في اشكالية مسودة الدستور الروسي - صلاح بدرالدين
في اشكالية مسودة الدستور الروسي


بقلم: صلاح بدرالدين - 03-02-2017
الدستور بتعريفه العام بحسب كل المصادر العلمية هو " القانون الأعلى الذي يحدد القواعد الأساسية لشكل الدولة (بسيطة أم مركبة) ونظام الحكم (ملكي أم جمهوري) وشكل الحكومة (رئاسية أم برلمانية) وينظم السلطات العامة فيها وحدود كل سلطة والواجبات والحقوق الأساسية للأفراد تجاه السلطة.ويشمل ويضع اختصاصات السلطات الثلاث (( التشريعية والقضائية والتنفيذية)) وتلتزم به كل القوانين الأدنى مرتبة في الهرم التشريعي فالقانون يجب أن يكون متوخيا للقواعد الدستورية وفي عبارة واحدة تكون القوانين واللوائح غير شرعية إذا خالفت قاعدة دستورية واردة في الوثيقة الدستورية " لذلك يشكل الدستور القاعدة الأساسية الوحيدة الأهم للحياة الاجتماعية والسياسية للشعوب وهو الفيصل والمرجعية والضمان في حاضر ومستقبل علاقات الجماعات والأفراد داخل الدول .
مازالت مسودة الدستور التي سلمها الروس الى الأطراف السورية في اجتماع - أستانة – قبل نحو اسبوع والتي تبين لاحقا أن طرف النظام كان قد استلمها منذ فترة سابقة موضع ردود أفعال متفاوتة بين الرفض الغالب والقبول ببعض بنوده والنقاش حوله فمن رفضها بشكل مبدئي ودون سرد تفاصيل المضمون وذلك انطلاقا من اعتبارات تتعلق بالسيادة والتدخل في الشؤون الداخلية وأحقية السوريين باقتراح وصياغة ومناقشة دستورهم القادم وبين من اعتبر امكانية التعاطي مع المقترح والاستفادة من مضامينها وبين من اختار بنودا اعتبرها مفيدة ورفض أخرى باعتبارها ضارة .
ومن الملفت أن عددا لايستهان به من معارضي النخب القومية والاسلامية وحتى الليبرالية اقتصرت مآخذها فقط على بعض البنود التي ورد فيها اسم " الجمهورية السورية " بدون – العربية – أو التي تضمنت " الحكم الذاتي الثقافي للكرد " والمساواة بين اللغتين العربية والكردية في اطاره وأحقية المكونات الأخرى بالمطالبة في ممارسة لغتها وثقافتها وكذلك انتخاب مجالس أو جمعيات المناطق الى جانب مجلس النواب وبشكل عام التحفظ على تعددية المجتمع السوري القومية والدينية والتزام الدستور بوجودها وحقوقها وكذلك على التخفيف من سلطة المركز لمصلحة المحافظات والمناطق هذا من دون البحث في أية جوانب أخرى في مضمون تلك المسودة .
وقبل اتخاذ أي موقف من تلك المسودة من المناسب العودة الى بحث ومعرفة الأهداف الروسية في طرحها بالتوقيت الراهن فمن الواضح أن الروس لم يقدموا أي مقترح سياسي جاد ومتكامل عندما كانوا أحد الأطراف المعنية بالملف السوري الى جانب الأمريكيين والأوروبيين والبلدان العربية والاقليمية( سوى الاصرار على صيانة نظام الأسد واستمراريته ) والآن وبعد تشديد القبضة على سوريا كدولة احتلال والتفرد باقرار مصير السوريين وتسمية ودعوة من يشاؤون للمشاركة في المفاوضات حول سوريا بمعزل عن اشراك الآخرين بمافيهم هيئة الأمم المتحدة الا من باب المجاملة الشكلية فانهم يعملون على اعادة تشكيل سوريا حسب مقاسهم وبما تتناسب مع مصالحهم فبدأوا بطرح مسودة الدستور الذي يشكل البنية التحية والفوقية لاي نظام سياسي مقبل .
كل الدلائل تشير الى استحالة تحقيق الخطط الروسية في سوريا مادامت ترسم بعقلية الاحتلال والتفرد وعدم احترام ارادة غالبية السوريين في ازالة الاستبداد واجراء التغيير الديموقراطي ومادام أصحاب القرار في موسكو ينطلقون من واقع الاحتلال العسكري وترجمته الى السيطرة السياسية فانهم لن يفلحوا خاصة وأن لدينا تجارب تاريخية غير مشجعة بل فاشلة في هذا المجال فعندما احتل الأمريكييون فيتنام بالقوة العسكرية الغاشمة وبكل أسلحتهم المتطورة لم يتمكنوا ولو قيد أنملة من تغيير النظام السياسي المبني على ارادة الشعب وثورتهم وكذلك فشل الأمريكان أيضا بالعراق بل انسحبوا لصالح احتلال آخر من جانب نظام ولاية الفقيه الايراني .
وهنا وبعد الاشارة الى التجربة الأمريكية الفاشلة في هذا المجال رقم تقدمها على الروس بأشواط من المفيد المقارنة بين طبيعة وشعارات كل من النظام الأمريكي في الاطار الداخلي على الأقل الذي يستند الى تراث قديم من الليبرالية وجوانب من المثل الديموقراطية خاصة بشأن الانتقال السلمي للسلطة والادارة منذ أكثر من قرنين والذي يتبنى وبشكل نسبي مبادىء وشعارات تدعو الى الحرية وحقوق الانسان وتناوىء الدكتاتورية بالرغم من التجربة المرة للسوريين مع ادارة أوباما وبين نظام بوتين الدكتاتوري المساند منذ ستة أعوام لنظام الاستبداد والباحث عن النفوذ والسيطرة حتى على حساب حرية الشعوب واستقلالها وسيادتها لذلك فان النظام الروسي بطبيعته ومراميه وأجندته ليس مؤهلا لتصدير الديموقراطية ولالوضع الدساتير المفيدة لدول أخرى خاصة وأنه يضطهد شعوبا وأقواما أخرى ويحتل أقاليم ومناطق بقوة السلاح .
لاضير من مناقشة الحاضر والمستقبل بالشأن السوري ولكن مسألة الدستور التي هي أساس كل القضايا والمنطلق لتحديد ملامح النظام السياسي المستقبلي فان البت النهائي فيها متروك الى قرار الشعب السوري عندما تحين الفرصة المناسبة بعد ازالة الاستبداد واجراء التغيير والارتهان الى ممثلي الشعب تحت قبة البرلمان في التوافق على دستور جديد يعبر عن الواقع التعددي الأقوامي والديني والمذهبي وعن المبدأ التشاركي العادل وعند ذلك يمكن الاستفادة من دساتير وتجارب البلدان المشابهة لبلادنا والمتطورة العريقة في الديموقراطية والعيش المشترك بين مكوناتها من دون اغفال التراث الدستوري في عهد ( الاتحاد السوفيتي السابق ) الغني نظريا بخصوص تحديد حقوق الشعوب والأقوام والأثنيات بدءا من الدولة المستقلة ومرورا بالفدرالية والحكم الذاتي القومي والثقافي والادارة المحلية واللامركزية والوحدات القومية بالرغم من أن السلطات السوفيتية لم تطبق تلك المبادىء الدستورية النظرية على أرض الواقع .



Advertise on Sotaliraq.com? Click here for more information!

Copyright © 1998-2017 Sotaliraq.com - All rights reserved / جميـــع حقـوق الطبع والنشر محفوظة لصوت العراق
Home | News & Reports | Articles | Privacy Policy | Contact Us

Google