علم الاجتماع السياسي والتحول الحضاري - د. قاسم خضير عباس
علم الاجتماع السياسي والتحول الحضاري


بقلم: د. قاسم خضير عباس - 27-02-2017
كاتب وباحث قانوني متخصص
في القانوني الجنائي الدولي
[email protected]

هناك اسباب عديدة منها التغرب الفكري ولدت الأرضية الثقافية الداعية إلى تبني نظريات علماء الاجتماع الغربيين، أمثال (فيليب كت رايت) و(سيمون ليس) وغيرهما، بشأن التقدم، والتوجه نحو (ثقافة الغرب) لإحداث، (التحولات التقنية)، التي تُنشئ طبقة تمسك التحول الصناعي، وعلاقات العمل، والإنتاج، وترسي أخلاقاً وقيماً جديدة مشابهة لأخلاقيات وقيم الغرب!!
ومثل هذه النظريات ـ كما هو معروف ـ تحصر نفسها في الماديات، وتجعل الإنسان آلة جامدة في محيط مادي جشع، إضافة إلى إلغائها للعوامل المحلية والذاتية للمجتمعات، التي وصفها (سوروكين) في كتابه (علم التحرك الاجتماعي والثقافي) بأنها: ضرورية وهامة ومن الخطورة إلغاؤها وإلغاء الخصوصية الثقافية والحضارية للشعوب الأخرى.
وأتصور أن العوامل الذاتية التي تحدث عنها (سوروكين)، هي التي أدت إلى فشل (المناهج المستوردة) في بلادنا، وإلى فشل كل (المناهج) التي لا تمتّ لمجتمعاتها بصلة، الفكر الاشتراكي بمفهومه العام مثلاً واجه صعوبات كبيرة لأنه من وجه النظر الماركسية أغفل خصوصية المجتمعات ، لهذا لم يستطع الحزب الشيوعي الهندي ، إحراز أي تقدم في عمله السياسي؛ لأنه ركّز جهوده على إثبات (حتمية التطور الرأسمالي) في الهند، مع أنّ الهند ليست رأسمالية!! ونفس الشيء حدث في البلاد العربية.
وقد واجه لينين بعقل منفتح نفس الصعوبات عند تطبيقه للفكر الماركسي وتعامله مع القضايا الخارجية، وهذا ما جعله يدرك (الخصوصية المحلية)، لكنه للاسف أسماها بأنها: (خصوصية متخلفة)!! لكي يقلل من شأنها عند التنظير والتطبيق، وبعد وقوعه في مأزق فكري خطير، مثلما وقع فيه ماركس، وأنجلز،توصل إلى أسلوب أسماه: (التاكتيك والتطور اللارأسمالي للبلدان المتخلفة)، وذلك لتخفيف الخطأ المنهجي المطبق.
وقد واجه لينين معارضة شديدة من تروتسكي ، الذي انتقد فكرة (سياسة الكومنترن بشأن تشجيع إيجاد منظمات ثورية غير شيوعية وإقامة تحالف معها)، لإيمانه بـ(المبدأ الماركسي) بشأن (التحول الرأسمالي وحتميته في أي بلد من البلدان)!!
لهذا سارع لينين، وأعلن بأن جهوده تخدم (المبادئ الماركسية)، ولا تتعارض معها، فهي كما أسماها: (مرونة في العمل الثوري) للوصول إلى (نتائج ماركسية) بحتة!! فالعوامل المحلية عند لينين لا تعني الاعتراف الكامل بالخصوصية الذاتية للشعوب، بل استغلالها في تطبيق (الفكر الشيوعي)، وهذا ما أدى إلى وقوع لينين في أخطاء جديدة تضاف إلى الأخطاء الفكرية والنظرية عند (ماركس، وأنجلز)، لأنه أراد أن يجمع بين نقيضين. وحكم النقيضين، كما يقول الفلاسفة والمناطقه، بأنهما: (لا يجتمعان معاً ولا يرتفعان معاً على سبيل القضية المنفصلة الحقيقية، وهي من البديهيات الأولية التي عليها يتوقف صدق كل قضية مفروضة ضرورية كانت أو نظرية إذ لا يتعلق العلم بقضية إلا بعد العلم بامتناع نقيضها) .
على أية حال... نرجع إلى صلب الموضوع.. ونعلن عن أهمية (العوامل المحلية والذاتية)، التي من الخطورة إلغاؤها، لأنّ إلغاءها سيؤدي إلى الاستلاب الحضاري والسقوط الفكري.
كما أنّ (التحول التقني والتكنولوجي)، الذي تحدث عنه (تيار التغرب) عندنا طويلاً، ليس هو العامل الوحيد لنهضة المجتمع وتحديثه، بل تسبقه عوامل أخرى حيوية (ذاتية وموضوعية) تقوي البنى التحتية، وتزيد الروابط الاجتماعية والأخلاقية، وتعمق الفكر الأصيل المرتبط بحاضر المجتمع وتراثه ومستقبله. بمعنى أوضح إحياء جميع العوامل المحلية والذاتية، التي تقود إلى تبني (منهج حضاري) له فلسفته وفكره ونظرته للحياة والإنسان والكون، بحيث يتم التخطيط وفق تصوراته لخلق (تكنولوجية مناسبة) كخطوة أولى نحو (التحول الصناعي والتقني) العالي، الذي سينشأ بإبداع محلي ذاتي بعد الاستفادة من علوم الغرب وتقدمه، وإذابتها في (المنهج المطبق)، عندها سيحدث (التحول المجتمعي) الصحيح نحو الرقي والحضارة، متناغماً ومنسجماً مع حركة العوامل التحتية من فكر وثقافة وتراث، فتلك العوامل بلا شك هي قوة المجتمع، إذا ارتكزت إلى (منهج صحيح) يدفع الفرد بقوة للإبداع.
ولقد حاولت دول الخليج النفطية إدخال (تكنولوجيا) متطورة إلى بلدانها، وأحدثت طفرة شكلية في تحديث مدنها، لكنها مع ذلك ظلت عاجزة عن طرح مشاريع حضارية، تنتشل المجتمع من تخلفه وتأثّره الشديد بالغرب. لهذا فإنّ المسألة ليست في استيراد (تكنولوجيا متطورة) وترك المجتمع في تخلفه وجهله، المسألة تكمن في خلق الإنسان الحضاري المتعامل مع (تكنولوجيا العصر) بوعي وإدراك، وإذابتها في ثنايا وأعماق (المنهج العام) المطبق.



Advertise on Sotaliraq.com? Click here for more information!

Copyright © 1998-2017 Sotaliraq.com - All rights reserved / جميـــع حقـوق الطبع والنشر محفوظة لصوت العراق
Home | News & Reports | Articles | Privacy Policy | Contact Us

Google