كيف يؤثر العقل في الجسم وبالعكس ! * - د. رضا العطار
كيف يؤثر العقل في الجسم وبالعكس ! *


بقلم: د. رضا العطار - 01-03-2017


السيكولوجية هي علم السلوك البشري . اي كيف يسلك الأنسان في مجتمعه ؟
وكيف ينبعث الى النشاط، وماذا يجعله يفتر في عمله ؟ ولماذا يحب او يكره ؟
وكيف يكون انسانا سويا ؟ ولماذا يشذ احيانا ؟ وما هي بواعث الاجرام او الجنون ؟
ثم ماهو الذكاء والعبقرية او البلاهة والغفلة ؟ وكيف يتصرف الانسان التصرف الحسن او التصرف السئ، وكيف يتكون عقله وينضج ؟ وكيف تتكون نفسه وتنضج ؟
وأخيرا كيف تتكون شخصيته وتتطور ؟ .

ان شخصية الانسان هي ثمرة بيئته الاجتماعية التي نشأ وتعلم وتعود فيها عاداته، واكتسب قيمها المختلفة . فهذا الموروث البيولوجي قلما نستطيع تغييره. فالمخ الصغير لا نستطيع تغييره الى مخ كبير . والشخصية الانطوائية نعجز عن احالتها الى شخصية انبساطية. والبنية الجسمية بأعضائها الداخلية تؤثر في الدماغ وتؤدي الى ميزات او مساوئ نفسية. فمن المعروف ان كلامنا يحمل بسمات نسائية كما يدل على هذا الثديان في الصدر ووجود رحم في غاية الصغر في اسفل البطن . وليس في هذا ضرر . ولكن ماذا يحدث اذا زادت هذه العناصر على المألوف ؟

وكذلك الشأن في كل امرأة. اذ هي ايضا تحمل عناصر ذكورية، اذا زادت فيها، اختلفت شخصيتها. وعندما تنقطع العادة الشهرية حوالي سن 48 تبدو هذه العناصر وتزداد وضوحا بمرور السنين، حتى ان بعض النساء يحتجن في سن السبعين الى حلق شواربهن كالرجال .

وتأثير الجسم في العقل يعود الى هورمونات الغدد الصماء. واهم هذه الغدد التي تقرر للرجل رجولته هي الخصيتان. فانه الى جانب افرازهما مني التناسل، نجد افرازا آخر يدخل الدم مباشرة، وهو الذي يكوّن مظاهر رجولتنا مثل اللحية والشوارب وغلظة الصوت. ثم مع هذا حيوية الرجل وخفته واقدامه. ومثل هذا يقال بشأن المبيضين في المرأة في اكسائها صفات النساء، العضوية والمزاجية. واذكر كيف ان المراة عقب قطع الحيض تعود فتتخذ شيئا من هيئة الرجال ومزاجهم . وهناك غدد اخرى مثل الغدة الدرقية في العنق، وهما اثنتان الى يمين ويسار القصبة الهوائية. ونقص الافراز منهما يؤدي الى تعطيل النمو او وقفه والى خمول الذهن او الغفلة وهما يزودان الجسم بقوة المثابرة على الجهد .

ثم هناك الغدتان الأدريناليتان، فوق الكليتين، يزودان الجسم بالانبعاث الفجائي وقت الغضب او الخوف. ولذلك تصل هذه الغدة الى اكبرحجم في الأسد والقطط، لأنها كلها تحتاج الى حشد قوتها للوثوب. وكذلك تكبر في الحيوانات التي تحتاج الى الفرار السريع كالغزلان والفئران . انظر الى الفأر والفيل . كلاهما حيوان لبون . لكن حياة الفيل هادئة مستقرة، لكن الفأر يعيش في حرب خاطفة يثب ويفر . يتضح ذلك في دقات القلب في كل منهما . فهي في الدقيقة 27 نبضة عند الفيل و300 عند الفأر . ثم هناك الغدة النخامية. وهي في اسفل المخ. وتأثيرها كبير في تكوين الشخصية . انها تؤثر في سائر الغدد وتعين الخط العام للسلوك .

ومن هنا نستطيع ان نصف الناس حسب امزجتهم، فنقول : المزاج الادرينالي الذي يرمز الى الشخص الانفجاري الذي يميل الى النزوة والاندفاع، و المزاج الدرقي للشخص الصبور المتجلد المثابر . و المزاج النخامي للشخص الذكي المتزن .
ومن هنا يرى القارئ اننا لا نتصرف بالعقل فقط بل بكل الجسم . فإن حالة الدم ودرجة الحرارة وكمية الفيتامينات ونوع الهورمونات وسلامة الحواس والدماغ، كل هذا يؤثر في تفكيرنا وسلوكنا .

خلال الحروب يزداد تردد الناس على المراحيض . بفعل الخوف من القصف الجوي . حتى ان بعض الناس عندما يسمعون خبر حزين مفاجئ، يتبولون . واكثر من ذلك فقد يؤثر الخبر المزعج في الفرد، فيموت بالسكتة القلبية او بجلطة دماغية . واحيانا تؤدي الكارثة الى مرض السكر . كالأم تسمع عن حادث وقعت لأبنها . او رجل يشتغل في سوق البورصة سقطت اوراقه او نحو ذلك، وقد يعقبها صدنا عن الطعام، فإذا زاد التأثر حدث التهاب في الامعاء او قرحة في المعدة او التهاب الجلد والذي ندعوه (اوتيكاريا) .

وقد زادت وفيات السكتة القلبية هذه الايام بسبب تراكم الهموم المثقلة. لأن تكاليف الحياة المادية والمعنوية زادت الى حد لايطاق. اي ان العقل يؤثر في الجسم. وقد كان آبائنا يعيشون قانعين، وكانت طموحهم ( قرويا ) لا يكلفهم كثيرا من الجهد. لذا كانت همومهم معتدلة. اما نحن فنسرف في الطموح حتى نتعلق بالنجوم . فهمومنا تحطم اعصابنا واعبائنا كثيرة التكاليف . . . هذه الامراض مألوفة لدينا، غير ان هناك امراضا غير مألوفة ولا هي واضحة المعالم .
فمثلا الشاب الذي يعمل كاتبا في وظيفة وهو لا يكاد يجلس على كرسيه و يشرع في العمل حتى يحس بالأعياء، ليس له نشاط ويود لو يضع رأسه على منضدته وينام، لكن جسمه ليس متعبا . وانما كل ما فيه انه يكره عمله. فقد فرض عليه ويحب لو يستبدل به عملا آخر يحبه. ولذلك فإن إعياءه هو عقلي (نفسي) جاء نتيجة سخطه ونفوره .

وهذا سائق الباص يسير مغيظا لسبب مالي او عائلي فيعمد الى مصادمة المارة دون وعي منه وكأنه يسبّهم سبّا عمليا.
واعتبر العامل أمام الألة التي تدور بأشرافه فيهمل هذا الاشراف، لأن قلقا ثقيلا يربك عقله . وما يحدث بعد ذلك، هو تهشيم ذراعه او قدمه.
ان كل هذه الحالات نجد فيها نفسا مرهقة ضائقة بالدنيا، قلقة لا تستقر. واكاد اقول لهذا السبب ان صداع الراس يجب ان يسبقه صداع القلب . اي ان هناك عواطف سيئة كالغضب و الحسد والحقد و الشك تحدث في اجسامنا امراضا سيئة. ( في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ولهم عذاب اليم بما كانوا يكذبون ) . القرآن الكريم

قال الدكتور – بارني بروكس – الجراح الامريكي المعروف : هناك مرضى، تتم عملياتهم بنجاح تام . لكن بعد ايام من النقاهة يموتون . ولم يكشف تشريح جثتهم عن سبب، وعند مراجعة سجلاتهم، نجد انهم كانوا يعانون من مشاكل نفسية . ولما دخلوا المستشفى كانت رغبتهم ان يموتوا. هكذا انتقلت الفكرة من عقلهم الى اجسامهم .

وكثيرا من الاغنياء لا ينقصهم المسكن الصحي او الغذاء الجيد او الزوجة الصالحة لكن تنقصهم الفلسفة الصحيحة. انهم يقعون في اطماعهم ويتورطون في مباراة مالية ترهقهم وتجعلهم دوما عرضة للأرق والقلق، يجترون همومهم في الليل والنهار، حتى ينتهوا بأمراض جسمية حقيقية . كمرض الأمعاء بين الامساك والاسهال . وقرحة المعدة وارتفاع ضغط الدم . وقبل ان يعالج المريض جسمه بالعقاقير، يجب ان يعالج نفسه المضطربة بالفلسفة الحياتية الصحيحة .

ولدى الفلاحين في الريف المصري عقيدة راسخة تقول: أن الحزن المتراكم المستديم يعرضهم للأصابة بمرض الزرقة، يقصدون به ( الكلوكوما ). وهذا المرض ندعوه في العراق (الداء الزرقاء) او (الماء الأسود)، الذي يسبب العمى، اذا لم يعالج . وظني ان المصريين قد استورثوا هذا الاعتقاد من اجدادهم الفراعنة .
ان من يقرأ سورة نبي الله يوسف عليه السلام في القرآن الكريم، يستفهم دوافع العمى الذي اصيب به نبي الله يعقوب من جراء فعلة ابناءه باخيهم يوسف وغيابه الطويل عنه مما تسبب له الحزن الدائم والهم المقيت. والايات الشريفة التالية تأكد صحة ما نقول.

( قالوا يا ابانا انا ذهبنا نستبق وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذئب وما انت تؤمن لنا ولو كنا صادقين . . . وجاءُ وعلى قميصه بدم كذب قال بل سولت لكم انفسكم امرا فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون . . . وول عنهم وقال يا آسفي على يوسف وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم )

مقتبس من كتاب عقلي وعقلك، لمؤلفه سلامه موسى، وما جاء في الفقرة الاخيرة هو تعليق هامشي لكاتب السطور.











Advertise on Sotaliraq.com? Click here for more information!

Copyright © 1998-2017 Sotaliraq.com - All rights reserved / جميـــع حقـوق الطبع والنشر محفوظة لصوت العراق
Home | News & Reports | Articles | Privacy Policy | Contact Us

Google