلية جانبا . بطبع لم تستطع جميع الدكتاتوريات في منطقة الشرق الأوسط تحرير انج واحد من فلسطين , ولكن استخدام ورقة القضية الفلسطينية سمح لهذه النظم الاستمرار بالحكم لفترة 60 عاما .

شيء اخر يحسب للدكتاتورية وليس عليها هو ان الدكتاتوريات في الشرق الأوسط وان احتكرت السلطة لها ولأعوانها , الا انها استطاعت من السيطرة على نزعات التقسيم داخل شعوبها من خلال الخطاب التوحيدي . هذا الاتجاه كان واضحا في العراق , سوريا , اليمن , , ليبيا , تونس , الجزائر , والمغرب . على سبيل المثال , المواطن الكردي في العراق كان له حرية العمل والإقامة في أي منطقة في العراق , وكذلك الشيعي والسني. لم يكن هناك حي مغلق على مكون واحد دون المكونات الأخرى.

بعد انهيار الدكتاتوريات في الشرق الأوسط وانتقال القيادة العربية الى حكام الخليج , حلت ايران محل فلسطين في قائمة العداء العربي , و حل الخطاب الطائفي محل الخطاب الوطني . حكام الخليج والجوقة الإعلامية المرتزقة بدأت تسوق طائفيا ان ايران وليست إسرائيل هي الخطر الذي يهدد الامن والسلام العربي , وأصبحت الدول الخليجية تصرف المليارات من الدولارات من اجل طرد نفوذ ايران من الدول العربية في الشرق الأوسط , حتى وان أدى هذ التدخل بتدمير شعوبا وبلدان . التدخل الخليجي في سوريا أدى الى تدمير نصف البلاد تدميرا يكاد ان يكون كاملا , قتل ما لا يقل نصف مليون مواطن سوري , وتهجير حوالي خمسة ملايين منهم موزعين في كل انحاء العالم . الاعلام الخليجي سوق ان النظام السوري , نظام طائفي علوي ويقصي المكون الأكبر وهو المكون السني في سوريا . الخليج دعم مجاميع سنية عسكريا للقضاء على نظام بشار الأسد، لم يفلح ولكن نجح بإخراج سوريا من جبهة التحدي ضد إسرائيل.

دعم الخليج المجاميع المسلحة في العراق لنفس الغرض , طرد النفوذ الإيراني من العراق , ولكن لم يفلح , وان العراقيون الان في طريقهم لدحر داعش. الإرهاب في العراق لم يسقط التجربة الديمقراطية ولكنه افرغ العراق من قوته العسكرية , وبذلك جعل إسرائيل الدولة الأقوى في الشرق الأوسط .

الدكتاتوريات قبل سقوطها خلقت نوع من التوازن العسكري بين إسرائيل والدول العربية , ولكن القيادة الخليجية للعرب جعلت من إسرائيل الدولة الأقوى وبدون منازع في الشرق الأوسط . الدكتاتوريات في المنطقة استخدمت الخطاب الوحدوي داخل بلدانها , الا ان قيادة الخليج للعرب استخدمت الخطاب الطائفي في المنطقة , مما أدت هذه السياسة الى نزاعات طائفية داخلية في كل بقعة عربية دخلت اليها دول الخليج . في سوريا بدء المواطن السني يقاتل أخيه المواطن العلوي والشيعي لا لسبب الا انه مذاهب مختلفة . وفي العراق غذت دول الخليج الخلافات بين الشيعة و السنة بحجة الاقصاء والتهميش والظلم , هذا مع العلم ان السعودية تمارس الاقصاء و التهميش بشكل واضح ضد الأقلية الشيعية عندها و لحد الان لم يختار منهم وزيرا في الدولة السعودية , وفي البحرين , يحاول النظام تغيير التركيبة السكانية عن طريق تجنيس مجاميع سكانية من جميع اقطار العالم .

دول الخليج لم يكفيها تدمير العراق وسوريا واليمن , وانما تريد تمزيقها وتقطيعها . الخليج دعم دعوات تقسيم العراق , والان يطالب بتقسيم سوريا واليمن . السعودية , وحسب ما نقلته جريدة الشرق الأوسط السعودية , ان الرئيس الأمريكي المنتخب دونلد ترامب قد اتصل تليفونيا مع مللك السعودية سلمان بن سعود وتحدثوا لمدة ساعة , وكان من جملة ما تحدثوا به هو تحديد مناطق عازلة في سورية واليمن . اذا صح الخبر , فان الشرق الأوسط سيشاهد انبثاق دولتين جديدتين , سوريا الشمالية , واليمن الشمالي . وبذلك فان دول الخليج اثبتوا انهم يعملون مثل ما أوصى به شعيبا قومه مدين " يا قوم اعبدوا الله وارجوا اليوم الاخر ولا تعثوا في الأرض مفسدين" , ولكن بطريقة معكوسة.



Advertise on Sotaliraq.com? Click here for more information!

Copyright © 1998-2017 Sotaliraq.com - All rights reserved / جميـــع حقـوق الطبع والنشر محفوظة لصوت العراق
Home | News & Reports | Articles | Privacy Policy | Contact Us

Google