إلى الوراء سر ! - ريم نوفل
إلى الوراء سر !


بقلم: ريم نوفل - 24-02-2017
علّنا جميعاً عندما نُسأل عن مفاخرنا أو إنجازاتنا بين الأمم، نسارع في الإجابة : أنّ حضارتنا موغلة في القدم،
وأن ما تقبع فيه أوربا من تطور، وتقدم إنما لنا الفضل به عليهم، بما قدمناه لهم من إشعاع حضاري و أَعلامٍ وضعوا أسُس العلوم و الفلسفة .

ولكن عندما نعاود السؤال بطريقةٍ مختلفة، فنقول مثلاً: هذا بالنسبة للماضي لكن ماذا صنعتم في حاضركم و لمستقبلكم؟ تأتي الإجابة بسرعة البرق "إن الملحدين الكفرة من علماء و باحثين توصلوا إلى X من النظريات والاكتشافات، لكن قرآننا كان السبّاق لها قبل 1438 عاماً !!"

وكأنّ القرآن نزل ليُبطل عمل العقل، ويجمّد الأدمغة، و يحولنا إلى حيوانات ناطقة فقط لا غير ..حاشاه !!

قال تعالى: "إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا ۖ" ، أي داعياً إلى لله، ونذيراً من الضلال والنار، لكننا وجدنا في القرآن الكريم شمّاعة، نُعلّق عليها فشلنا وأخطاءنا، فتحولنا من التفسير إلى التأويل، لنجد مبررات لكَسَلِنا بين الضمّة و !!

قطعاً أنا لا أريد الإستخفاف بحضارتنا وإرثنا، لكن هل من المنطقي أن نبقى أسرى لكنز غائر نبخل على أنفسنا من إستثماره حاضراً ومستقبلاً، بينما نرى الغرب سبقنا بعدة قرون ناهضاً بالقارة العجوز من لا شيء؟
فقط بالعقل والمعرفة وحسن إستغلال الموارد والطاقات، دون أي إرث حضاري أو علمي أو كتاب لاهوتي إدّعوا أنه يحوي أسرار علوم الذرة و الأسلحة النووية لكن ما من أحد فك شيفرته بعد !!.
وبالطبع لا يمكننا تجاهل سبب قد يكون الأول من بين أسباب هذه الظاهرة، وهو المناهج التعليمية السيئة في عالمنا العربي ذات الأثر البالغ في الإنحطاط الفكري، حيث أن هذه المناهج هي منطلق فكرة الإعتداد بالماضي دون الحاضر، وتعتمد على التلقين دون البحث والتجربة، ولا يمكن تطبيقها في الحياة الواقعية أبداً ..

وعليه.. الذنب لا يقع فقط على الفرد وإنما على تنشئة أفراد المجتمع بأسره نشأة تقوّض من قدراته، وتحد من أفكاره، وتحصرها في بديهيات المعيشة و التكاثر.

إضافة إلى سيادة عالم الدين على رواد العلوم التجريبية، فنرى المحاضرات الدينية تعج بالمؤمنين لسماع تخاريف عن روايات موضوعة فيها من الخيال ما لا يقبله عقل أو منطق، وكأن الدين نقيض العقل.

بينما المحاضرات العلمية - إن وجدت - فخجولة وروادها عشر معشار الأولى، ولعّل السبب أن فضولنا دائماً يتجه لسماع الأشياء الخيالية والمستحيلة دون الواضحة الجليّة، فنجد في عالم الدين مصداقية صبغة إلهية لها.

أما الكابوس الأخطر والاستثمار الأوحد لإرثنا الحضاري كان عبارة عن إحياء أسوأ مظاهر الجاهلية البغيضة و غذّاها ما سبق ذكره من علماء الجهل ودين الزيف، الذي نُسب كذباً إلى الإسلام، واعتمدوا التأويل الخيالي للقرآن الذي يُرضي نزعاتهم الجاهلية، ويشبع شراهتهم للدماء، فكانت الحصيلة تشكيل تنظيمات تكفيرية متعددة العناوين وحيدة الهدف، وما داعش والقاعدة وجبهة النصرة والإخوان المسلمون والجماعات السلفية إلا وجوه متعددة لنفس العملة، و جميعها تدّعي الإنتساب لرسول الله، ومحمد (ص) منهم براء

والدليل على زيف إدعاءهم مثال بسيط حدث في فتح مكة، حيث علا صوت سعد بن عبادة متشفّياً مطالباً بالسَبي، ومهدداً بإمعان القتل في الكفّار قائلاً:
"اليوم يوم الملحمة ..
اليوم تُستحلُّ الحُرمة"
فما كان من رسول الله ( ص) إلّا أن أدرك الموقف و طلب من علي (ع) ردع سعد، فقام منادياً:
"اليوم يوم المرحمة ..
اليوم تُحمى الحُرمة "

إذن إذا ما دُقَّ ناقوس الخطر على ضياع الماضي ، و الحاضر ، و المستقبل تحت جحافل تكفيريي العصر ، و صدارة بلاد من لم يكفروا بقيم الحضارة الإنسانية يوماً كما كفّرناهم بقيم الله ، علينا أن نقرأ على روح أمة إقرأ الفاتحة و السلام ..
و أخيراً أختمُ بما رآهُ نزار قباني لهذه الأمّة:

رأيتُ العروبة معروضة في مزاد الأثاث القديم ..
ولكنني ... ما رأيتُ العَرَبْ



Advertise on Sotaliraq.com? Click here for more information!

Copyright © 1998-2017 Sotaliraq.com - All rights reserved / جميـــع حقـوق الطبع والنشر محفوظة لصوت العراق
Home | News & Reports | Articles | Privacy Policy | Contact Us

Google