بقلم: د يوسف الاشيقر -
25-02-2017 يتكون العراق تاريخيا من 3 مكونات متنافسة ومتصارعة ومتشاتمة هي: السنة والشيعة والكرد. وفي السنين الاخيرة برز #المكون_الرابع اللاديني على حساب هؤلاء الثلاثة العتيدين وبدأ يقضم من جمهورهم ويتسامى فوق خرافاتهم وانقساماتهم وصراعاتهم, كمكون لاطائفي ولا عرقي بل جامع ومخلص للكل. والثلاثة الاصليون بدؤوا الان يستشعرون هذا الاستقطاب الرابع الجديد.
اسباب الاستبيان
لقد كتبت سابقا ولاكثر من مرة عن المكون العراقي السني واستهجنت لجوئهم للعنف والتطرف الذي يميزهم بعد 2003 وتشبثهم بالحركات المسلحة المجرمة الارهابية والبعث والصدامية, وبالمعارضة غير البناءة التي تريد ان تهدم كل شيء والمعاداة غيرر المبررة للامريكان المحررين في العراق, وتمسكهم الخرافي بنظريات المؤامرة والصفوية وبحلم عودة الصدامية والانقلابات للعراق. واعتبرت ذلك غباء لاينم عن تفكير حقيقي وسليم وبانهم سيكونون ضحيته على المدى المستقبلي وان عليهم مراجعة حساباتهم وعقولهم.
وقد تبين لي في الفترة الاخيرة ان سنة العراق بدؤوا فعليا بالتراجع عن تلك المواقف المسبقة الغبية والمجرمة؛ فالى قبل سنتين كانوا يرحبون بداعش ولا يعترضون على افعالها وتبنوا سياسة اللعب على الحبلين, ورجل هنا ورجل هناك, او باضعف الحالات الوقوف على التل بانتظار المنتصر بين الارهابيين وبين باقي العراقيين. لكنهم الان وبفضل مافعلته داعش بهم اولا انقلب موقفهم تماما. فصارو ملتحمين مع باقي المكونات العراقية في استنكار داعش وافعالها بكل الوسائل والوسائط بل ومحاربتها بالسلاح فعليا. وكان للانتصارات العسكرية والملحمية العراقية من تكريت للرمادي فالفلوجة وحتى شرق الموصل دورها ايضا في تنبيههم الى المشتركات والمكاسب المحتملة على حساب التفرق وعبثية الانشقاق والانغلاق والتطرف.
كما يلاحظ انهم بالفترة الاخيرة خففوا من لهجتهم الحادة السابقة عن كل المواضيع التي تبنوها وغيروا اسلوب تعاطيهم معها. وصاروا اقل اندفاعا في حديثهم عن الحشد وايران والعملية السياسية وغيرها من مواويلهم المكررة. من جهة ثانية قل تمسكهم بالسعودية وقطر وتركيا والمعارضة الاسلامية السورية بكل تصريحاتهم ومنشوراتهم وتعليقاتهم, وهذا مؤشر اخر ذكي ووطني ويستحق الاشادة. ولاول مرة صاروا يدعون الامريكان او رموزا عسكرية "احتلالية" منهم كما كانوا يسمونها, وجنرالات اليانكي لمؤتمراتهم سواء في باريس او جنيف مؤخرا وغيرها من الاجتماعات. وهذا يؤكد انهم ادركوا خطر وغباء ماتبنوه لمدة 14 اضاعوها واضاعوا على كل العراقيين فرصة استغلالها للسلام والبناء والتحضر. وانهم بدؤوا يطرقون المسالك الصحيحة ومن ابوابها, لا عبر القفز على حيطانها.
ولا استبعد ان تكون زيارة وزير الخارجية السعودية الجبير اليوم لبغداد هي لاستطلاع مواقف حليفهم السني السابق بعد ان استشعروا فقدان الود معه وغيابه عن شاشة راداراتهم مؤخرا. وان كانت الزيارة السعودية هي على الاغلب لاثبات وجود وحركة دبلوماسيتهم بالمنطقة لتعزيز موقفهم امام تسونامي البيت الابيض دونالد ترامب. ولكن المؤكد ان السعوديين تنبهوا لتغير الموقف السني العراقي بالفترة الاخيرة الذي فاجأهم وبدا يثير اهتمامهم, مثله مثل الانتصارات العسكرية الكاسحة وغير المتوقعة على داعش.
وقد دار حديث بيني وبين مجموعة من العراقيين باحد المنتديات الالكترونية مؤخرا ابديت فيه ترحيبي بالتوجهات العقلانية الوطنية الجديدة للمكون السني وتخليهم عن الغباء المزمن الذي اتصفت به خياراتهم منذ تحرير العراق عام 2003. فكان الاعتراض على استخدامي لكلمة الاغبى بين كل المكونات العراقية الاربعة. فكان لابد من اثبت صحة استخدامي للكلمة التي بلاشك تحمل اهانة مبطنة لمكون منافس وفاعل وموغل بدمائنا ولكنها تعكس قراءة اخرين لهذا المكون وليس وصفا شخصيا خاصا.
الاستبيان
وضعت اربعة خيارات متكافئة تماما امام متابعي حسابي العربي على تويتر البالغ عددهم 365 الف, وتبلغ نسبة العراقيين منهم 65% واكثر بينما الباقون هم 12% سعوديون الى جانب جنسيات مختلفة وفقا لتويتر نفسه. شاهد هذا الاستبيان اكثر من 5500 متابع على مدى 3 ايام (72 ساعة) وشارك به 297 شخص, مع ان بحدود 750 منهم قلبوا خياراته وتمعنوا بها وبالهاشتاكات المرتبطة بها. كانت 34% من الخيارات لصالح الكرد يليها 27% للادينيين و 21% للشيعة, مقابل 18% فقط للسنة.
كان الاختيار المطلوب هو المكون العراقي الاذكى وليس الاغبى. وكانت الاجابة الكاسحة بلا جدال ومنذ اول لحظة وحتى نهاية الاستبيان هي المكون الكردي. اما اقل الاجابات فكانت ايضا ومنذ الساعات الاولى وللاخير هي المكون السني.
ولا تحتاج هذه الاجابات لاي تحليل احصائي لاثبات علميتها ودقتها Significance , لانها نسب صحيحة بسيطة واضحة, مثلما لا احتاج لاي تحليل احصائي لاثبات ان 9 هو اكثر من 8.
الخيارات السنية المطلوبة
على المكون السني ان يواصل طريق العقلانية والتسامح والقبول بالامر الواقع والتعايش معه والذي ابتداه مؤخرا, املا باصلاح الواقع من داخله وضمن سياقاته وليس بنفس الطرق الاجرامية والقرانية البعثية السابقة التي اثبتت فشلها بل وغبائها. وحيث ان الشيعة والكرد لم ولن يكونوا منصفين وصادقين معهم فان المكون الاقرب لهم والمنفتح عليهم هو الرابع اللاديني الذي يشتركون معه بوطنيتهم ومدنيتهم وعراقيتهم العالية نسبيا. وبات من الضروري لهم ليس فقط التخلي عن داعش والتبرأ منها كما حصل مؤخرا وانما التفكير جديا وعمليا بنبذ كل مايمت للبعث والنظام السابق من رموز وشخوص وسلوكيات ليحظوا بمقبولية واحترام حقيقي من باقي المكونات. ان صداميتهم العالية غير المفهومة وغير المبررة عراقيا, والتي هي اقرب للتقديس الديني الخرافي والخالي من كل منفعة ملموسة هي محل استنكار ونفور الباقين منهم بل وجلبت لهم صفة الغباء من طبقات واسعة من العراقيين وغير العراقيين. فاي صدام يتحدثون عنه ويحلمون به والرجل قد مات هو واولاده شر موتة والى مزبلة التاريخ التي يستحقها عن جدارة جزاء بما ارتكبه من جرائم ومجازر بحق كل العراقيين والعالم؟ ومن كان يعتز بصداميته منهم فعليه الان نكرانها كما انكر داعش, والا فعليه مبايعة عزة ابراهيم ابو الثلج خليفة صدام والاستكانة لغباء هذا الاختيار.
ويحتاجون ايضا للتوحد حول مرجعياتهم وقياداتهم, وان لا ينقلبوا على كل من تصدر الساحة منهم ليتهموه بالخيانة والتزوير والفساد بداع او بلا داع. بل وحتى كل من انتخبوه واعطوه اصواتهم بارادتهم تخلوا عنه باليوم التالي مباشرة في ظاهرة لم يعهدها باقي المكونات بنفس السرعة والعجلة والغباء! اما الانفتاح على امريكا وترامب والابتعاد القوى الاقليمية المتعنجهة والمتخبطة فهو اهم طريق عليهم مواصلته والجد في بلوغه, املا بان نصل لموقف سني عاقل وذكي يقر ويعترف بالدور الايجابي لها عام 2003 كما فعلت المكونات الثلاثة الاخرى, ويعتذر عن مقاومته حينها ليتم طي تلك الصفحة الارهابية وما تبعها من اجرام ودماء وتضحيات دفعنا ثمنها جميعا, لنتكالب ونتكاتف على بناء عراق الغد الحر المتحضر المدني الانساني الليبرالي.
الذكاء الكردي
كما اتفق غالبية المستبينين على ان المكون السني هو الاقل ذكاء, اي الاغبى, فان الغالبية المميزة منهم اتفقت على ان الكرد هم الاذكى. وهذا مؤشر يحسب لهم ولقياداتهم السياسية والاجتماعية والفكرية. وقد ولت الايام التي كانت فيها نكات العراقيين تتمحور حول غباء الكردي, وهذا مما يعلق بذاكرتي عن فترة السبعينات والثمانينات الماضية, وصار الان السني هو مدعاة التندر والفكاهة والنكتة, يليه الشيعي. فيا لدورة الايام!
فتحية لاخواننا واخواتنا الاكراد على صبرهم وصمودهم ونيلهم لغالبية الاعجابات بذكائهم. وهذا بنفس الوقت جرس انذار للسنة والشيعة متذيلي القائمة. وحيث ان سنة العراق بدؤوا بتغيير مواقفهم مؤخرا والانقلاب التدريجي على غبائهم السابق, فان الشيعة قريبا سيكونون هم متصدروا الغباء بالعراق, باعتبارهم التالين وبدرجة مرعبة على سلم الغباء, اذا لم يحاولوا تطوير مواقفهم المسبقة واللحاق بذكاء الكرد المبهر او بالتصحيح السني. اما اللادينيون والملحدون وهم الدعاة الحقيقيون والاصليون للعقل والمنطق ونبذ الخرافة والخيالات فاتعجب واتالم لانهم لم يتصدروا اختبار واختيار الذكاء من وجهة نظر العامة, فهل هي لطموحاتهم العالية ام لبروجهم العاجية وانعزاليتهم, ام لاستشراء التخلف والركون للموروث بين كثيرين؟!!
