هل صار التيار الصدري أداة للفوضى؟ - د. عبدالخالق حسين
هل صار التيار الصدري أداة للفوضى؟


بقلم: د. عبدالخالق حسين - 03-03-2017
في الحقيقة إن التيار الصدري هو أداة للفوضى من أول يوم سمعنا به، ولكن مع مرور الوقت بات يتأكد ذلك لنا وللآخرين أكثر فأكثر، بمن فيهم الناس الطيبين من التيار نسفه كما سنرى لاحقاً. فمنذ إسقاط النظام البعثي الصدامي في العراق عام 2003، والتيار الصدري، قيادة وقواعد، يحاولون بكل ما أوتوا من جهد وقوة إثارة الفوضى، وعرقلة استتباب الأمن، وإعاقة بناء الدولة العراقية على أسس عصرية ديمقراطية حديثة. ورغم أنه يتظاهر بالعداء للبعث، إلا إن تصرفات زعيم التيار السيد مقتدى لا تختلف عن تصرفات فلول العبث، إذ كلاهما رفعا السلاح بوجه العراق الجديد تحت يافطة (المقاومة الشريفة) ضد "الاحتلال الأمريكي"، بينما في الحقيقة كانوا يقدمون خدمة لا تقدر لأعداء العملية السياسية، حتى صار هذا التيار بندقية للإيجار، يتلقى الترحيب من السعودية، والدول الخليجية الأخرى التي تدعم الإرهاب في العراق، ولا يختلف عن تيار الاعتصامات في ساحات الفلوجة والرمادي والموصل تمهيداً للاحتلال الداعشي لمناطقهم.

وكما بينا مراراً، فقد بات معروفاً لكل ذي بصر وبصيرة، أن معظم المنتمين إلى التيار الصدري هم من البعثيين الشيعة الذين وجدوا فيه ملاذهم الآمن لحماية أنفسهم من المسائلة القانونية على جرائمهم، ولمواصلة اضطهادهم للناس وتخريبهم للبلاد، في البدء باسم مقاومة "الاحتلال الأمريكي الغاشم"، ولما خرج الاحتلال، رفعوا يافطة المطالبة بالإصلاح ومحاربة الفساد. و الفساد كما هو معروف، تعبير هلامي يختلف تفسيره حسب موقف الفرد من أي نظام، يمكن استخدامه إلى الأبد ولأي غرض. فزعيم التيار لا يفهم موضوع الأولويات، وأي منها أخطر على البلاد، هل الفساد أم داعش الذي يسعى لنشر التوحش وتدمير العراق وإحالته إلى خرائب وأنقاض كما وعد صدام حسين؟

وأخيراً، أضاف الصدريون إلى قائمة مطالباتهم التي لا تنتهي، موضوع تغيير مفوضية الانتخابات، وهذا يعني أنهم يريدون مفوضية جديدة وفق مواصفاتهم ومقاساتهم، ليسيطروا عليها ومن خلالها يزيفوا الانتخابات ونتائجها، وبالتالي إحكام قبضتهم على البرلمان والحكومة، وكل مؤسسات الدولة بما فيها السلطة القضائية والجيش، وعندها نقرأ على العراق السلام.

والملاحظ، أن تظاهرات التيار الصدري كانت دائماً تتزامن مع الاعتصامات في السابق، والآن مع انتصارات القوات الباسلة في إلحاق الهزيمة بداعش، من أجل إرباك الحكومة، وفي كل مرة يدَّعون أنهم يمارسون حقهم في حرية التظاهرات الاحتجاجية السلمية ضد الفساد. وهل حقاً غرضهم محاربة الفساد؟ وهل تظاهراتهم سلمية؟ وهل الهجوم على البرلمان والعبث بأثاثه، والاعتداء على البرلمانيين تظاهرة سلمية؟ وهل إطلاق صواريخ الكاتيوشا على المنطقة الخضراء تظاهرة سلمية؟
هل الاعتداء بالحجارة وغيرها على موكب أي وزير يقوم بزيارة جامعة يعتبر تظاهرة سلمية؟
فقد حصل الاعتداء على المسؤولين في جامعة الديوانية، وفي جامعة السماوة ضد الدكتور حسين الشهرستاني وزير التعليم العالي سابقاً، وأخيراً ضد رئيس الوزراء الدكتور حيدر العبادي في جامعة واسط يوم الثلاثاء 28/2/2017. فما الفساد الذي قام به حيدر العبادي ليستحق هذا الاعتداء عليه بتظاهرة "سلمية" من قبل شلة من الطلبة من أتباع الصدر؟

والغريب أنه ما أن يقع أي عدوان على مسؤول في الدولة، وتضطر القوات الأمنية القيام بواجبها لحماية المسؤولين، حتى وتخرج علينا منظمات ببيانات نارية تدين بها القوى الأمنية على قيامها بواجبها. وهذه البيانات جاهزة للدفاع عن العدوان ووصفه بالتظاهرات السلمية، وأن القوات الأمنية انتهكت الحرم الجامعي المقدس!! عجيب أمرهم، عن أي حرم جامعي يتحدثون، ومن الذي انتهك هذا الحرم الجامعي؟

فإذا كان هذا هو فهمهم للديمقراطية وحرية التعبير، فهم على خطأ كبير، فالديمقراطية وحرية التظاهرات الاحتجاجية لا تعني الفوضى والاعتداء على المسؤولين في الدولة برشقهم بالحجارة، خاصة في ديمقراطية ناشئة يتربص بها أشرس الأعداء في الداخل والخارج، وما (داعش) إلا الهراوة التي يستخدمها هؤلاء لوأد الديمقراطية، وهم معروفون، مثل فلول البعث وأشباههم الذين همهم الوحيد هو نشر الفوضى العارمة وقتل الناس بالتفجيرات والمفخخات والانتحاريين، ليقولوا للشعب هذه هي الديمقراطية الأمريكية!!

السيد مقتدى الصدر وكل من يصفق له من فلول البعث، والمتياسرين الذين دمروا سمعة اليسار العراقي وأوصلوه إلى الحضيض، يتحملون مسؤولية جميع هذه التصرفات الصبيانية العدوانية. فالسيد الصدر بعد كل مرة يدعو فيها أنصاره للتظاهر، ويحصل فيها الاعتداء على المسؤولين ومؤسسات الدولة، يصدر بعض التصريحات يتضمنها إدانات خجولة ضد "المندسين". وآخر هذه البيانات هو اعتذاره للعبادي قائلاً: "نيابة عن الفاعلين سواء كانوا من اتباع التيار أو مندسين... التعدي على رئيس الوزراء فيه انتقاص من هيبة الدولة"(1). ولم يفوِّت زعيم التيار الفرصة دون الإساءة إلى خصمه اللدود (المالكي)، إذ لمح في بيانه الى "دور محتمل لأنصار المالكي" في تظاهرة جامعة واسط، معربا عن استنكاره للاحتجاجات ومطالبا بطرد الفاعلين ومحاسبتهم.
فلو كانت هذه الحادثة هي الأولى من نوعها لصدقنا السيد مقتدى، ولكن هذه المهزلة باتت تتكرر مع كل تظاهرة يدعو إليها "السيد القائد".

ما أشبه اليوم بالبارحة. ففي عهد ثورة 14 تموز 1958 التف البعثيون والقيوميون وغيرهم من أعداء الثورة حول المرجع الديني الشيعي، السيد محسن الحكيم، والذي أصدر فتواه المشهورة ضد الشيوعية، وكانت الثورة هي المستهدفة. فتم نشر صوره وفتواه في جميع الأماكن العامة في المدن الغربية السنية، ولما حققوا غرضهم منه في إنقلابهم الدموي الأسود يوم 8 شباط 1963، نبذوه و قتلوا من أسرته أكثر من 60 شخصاً حسب ما أخبرنا به الدكتور صاحب الحكيم.

نفس الدور يلعبه اليوم مقتدى الصدر، فباسم الإصلاح والفساد ينشر الفوضى، ولكن المستهدف الحقيقي هو النظام الديمقراطي، والدولة العراقية وإعادة البعث. ولكن لحسن الحظ، مقتدى ليس مرجعاً حقيقياً بوزن السيد محسن الحكيم، وإنما هو مجرد "رجل الدين الشاب"، فالمرجع الديني الحقيقي هو السيد علي السيستاني الذي يحظى باحترام الجميع، والذي عرف بحكمته وصبره وكيف يحمي العراق وهو يمر بأخطر منعطف تاريخي عاصف.

إنهم يريدون من هذا العراق المحاصر في الداخل والخارج ومن كل حدب وصوب، يريدون منه أن يحارب في عشرات الجبهات، يحارب دول الجوار، وامريكا، وداعش والفساد في آن واحد، وهم يرددون الشعارات المشبوهة مثل (إيران برة برة، بغداد صارت حرة)، و(كلا كلا أمريكا)...الخ. فهل السيد مقتدى يدرك المخاطر التي تهدد العراق الآن حتى يدعو أتباعه لإشعال الفوضى العارمة؟ وإذا كان بريئاً من تصرفات هذا التيار المشبوه، فلماذا لا يتبرأ منه ويحله، وإن شاء فليعيد تشكيله من جديد على أسس صحيحة بدون "مندسين". ولكن الحقيقة وكما كتب إليه أحد أنصاره، وهو السيد نور الدين البهادلي الذي نشر بياناً بعنوان: (عذراً يا سادتي نحن طيبون ولسنا بلهاء!!!)(2)، والذي عكس فيه موقف بعض الصدريين من تصرفات مقتدى، أن التيار لا يمكن أن يتصرف إلا بأوامره مما أثار شكوك بعض أتباعه حول مصداقيته.

المطلوب من السيد رئيس الوزراء، حيدر العبادي، وكل مسؤول عراقي شريف حريص على مصلحة الشعب والوطن، أن يتسلحوا بأعصاب من حديد، وقوة الإرادة، وأن لا تؤثر فيهم هذه التصرفات العدوانية الصبيانية، وأن لا يسكتوا عنها، (فمن أمن العقاب أساء الأدب)، وفي العراق (من أمن العقاب مارس الإرهاب). فكلما تساهلت الحكومة عن المعتدين، يتشجع هؤلاء، ويفسرون السكوت والتسامح دليل انتصارهم، وعلامة ضعف الحكومة، لذلك سيتمادون في غيهم إلى درجة عدم السيطرة على الطغيان، وسيُغرقون العراق في فوضى عارمة لا تبقي ولا تذر، تمهيداً لمجيء البعث بنسخته الوهابية الداعشية، وبدعم من السعودية وغيرها، لإعادة حكمه بذريعة إعادة الأمن وسحق الإرهاب، بينما الحقيقة البعث هو الإرهاب الداعشي.
[email protected]
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ـــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- بالوثيقة ..الصدر يقدم اعتذاره للعبادي على احداث واسط
http://www.akhbaar.org/home/2017/2/224935.html

2- نور الدين البهادلي: عذراً يا سادتي نحن طيبون ولسنا بلهاء!!!
(مقال يعكس موقف بعض الصدريين من تصرفات مقتدى)
http://www.akhbaar.org/home/2017/2/224531.html



Advertise on Sotaliraq.com? Click here for more information!

Copyright © 1998-2017 Sotaliraq.com - All rights reserved / جميـــع حقـوق الطبع والنشر محفوظة لصوت العراق
Home | News & Reports | Articles | Privacy Policy | Contact Us

Google