46 تعليقات مسلم معتدل وحواراتي معه 3/5 - ضياء الشكرجي
46 تعليقات مسلم معتدل وحواراتي معه 3/5


بقلم: ضياء الشكرجي - 02-03-2017
[email protected]

www.nasmaa.org
هذه هي الحلقة السادسة والأربعون من مختارات من مقالات كتبي في نقد الدين، حيث نكون مع مقالات الكتاب الثاني «لاهوت التنزيه العقيدة الثالثة»، وستكون خمس حلقات تتناول حوارات مع أحد المعلقين المدافعين عن الإسلام، وهو من مصر، وكان - مما يحسب له - مؤدبا جدا. أردت نشر تعليقاته والحوارات بيننا، كنموذج لطريقة تفكير واستدلال غالبا ما نجدها لدى الدينيين، مع العلم إن الرجل يمثل نموذجا للمنفتحين والمعتدلين، وفي ضوء ذلك نستطيع تصور كيف سيكون أسلوب المنغلقين والمتطرفين. سأشير إليه بالحرفين الأولين من اسمه (ش.ش).

جوابي:

عزيزي السيد ش .. اقرأ رجاءً بدقة، قبل أن تناقش أمرا لم أقله. أنت أوردت عبارة عني، وهي «اِهدِنا إِلى سِراطاً مُستَقيماً»، وأنا رددت من ناحية اللغة أني أدرك أن «إلى» حرف جر، لا يمكن أن ينصب المجرور به وصفته اللاحقة له بالإعراب، ثم تقول إنك لم تتقول عليّ، بل أوردته من كلامي، وتستشهد بعبارة «اِهدِنا سِراطاً مُستَقيماً»، ولم تلتفت أن هذه جاءت بدون «إلى»، حيث قلت فيما مضمونه أني لا أعتمد الإنكار بدل التعريف لتعدد السراطات المستقيمة، كما كتب الفيلسوف عبد الكريم سروش في كتابه «الصراطات المستقيمة»، بل أذهب إلى أكثر من ذلك، بحيث لا أستخد كلمة «سراط» كمفعول به فأقول «اِهدِنا سِراطاً مُّستَقيماً» بل أفصل بين فعل الهداية ومفعوله «سراط» بحرف جر، فتكون «اِهدِنا إِلى سِراطٍ مُّستَقيمٍ»، وليس «إِلى سِراطاً مُستَقيماً»، التي لا يقولها أي شخص له قدر أقل مني بكثير من المعرفة بقواعد اللغة. فأرجوك هذا الأسلوب سيستنزفنا، لذا مع كل الاحترام ركز على القضايا الجوهرية، وركز في قراءة كلامي قبل أن تستعجل الفهم، وتستعجل الرد، فيجعلك في حرج أنت في غنى عنه. لا تؤاخذني.

جوابي:

عزيزي السيد ش .. أنا أحترم انفتاحك، لكنك لا تستطيع الانفتاح كليا، لأنك ما زلت أسير المسلمات، ولا أقصد بذلك التقليل من قيمة شخصك المحترم، فأنت تعتقد أن أدلتك مفحمة، وأنها أفحمتني فعلا في قرارة نفسي، لكني متبع للهوى والأوهام في حال لم أخضع لما أفحمتني به، وسأبقى مصرا على الخطأ حتى لو تبين لي الحق. هذه لغة الدينيين دائما، باستثناء القلة النادرة جدا جدا. أنت لم تطرح ما هو متين ومفحم وقوي إلى الآن، حتى يجبرني ذلك على التراجع والعودة إلى أحضان (الحق؟) كما تراه، ومشكلتك أنك ترى عقيدتك هي الحق، وغيرها باطل. أنصحك نصيحة صادقة، تحرّر من هذا الأسلوب، صدقني حتى عقلاء الدينيين سيتأسفون على حوارك معي بهذه الطريقة، لأنهم لا يرونها صحيحة، ويشخّصون ضعفها. أنت تحذرني من النار تارة، ومن اتباع الشيطان أخرى، ومن كوني أتبع الهوى والأوهام ثالثة. هذه ليست أرضية للحوار صدقني، ومع احترامي لك، تمنيت أن يدخل أحد كبار العلماء وكبار المفكرين الإسلاميين معي في الحوار، لأعرف كيف أحاوره. اعذرني، لن أضلّ بعدما اهتديت. سمه عنادا، لكني أقول، لو أفحمتني أدلة الدين لعدت إليه، ولو أفحمتني أدلة الإلحاد بالله لألحدت به، لكني لحد الآن أرى الصواب - وكل صواب عندي نسبي - في الإيمان يقينا بالله، وبتنزيهه مطلقا من الأديان، التي شوهت صورته الجميلة، وأربكت حياة الإنسان، حتى لو كان ذلك من غير أن يكون هدف المؤسسين، اعتقادا من البعض منهم أن إيحاءاتهم النفسية الذاتية ما هي إلا وحي الله. لماذا إذن لا تكون عقيدتي أيضا وحيا من الله؟ لا أدعيها ولن أدعيها، لكنه سؤال منطقي.

جوابي:

كلمة أخرى للعزيز السيد ش .. أنت تُشْكل عليّ كوني أناقش كلام الله. والصحيح إني أناقش كلام القرآن، فأرجو التمييز. نعم أنت تعتبره كلام الله، ولكن لا يجوز فرض مسلماتك على الآخر الذي لا تكون مسلماتك عنده مسلما بها، بل يملك الدليل على صحة مبناه.

(ش.ش):

وأنا أحترم أي إنسان مهما كان فكره، ولو تصفحت موضوعاتي وتعليقاتي لرأيت حضرتك أن أكثرهم حوارا معي هو سامي لبيب الملحد الإيجابي، الخطير، وأحادثه بكل احترام، لكن أريد ألا تنغلق على فكرك، أستاذ ضياء، أعطِ لنفسك فرصة للتراجع، إذا أثبت حوارنا بالفعل أنك مخطئ في شيء ما، وصحح عقيدتك، وأعلن أنك كنت مخطئا، ولا تعطِ فرصة للهوى والأوهام أن تجعلك تتكبر وتخجل من التراجع. فالرجوع للحق فضيلة وقوة، أرجو قراءة تعليقي الأخير على تعليقات الحوار، وقل لي ما رأيك على الحوار المتمدن لو سمحت، ولك جزيل الشكر.

(ش.ش):

النبوة اختيار واجتباء من الله أستاذ ضياء، وليست شطارة من أحد، الأنبياء ليسوا مجرد بشر يشعرون بأنهم يوحى إليهم، كمرض أو عارض نفسي، الأنبياء أصحاب قضايا ورسالات ومهام ومواقف، وليسوا كهانا أو شعراء يتلقون إلهامات من الملائكة أو الشياطين، النبوة تكليف، وأحداث حياتهم تثبت أنهم متميزون ومختارون، والكون كله كان معهم بالتفاعل والخوارق بأمر الله رب العالمين.

(ش.ش):

سيد ضياء .... توجد نقاط عديدة، وافتراضات وتصورات مختلفة جدا بيننا. أستاذ ضياء، باختصار شديد ودون أن أثقل عليك، العقيدة عندي هي نقطة انطلاق لمنهج الحياة للإنسان، ليست هي كل شيء، وليست ترفا فلسفيا، وليست حتى أسلوب تعبد، ولا كلمات منمقة، وتعبيرات وجدانية، حتى لو كان المقصود بها مناجاة الله والتعبد له بها، هذا منهج اللاهوتيين والرهبان، وهذا غير موجود في الإسلام، الإسلام دين عمل، وصفات وسلوكيات حتى في تعبدك لله، ولا نخوض في ذات الله، لأننا كما تعلم عاجزون عن إدراك ذاته، وتعلم أننا نقول إن العجز عن الإدراك إدراك، والتفكير في ذات الله إشراك، نحن نوحده، ونؤمن بطلاقة صفاته وقدرته ومشيئته، ثم ننشغل بمهامنا في الحياة وفق هذه العقيدة، نبنيها، ونستمتع بها، ونعمرها بالحب والخير والسلام. سعدت بمعرفتك جدا، وكنت أتمنى أن توجد نقاط مشتركة نبني من خلالها حوارا جادا، نصل به إلى الحق، وليس إلى الحقيقة، ولكن يبدو أننا التقينا متأخرين؛ أنت راسخ وثابت على عقيدتك الخاصة، وأنا ولله الحمد على يقين كامل بعقيدة الإسلام التي أشترك فيها مع إخوتي من المسلمين، كيفما علمنا من رسولنا ونبينا وقرآننا، والله يحكم بيننا يوم القيامة فيما كنا فيه مختلفين. وتقبل خالص تحياتي، وأعتذر إذا كنت أثقلت عليك، أو سببت لك ألما أو ضيقا. والسلام عليكم.

جوابي:

عزيزي الأخ في الإنسانية السيد (ش.ش) .. شكرا لكلماتك الوداعية، لكن إذا أحببت أن تقرأ ردي، فدعني أرد على كلماتك الأخيرة، التي تعبر فيها عن يأسك من هدايتي، ومن وجود مشتركات بيننا. أؤيد قولك «توجد نقاط عديدة وافتراضات وتصورات مختلفة جدا بيننا»، لكني أختلف معك في النتيجة التي انتهيت إليها، بأنه لا «توجد نقاط مشتركة» بيننا. تقول «العقيدة عندي هي نقطة انطلاق لمنهج الحياة للإنسان»، ثم قلت إنها «ليست ترفا فلسفيا وليست حتى أسلوب تعبد ولا كلمات منمقة وتعبيرات وجدانية»، وكأني بك تريد أن تقول إن «العقيدة عندي هي ليست نقطة انطلاق لمنهج الحياة للإنسان، إنما هي مجرد ترف فلسفي وكلمات منمقة وتعبيرات وجدانية». هل كنت عادلا في حكمك، وقد أمرك القرآن الذي تؤمن به أن «وَلا يَجرِمَنَّكُم شَنَآنُ قَومٍ عَلى أَلّا َتعدِلوا، اعدِلوا هُوَ أَقرَبُ لِلتَّقوى»، وأمرك أن «لا تَبخَسُوا النّاسَ أَشياءَهُم». إنك من خلال كلامك عندما تقول معترضا على منهجي «هذا غير موجود في الإسلام»، أنك تفترض أن تكون في الحوار قاعدة مشتركة، ولكنك تفرض قاعدتك أنت كقاعدة مشتركة، تريد أن يكون الإسلام وثوابت الإسلام هو القاعدة المشتركة وهو منطلق الحوار، ولو سألت أي منصف، يقول لك هذا ليس بحوار، بل فرض أحد الطرفين لثوابته على الطرف الآخر، وإلا فلا حوار. ثم تقول «الإسلام دين عمل»، وهل العقائد الأخرى لا شأن لها بالحياة والعمل والتطبيق، بل هي مجرد ترف فكري؟ هناك مفكر إسلامي معروف أعدمه صدام هو محمد باقر الصدر، يتكلم عن نوعين من الناس، هناك الإنسان الملتزم، والإنسان غير الملتزم، ويطبق هذا على كل العقائد، فيقول مثلا هناك ماركسي ملتزم، بمعنى أن سلوكه في الحياة منسجم مع عقيدته الماركسية، إذن عقيدته هي عقيدة عمل منسجم مع العقيدة، وهكذا هو الأمر بالنسبة لعقيدة التنزيه. ثم قولك «نحن لا نخوض في ذات الله، لأننا كما تعلم عاجزون عن إدراك ذاته، وتعلم أننا نقول إن العجز عن الإدراك إدراك»، لكن أكثر الذين تكلفوا في الخوض في ذات الله هم علماء الكلام المسلمون، ولذا قلت في التنزيهية «مُتَعالٍ عَن وَصفِ المُتَكَلِّفينَ»، فبالعكس، عقيدة التنزيه هي التي تتوقف عند المعرفة الإجمالية فيما تراه من الضرورات العقلية، ولا تخوض في التفاصيل التي لا يدركها العقل. فقولك «إن العجز عن الإدراك إدراك»، هو نفس مضمون ما قلته في شرح قولي في التنزيهية «هذا مقدار علمي ومبلغ فهمي، وأشهد على نفسي أني من القاصرين»، كما قلت «ويُقِرّ لاهوت التنزيه بقصور العقل البشري عن بلوغ منتهى الحقيقة وغايتها النهائية»، وفي شرح «لا يَبلُغُ غايةَ حَمدِهِ أَحَدٌ مِّنَ العالَمينَ»، قلت «كل علم لا يُبلَغ مداه التامّ يُعَدّ علما ناقصا نسبيا، إلا النقص بإدراك الكمال للمطلق، فهو عين العلم وكماله، فوعي الإنسان بعجزه عن بلوغه حمد الله حق حمده، وعن إدراكه غاية كماله، هو من النقص المحمود، لأنه نقص في محله، إذ أنه نقص ما يكون من طبيعته أن يكون ناقصا، فالنسبي المحدود بكل تأكيد لا يدرك مدى المطلق اللامحدود». أما قولك «التفكير في ذات الله إشراك»، فدعنا يا عزيزي من قضية الشرك والإشراك، ففي قناعتي الراسخة أن الدينيين يمارسون الشرك من حيث يعتقدون أنهم يوحدون الله، لأنهم ينصبون الدين إلها يعبد من دون الله، فيطاع الدين في معصية الله. وقولك: «نحن نوحده، ونؤمن بطلاقة صفاته وقدرته ومشيئته، ثم ننشغل بمهامنا في الحياة وفق هذه العقيدة، نبنيها ونستمتع بها ونعمرها بالحب والخير والسلام.» أقول كأنك تتكلم عن عقيدة التنزيه، بالضبط هذه عقيدتنا، وليست عقيدة الدينيين، ف«نحن نوحده [وننزهه]، ونؤمن بمطلقية صفاته وقدرته ومشيئته [وجلاله وجماله وحكمته وعدله ورحمته]، ثم ننشغل بمهامنا في الحياة، وفق هذه العقيدة، نبنيها، ونستمتع بها، ونعمرها بالحب والخير والسلام». هذا الذي تصفه هو نحن. وتقبل أيضا خالص تحياتي ومودتي واحترامي، وأعتذر إنك لم تهدني الصراط المستقيم، كما لم يهد الدكتور السرداب السيد عيسى الربوبي، وأحمد الله الذي هداني لهذا، وما كنت لأهتدي لولا أن هداني الله، إذ جعلني أكتشف عقلي وضميري فأكتشف معرفتي به، والسلام عليك أخي في الإنسانية السيد ش.



Advertise on Sotaliraq.com? Click here for more information!

Copyright © 1998-2017 Sotaliraq.com - All rights reserved / جميـــع حقـوق الطبع والنشر محفوظة لصوت العراق
Home | News & Reports | Articles | Privacy Policy | Contact Us

Google