ما حقيقة البيشمرگة؟ - احمد محمد عبدو
ما حقيقة البيشمرگة؟


بقلم: احمد محمد عبدو - 28-02-2017
أستاذ العلوم السياسية في جامعة دهوك
البيشمرگة أو (پێشمه‌رگه) بالكوردية هم المقاتلين الكورد الذين يواجهون الموت ومصطلح البشمرگة من المصطلحات المهمة عند الشعب الكوردي حيث تطلق هذه التسمية علي إنسان يعمل بنكران الذات مضحياً بحياته من اجل حرية وحقوق شعبه العادلة. من الناحية اللغوية تتكون كلمة البيشمركة من مقطعين، الأول ( بيش) وتعني أمام، والثاني (مرك) تعني الموت، أي بمعنى تحدي الموت، وهي من أقدم القوات المسلحة في العراق، حيث يعود تأسيسها إلى عشرينات القرن العشرين، أي أواخر عصر الدولة العثمانية، رغم أن بذور البشمرگة هي أقدم من ذلك حيث ترجع إلى قوات نشأت في تسعينات القرن التاسع عشر.
فمن الناحية القانونية والدستورية، قوات البيشمركة هي قوات نظامية و يعرف كقوات حرس اقليم كوردستان العراق، ووفقاً للدستور العراقي، البيشمرگة هو جزء رئيس من المنظومة الدفاعية العراقية فبموجب الفقرة الخامسة من المادة 121 من هذا الدستور فإن قوات البيشمرگة هي قوة عسكرية دفاعية دستورية وقانونية، أما في الفقرة الثالثة من المادة الثانية من قانون وزارة البيشمركة فإن من واجب قوات البيشمرگة حماية إقليم كردستان ودعم القوات العراقية للدفاع عن سيادة وأمن العراق. ومن جانب آخر، وبحسب مذكرة التفاهم المصادق عليها من قبل الحكومة الاتحادية وحكومة اقليم كردستان في 21 حزيران 2007 فانه يجب  تخصيص موازنة قوات حرس الإقليم كجزء من الموازنة السيادية ضمن منظومة الأمن والدفاع، وتخصيصاته تعد جزءا من الموازنة السيادية لتلك المنظومة. في عام 2003، شاركت تلك القوات في تحرير العراق من النظام البعثي و شاركت في عملية مطاردة المطلوبين للقوات الأمريكية، و نجحت في القبض على البعض منهم وسلمتهم للقوات التحالف انذاك.
تنامت قوات البيشمرگة مع اتساع الحركة القومية الكردية وإعلان الثورة في الستينيات القرن الماضي، وأصبحت جزءا من الهوية الكوردية، للدفاع عن الحقوق القومية وحق تقرير المصير. ودخلت البيشمرگة في حروب مع الأنظمة العراقية السابقة في مراحل متعددة. وبعد تشكيل حكومة إقليم كردستان في 1992، بعد الانتفاضة الواسعة التي شهدها العراق في كوردستان والجنوب بعد حرب الكويت، أصبحت قوات البيشمرگة جزءا من مؤسسات حكومة الإقليم متحولة إلى قوة نظامية. وبالرغم من القمع الذي واجهته البيشمركة أعقاب حملات الأنفال ضد الكورد من قبل النظام البعثي في تسعينيات القرن الماضي، واصلت قوات البيشمركة معركتها مع القوات العراقية بعد حرب الخليج الأولى وعمليات عاصفة الصحراء. واصلت القوات الأمريكية، بعد دخولها العراق واسقاط نظام صدام، تعاونها مع البيشمركة في مجالات تدريب المقاتلين وإجراء عمليات مشتركة في مختلف أرجاء المنطقة.
للبيشمركة دور مهم في  تنمية الحوار والتسامح والصداقة بين جميع الشعوب والجماعات العرقية و الدينية وتمنع التمييز وتنادي بالتعددية العرقية والدينية واللغوية وتنشد حماية هذه التعددية، ربما سائل يسأل لماذا؟ وكيف؟ الجواب هو لعدة أسباب منها إن قوات البيشمرگة تدار من قبل الفئات المتنوعة من شعب كوردستان من كورد عرب وتركمان وسريان وكلدو اشوريين واديان مختلفة (مسلمين، ايزديين ومسيحيين) كما استطاعت قوات البيشمركة من تحرير الكثير من المناطق التي تعود لأقليات عرقية وقومية في سهل نينوى وغيرها من المناطق من قبضة تنظيم داعش كما كان للبيشمركة دور ملحوظ في مساندة المقاتلين الكورد من وحدات حماية الشعب السوري، في خوض اولى المعارك ضد تنظيم داعش لتحرير مدينة كوباني في سوريا، و شاركت ايضا بالتعاون مع القوات العراقية و طيران التحالف الدولي لتحرير الجانب الأيسر في الموصل.
دولياً أعطى المجتمع الدولي اهتمام كبيراً للبيشمركة بعد الانتصارات التي حققتها على داعش، واستطاع ان يحصل على الدعم العسكري واللوجستي من العديد من دول العالم كما سجل موقفاً مشرفاً إزاء الإنسانية جمعاء حيث نتلمس ذلك من تصريحات العديد من قادة العالم بشأنه حيث صرح الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون "ان البيشمركة اسم معروف على مستوى العالم وهي تقف على الخطوط الأمامية في الدفاع عن العالم من خطر الإرهاب. كما أدلى مستشار الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب بشهادته للبيشمركة وقال" نكن تقديراً كبيرا للرئيس بارزاني وقوات البيشمركة". ويأتي هذا الدعم الدولي نتيجة ما يؤديه البيشمركة من واجب إنساني ليس في محاربة الإرهاب في العراق والمنطقة فحسب بل لحماية الاقليات والاديان والاثنيات الموجودة في كوردستان او المتآخمة لحدودها.
واخيرا يمكن القول ليس فقط العامل التاريخي يفسر حقيقة البيشمركة و دورها في حق تقرير المصير و انما البعد القانوني والسياسي، وفي هذا الخصوص يمكن القول بعد الدور المميز للبيشمركة في محاربة داعش و حماية الاقليات، مهدت الحكومة الكوردستانية لتدير شؤون الكورد في ظل وغياب السلطة المركزية المشلولة والتمزق العراقي في هذه الأيام تحديداً. وإن الاتجاه الدولي يظهر نحو إعطاء شعب الكوردي الحق في اختيار النظام السياسي الذي يهدف ويخدم تطلعات المجموعات المختلفة خاصة تلك التي كانت على وشك أن تبيد على يد داعش ووجدت لها مأوى آمن في اقليم كوردستان العراق. برغم محاولات كل من سورية وإيران وتركيا منذ عام 1992 لمنع تقسيم العراق واحتواء ما يسمى بالضغط الكوردي، الى أن الحراك الكوردي يتلقى الكثير من الدعم الأوروبي والأميركي تحديداً تاسيس الدولة الكوردية يقوم على اساس التعايش السلمي بين مختلف الاقليات والاثنيات والاديان و يثقون بقوات البيشمركة بحمايتهم من اي تهديد في المستقبل.
الكاتب احمد محمد عبدو/ أستاذ العلوم السياسية في جامعة دهوك



Advertise on Sotaliraq.com? Click here for more information!

Copyright © 1998-2017 Sotaliraq.com - All rights reserved / جميـــع حقـوق الطبع والنشر محفوظة لصوت العراق
Home | News & Reports | Articles | Privacy Policy | Contact Us

Google