لغة التصريحات الصحافية تثير الجدل - أ.د عبودي جواد حسن
لغة التصريحات الصحافية تثير الجدل


بقلم: أ.د عبودي جواد حسن - 23-02-2017
جامعة عجمان \الامارات
قيل ان احتفال تدشين رئاسة دونالد ترامب هو الاكبر في تاريخ امريكا ومع كل مرة يطلع علينا ترامب في اول ايام رئاسته يقول لنا شيئا ما غير صحيح بشكل واضح للعيان مما حدى بصحيفة نيويورك تايمز على استعمال كلمة زيف . فعندما ادعى ترامب ان ثلاثة ملاين شخص قد صوتوا بشكل غير قانوني بالانتخابات الشعبية كان رد صحيفة التايمز البريطانية اقوى من ذلك حيث كتبت : ترامب يكرر كذبته حول التصويت الشعبي في اجتماعه مع المشرعين . ولازالت هذه الكلمات وامثالها يسمعها الناس. فقد ذكرت المحطات الاخبارية التلفزيونية الامريكية مثل( السي ان ان) أن ترامب كذب عندما قال ان معدلات الجريمة كانت الاعلى منذ نصف قرن ( وكانت في الحقيقة الادنى في التاريخ تقريبا). واعتاد ترامب على قول الكثير من الأشياء كانت مزيفة بشكل واضح. أيا ترى كل هذه الاقوال كانت اكاذيب؟
هناك فرق بين الزيف والكذب. حيث يعرف معجم أكسفورد الانجليزي مفردة "كذب " على انها قول مزيف بقصد الاخداع . ويذكر ان تعريف الزيف هو ان يقوم المرء بنطق امر مخالف للحقيقة. وايضا القول المزيف بشكل عام هو نطق امر مخالف للحقيقة. لذلك تعتبر كلمة الزيف كلمة شاملة يقع ضمن اطارها كلمة الكذب و كذلك عبارة "قول امر مخالف للحقيقة". ويتطلب الكذب نية او قصد في الاخداع مما يعني معرفة ما يقوله المرء انه قول غير حقيقي
ما الذي يعرفه كل صحفي عما يدور في داخل عقل ترامب ؟. مما لاشك فيه ان الرئيس لم يكن قادر على مقاومة الحديث عن عظمته . فقد اتهمه البعض من انه يعاني من اضطراب الشخصية النرجسية. بطبيعة الحال تشخيص الصحة العقلية عن بعد يقع خارج اطار كاتب العمود اللغوي هذا. ولكن الاستخدام المفرط لكلمة كذب ا وكاذب يشير الى ان الصحفيين لم يميزوا بسهولة بين مفردتي " الكذب" و "الزيف "

بعض الافعال التي تشير الى الحقيقة لا يمكن استخدامها الا عندما تكون المعلومات بعدها حقيقية وواقعية.. لا يمكنك القول : " اعترف ان القمر كتلة رغوية " او القول " ان تلك السيدة علمت ان الامم المتحدة سممت المياه" فالأمم المتحدة لا تسمم اممها مالم يكن هدفك هدف الاضحاك او نتيجة غضب . الافعال المذكورة اعلاه ( يعترف ويعلم) واشباهها تفترض مسبقا ان ما يأتي بعدها حقائق
يعتبر الفعل "كذب" كلمة خاصة أي نوع خاص من الافعال التي تدل على خلاف الحقيقة ليس فقط يجب ان تكون المعلومات المعنية مزيفة ولكن مستخدم الفعل" كذب" يجب ان يعرف او لديه مبرر جيد للاعتقاد ان المتكلم يعرف ان ما يقوله هو مزيف. اذا السيد ترامب فعلا اصبح عنده حاجة نفسية لتصديق الامور المذهلة ربما ذلك جعله يعتقد جيدا انه كان يجب عليه هزم هيليري كلنتون في الانتخابات الشعبية وان السبب الوحيد لعدم حصول ذلك كان وجود الملايين من الاصوات غير القانونية
لكل كذبة يطلقها ترامب كان يمكن له ان يعرف الحقيقة . ومن المعروف انه اذا قال كذبة سيطالبه الناس راسا بتقديم الدليل وهو الشيء الذي يصعب عليه تقديمه. وعادة ترامب لا يغير كلامه ولا يتنازل او يتغاض عن مسائل اخرى . اذا كان يكذب كان يحضر نفسه الى احراج اكبر فاكبر .عوض ذلك يضيف الاكاذيب فوق الاكاذيب ويعد بأجراء تحقيق شامل حول الاحتيال في عملية التصويت . من المحتمل انه كان يصدق زلة لسانه . وينطبق الشيء نفسه على معدلات الجريمة : حيث قال ترامب شيء خطأ على نطاق واسع حول شيء يمكن تدقيقه بسهولة تاركا مستشاره كيلان كونواي محاولة اصلاح الخطأ قائلا ان ترامب كان معتمدا او مستندا على معطيات من جهة اخرى ولا اعلم من اعطاه تلك المعلومة
ومن المعروف ان استخدام الكذب بصرامة ليس امر سهل حيث من المستحيل معرفة ما يجري في عقل الاخر المقابل بشكل كامل ولكن في عالم السياسة هناك طريقة يمكن فيها الاستغناء عن الدلائل بواسطة : الا يميل والمذكرات والشهود . فقد انكر( مايكل فلن) مستشار الامن القومي لترامب انكر انه ناقش العقوبات مع السفير الروسي في واشنطن . ولكن جريدة الواشنطن بوست ذكرت ان جواسيس امريكا( شهود) كانوا يعرفون فما كان على( فلن) الا ان يستقيل

وبهذا يكون على الصحفيين انتهاج الشدة مع الاشخاص الاقوياء عندما يقولوا اشياء غير حقيقية . حيث انتشرت في الصحف هذه الايام كلمات من امثال الكذب والزيف كلما ظهرت تصريحات من هذا القبيل . وعلى الصحافين ان يطلبوا معرفة الاسباب وراء الزيف وخاصة في حالات مثل حالة (فلن ) ذات الدلائل الواضحة ويمكنهم القول انه كذب . اما في حالات مثل حالة السيد ترامب المتعلقة ب معدلات الجريمة يجب ان يطلب الصحافيين معرفة مصادره وربما استجوابه فيما ان كان يثق بمواقع اصحاب نظرية المؤامرة اكثر من ثقته بمصادر مكتب التحقيق الفيدرالي ( FBI ). مما سيساعد ترامب على الاقل في الادعاء ان (فلن) كان مخدوع بدل ان يكون كاذبا . واخيرا هناك احتمال ان الرئيس فقط ليس عنده احترام للحقيقة اطلاقا او لا يبالي ان كان صادقا او كاذبا وفي مثل هذه الحالة ما يعوز الصحافة مصطلح سهل لهذا النوع من الزيف الا ان العديد من الصحف لم يستعمل كلمات قوية من امثال كلمة هراء\زبل وهو واحدة من المفردات المقترحة .
واخيرا ان استخدام المفردات الدقيقة لن يجعل ذلك الوصف الا اكثر قوة عندما تضبط الصحافة السيد ترامب متلبسا بكذبه . بإمكان الصحافيين ان يكون صبورين ودقيقين في نفس الوقت حيث لاتزال فترة رئاسته في بدايتها



Advertise on Sotaliraq.com? Click here for more information!

Copyright © 1998-2017 Sotaliraq.com - All rights reserved / جميـــع حقـوق الطبع والنشر محفوظة لصوت العراق
Home | News & Reports | Articles | Privacy Policy | Contact Us

Google