الحكمة الإلهية في الذرية الفاطمية المحمدية. - يوسف رشيد حسين الزهيري
الحكمة الإلهية في الذرية الفاطمية المحمدية.


بقلم: يوسف رشيد حسين الزهيري - 05-03-2017
مقدمة:
خلق الله عز وجل السموات والأرض وما بينهما من كائنات حية وميز الإنسان عن جميع المخلوقات بالعقل والقدرة على الإدراك والتّفكير، الاّ ان العقل البشري يبقى عاجزاً عن معرفة خالقه وعبادته على أكمل وجه وأحسن صورة، لذلك أرسل الله المُرسَلين والأنبياء لهداية الناس وإرشادهم الى الطريق الصحيح لعبادة الله وإعمار أرضه على أحسن وجه وصورة، فالمُرسَلين ينذرون النّاس ويحذرونهم من كل ما يضرهم في دينهم ودنياهم ويبشرونهم بالخير إذا سلكوا طريق الخير والصراط المستقيم وقد أقام الله الحجج على يد المرسلين لتكون برهاناً على وجوده من جنس ما يَبرع فيه قوم المرسلين
التفضيل الإلهي للانسان
الإنسان محور الخطاب القرآني، فهو المخاطب الرئيس في القرآن، والقرآن لأجله نزل، ولا عجب في ذلك، فهو أكرم مخلوق على الله، وقد فضله سبحانه على كثير ممن خلق، يقول عز من قائل: {ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا}
المقصود من هذه الآية ذكر نعمة جليلة من نعم الله تعالى على الإنسان، وهي النعم التي بها فضل الله الإنسان على غيره. وقد ذكر تعالى في هذه الآية تكريم بني آدم، فالإنسان أكرم المخلوقات الموجودة في هذا العالم. ومن تمام كرامته على الله سبحانه، أنه تعالى لما خلقه في أول الأمر وصف نفسه بأنه {الأكرم}، فقال سبحانه: {اقرأ وربك الأكرم} ووصف نفسه بـ (التكريم) عند تربيته للإنسان، فقال عز من قائل: {ولقد كرمنا بني آدم}، ووصف نفسه بـ {الكريم} في آخر أحوال الإنسان، فقال: {يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم} وهذا يدل على أنه لا نهاية لكرم الله تعالى ولفضله وإحسانه مع الإنسان. قال ابن كثير: "يخبر تعالى عن تشريفه لبني آدم، وتكريمه إياهم، في خلقه لهم على أحسن الهيئات وأكملها،
وخلق ادم من طين وقال للملائكة اسجدوا لأدم بدلالات الهية على تكريم الإنسان ومكانته التي تسموا فوق الخلائق وخلقه الذي يدل على عظمة الله وقد ذكره الله تعالى في كتابه بقوله تعالى ( لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ )
الانبياء والرسل وورثتهم من الاولياء والعلماء
ومن بين الخلق اصطفى الله سبحانه وتعالى صفوة خلقه من البشر بدرجة الانبياء والرسل لتبليغ رسالة الرب السمحاء ونشر قيم العدل والسماء كما جاء في قوله تعالى :لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ۖ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ ۚ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ) والى قوله تعالى
( ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير) وكان التوريث الإلهي للكتب والرسالات المنزلة تاتي من منبع السلالات الطاهرة من ذرية الرسل والأنبياء المبلغين والحاملين رسالات الله عن طريق مهبط الوحي او عن طريق خطاب الرب المباشر معهم وتكليفهم بمبادئ الرسالة السماوية وما انبأ الله بها لرسله، فالرسول من أُوحِي إليه بشرع جديد، والنبي هو المبعوث لتأكيد شرع الله من قبله، وأكثر الأنبياء المبعوثين إلى بني إسرائيل من هذا القبيل. فالرسول أخص من النبي أي أن كل رسول نبي ،وليس كل نبي رسولا وعليه، تكون الرسالة اعم من النبوة من الجهة نفسها، فالرسالة تتناول النبوة وغيرها، وأخص من النبوة من جهة أهلها
وان النبوة والرسالة والنبي والرسول من الكلمات التي إذا اجتمعتا معاً كان معنى كل واحد مختلفا عن الآخر، وإذا افترقتا اجتمعتا في المعنى، فيكون المراد منهما واحداً، ومثال ذلك قول الله عز وجل: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَىٰ ۚ إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولًا نَّبِيًّا )،[٦] وكذلك قول الله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّىٰ أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ )، والشاهد من الآيات الكريمة أنَّ لفظة (نبي)جاءت مَعطوفة على لفظة (رسول)؛ مما يَدل على انه يوجد اختلاف بينهما وقد جاءت في هذا السياق العديد من الايات الكريمة منها ما تفرد منهما النبي والرسول ومنها ما اجتمعتا سويا وفق مراد الآية ومعناها ومدلولاتها بل وفضل بعضهم على بعض ايضا بمدلول الاية الكريمة : ﴿ تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ) كما حدث مع سيدنا ا موسى عليه السلام "كليم الله" ورسولنا الكريم محمد صلى الله عليه واله وسلم بدلالة قوله تعالى (وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَىٰ مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَىٰ وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَىٰ ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَىٰ وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَىٰ ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّىٰ فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَىٰ فَأَوْحَىٰ إِلَىٰ عَبْدِهِ مَا أَوْحَىٰ) فكانت منزلة عظيمة وكبيرة تشرف بها اشرف الخلق على سائر مخلوقاته
فكان الرسل المبعوثين حلقة امتداد الى الذين توارثوا العلم والمعرفة والحقائق الإلهية من فيض وعلم ورسالة آباؤهم واجدادهم فكانوا بدرجة الانبياء ويليهم الاولياء والعلماء بدلالة قوله تعالى (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ) وهذا بيان واضح على تفضيل المؤمنين من اهل العلم على سائر الخلق وجاءت اية اخرى بدليل اكبر واعمق وبمكانة ارفع بقوله تعالى :
( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُون) وقد اجمع المفسرون والعلماء من الفريقين، إلى أنّها نزلت في حقّ الإمام عليّ(عليه السلام)، حينما تصدّق بخاتمه في أثناء الصلاة ووردت اية اخرى تؤكد على احقية التبليغ الالهي باتمام الرسالة وديمومتها من خلال باب مدينة العلم فجاء قول الله تعالى مخاطبا نبيه (يا أيها الرسول بلِّغ ما أنزل اليك من ربك وان لم تفعل فما بلَّغت رسالته والله يعصمك من الناس)
ثم قال (صلى الله عليه وآله): "إن جبرئيل هبط إلي مراراً ثلاثاً يأمرني عن السلام ربي وهو السلام أن أقوم في هذا المشهد، فأعلم كل أبيض وأسود أن علي بن أبي طالب أخي ووصيي وخليفتي على أمتي والإمام من بعدي الذي محله مني محل هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي، وهو وليكم بعد الله و رسوله "وقد أنزل الله تبارك وتعالى عليَّ بذلك آية من كتابه: (انما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلوة ويؤتون الزكوة وهم راكعون) وعلي بن أبي طالب الذي أقام الصلاة وآتى الزكاة وهو راكع .حين تصدق بخاتمه وهو ساجد لوجه الله تعالى ثم قال النبي : "لايرضى الله منى الا أن أبلِّغ ما أنزل الله الىَّ فى حق علي وامامة اثني عشر إماماً من ذريته الصالحة من عليا وفاطمة عترتهم الطاهرة إلى آخر الدنيا" لكي يقطع بذلك طمع الطامعين بالسلطة الدنيوية الزائلة بعده نهائياً.
ودلالة الآية الكريمة على ولاية الإمام علي(عليه السلام) واضحة، بعد أن قرنها الله تعالى بولايته وولاية الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ومعلوم أنّ ولايتهم عامة والرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فكذلك ولاية الإمام علي عليه السلام بحكم المقارنة.
الذرية الصالحة وديمومة النسل
وان كان النبي الكريم ليس من صلبه و ذريته ذكرا معناه انقطاع الذرية النبوية حكمة وفاة ابناءه تقديرا الهيا كما أنّه معلوم أنّ الأبناء هم زينة الحياة الدنيا وفقدانهم أمر في غاية الصعوبة، فالله تعالى أمات أبناء الرسول الذكور من أجل اختبار صبره على البلاء وليكون مثالاً للناس أنّه صلى الله عليه وسلم وهو أحب الخلق إلى الله سبحانه وتعالى إلّا أنّه يبتليه أكثر من غيره من البشر، حتى لا يرتد المؤمن عندما يصيبه البلاء كلّما زاد إيمانه لأنّه يرى في الرسول الكريم مثالاً أمامه. وليعوضه بخيرا لاحقا على صبره وايمانه
فقد اكرمه الله سبحانه وتعالى بما جاء في ذكرها في كتابه الكريم (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ)
وقد استفاضت الروايات من المفسرين أن السورة إنما نزلت فيمن عابه (صلى الله عليه وآله وسلم) بالبتر بعد ما مات ابناه القاسم و عبد الله، و بذلك يندفع ما قيل: إن مراد الشانىء بقوله: «أبتر» المنقطع عن قومه أو المنقطع عن الخير فرد الله عليه بأنه هو المنقطع من كل خير.و لما في قوله: «إنا أعطيناك» من الامتنان عليه (صلى الله عليه وآله وسلم) جيء بلفظ المتكلم مع الغير الدال على العظمة، و لما فيه من تطييب نفسه الشريفة أكدت الجملة بإن و عبر بلفظ الإعطاء الظاهر في التمليك.
و الجملة لا تخلو من دلالة على ان سيدتنا فاطمة الزهراء (عليها السلام) هي ذريته ووريثته هي وبعلها وابناءها (صلى الله عليهم وآله وسلم) وقد نالوا اكبر شرف قداسة وكرامة في
آية التطهير بقوله تعالى : (إنّما يُريدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أهْلَ البَيْتِ ويُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)وإن الآية الكريمة صريحة في تكريم أهل البيت، وتمييزهم وخصهم بكرامة عالية ومنقبة جلية سامية، ألا وهي إذهاب الرجس عنهم وتطهيرهم تطهيراً وياخذوا دورهم في تهذيب المجتمع الاسلامي ورفد ه بالعلم والمعرفة ومقومات الديمومة .وقد دلت الأخبار الصحيحة المتظافرة عن النبي (صلى الله عليه وآله) على اختصاص أهل البيت بأصحاب الكساء وهم: رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعلي وفاطمة والحسن والحسين ومن هذا البحث يتبين لنا وفق الادلة القرانية الواضحة والادلة العقلية والبراهين المنطقية على حتمية الحكمة الالهية في ابقاء الذرية النبوية قائمة الى يوم القيامة حتى ظهور الامام الحجة المنتظر عليه السلام والذي هو اخر الأئمة الاطهار من ذرية زوجة سيد البلغاء وسيد الاوصياء امير المؤمنين الامام علي عليه السلام وابنة وام ابيها خاتم الرسل والانبياء فاطمة الزهراء عليها السلامأما ألقابها عليها السلام فهي: أنسية - حوراء - عذراء - نورية - حانية - كريمة - رحيمة - شهيدة - عفيفة - قانعة - رشيدة - شريفة - حبيبة - محترمة - صابرة - سليمة - مكرمة - صفية - عالمة - عليمة - معصومة - مغصوبة - مظلومة - ميمونة - منصورة - محتشمة - جميلة - جليلة - معظمة - حاملة البلوى - الشاكية - حليفة العبادة - التقية - حبيبة الله - بنت الصفوة - ركن الهدى - آية النبوة - شفيعة العصاة - أم الخيرة - تفاحة الجنة - المطهرة - سيدة النساء - بنت المصطفى - صفوة ربها - موطن الهدى - قرة عين المصطفى - حكيمة - فهيمة - عقيلة - محزونة - مكروبة - عليلة - عابدة - زاهدة - قوامة - باكية - صابرة - صوامة - عطوفة - رؤوفة - حنانة - البارة - الشفيقة - أم السبطين - دوحة النبي - نور سماوي - زوجة الوصي - بدر التمام - درة بيضاء - بحر الشرف - ولية الله - سر الله - أمينة الوحي - عين الله - مكسورة الضلع - رضيض الصدر - مغصوبة الحق - حفي القبر. ومن أسماؤها: الزهراء - البتول - الصديقة - الطاهرة - المحدثة - المباركة - الرضية - المرضية - أم أبيها، أم الحسنين، أم الأئمة.
فاطمة البتول .ذلك الاسم الذي ارتبطت به العظمة والقداسة منذ أن ارتبط هذا الإسم بشخصية هذه السيدة الطاهرة بنت رسول الله ورحمة للعالمين محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم. وقدسيتها عليها السلام ذاتية ، نابعة من أعماق كيانها النوراني الذي فطرها الله عليها، وعجنها بها حتى تأهلت لذلك أن تنال وسام سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين من أبينا آدم عليه السلام إلى قيام يوم الدين. فهي سلام الله عليها بهرت العقول والألباب، وخسأت الأنظار والأبصار عندما أرادت أن تتطلع على عظمتها، وترنو إلى جلالها، لتعرف من هي فاطمة الزهراء عليها السلام، فإنه لا أحد يعلم من هي إلا ربها وأبوها وبعلها وبنوها الأئمة الأطهار عليهم السلام.
سيرة ومكانة
نشأت فاطمة الزهراء عليها السلام في بيت النبوة ومهبط الرسالة، فكان أبوها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
يعلّمها العلوم الإلهيـّة ويفيض عليها من معارفه الربانية
وشاءت حكمة الله تعالى أن تعاني هذه الإبنة الطاهرة ما كان يعانيه أبوها من أذى المشركين فيما كان يدعوهم إلى عبادة الإله الواحد. في الخامسة من عمرها فقدت أمها السيدة خديجة, فكانت تلوذ بأبيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي بات سلوتها الوحيدة، فوجدت عنده كل ما تحتاجه من العطف والحنان والحب والاحترام. ووجد هو فيها قرة عينه وسلوة احزانه فكانت في حنانها عليه واهتمامها به كالأم الحنون حتّى قال عنها: "فاطمة أمُ أبيها" حتى قيل الامام علي عليه السلام يصف حياتهما معاً:
"فوالله ما أغضبتُها ولا أكرهتُها على أمرٍ حتّى قبضها الله عزّ وجلّ، ولا أغْضَبَتْني ولا عَصَتْ لي أمراً. لقد كنت أنْظُر إليها فتنكشِف عنّي الهموم والأحزان"
بالرغم من حياتها القصيرة فقد كانت حافلة بالخير والبركات ، وكانت قدوة وأسوة للنساء ، فكانت الفتاة المثال والزوجة المثال ، والمرأة المثال ، ولهذا أصبحت سيدة نساء العالمين .
كانت مريم بنت عمران سيدة النساء في عصرها ، والتي خصها الله سبحانه وتعالى بشرف حمل النبي عيسى عليه السلام والتي كانت الحادثة بحد ذاتها اعجاز للناس وقد وردت في كتاب الله تعالى والتي شرفها ايضا بتلك الذرية النبوية الطاهرة بارادة الهية بقوله تعالى :(وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَابًا .فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا .قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَن مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا
قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلامًا زَكِيًّا) وهنا مكانة وموقع التشريف الالهي لسيدة نساء عصرها حيث وهبها نبيا من دمها من دون تدخل مخلوق حيث ما اصطفاها وكرمها ربها بتلك المنزلة الرفيعة والذرية النبوية المباركة .
الايمان والتقوى والتكريم الالهي
ان الايمان العميق في نفوس ال البيت العامرة قلوبهم بالتقوى والزهد والورع قد زادهم الله ايمانا وعلما من خلال كل الموروثات الاسلامية والعقائدية والنبوية والمكتسبات الاخلاقية والاجتماعية والمعرفية . في ارفع مستويات الانضباط الاخلاقي والشرعي واحتلوا مكانة عظيمة عند الله سبحانه وتعالى
اما سيدتنا فاطمة الزهراء عليها السلام فقد كرمها الله تعالى بديمومة تلك الذرية الصالحة وعدم انقطاعها حتى قيام الساعة .وقد توجها الإسلام سيدة للنساء على مر العصور .كانت قدوة في كل شيء . . يوم كانت فتاة تسهر على راحة أبيها وتشاركه آلامه ، ويوم كانت زوجة ترعى زوجها وتوفّر له سكناً يطمئن إليه ويلوذ به عندما تعصف به الأيام ، ويوم كانت أما تربي صغارها على حبّ الخير والفضيلة والخلق الكريم ، فكان الحسن والحسين وزينب (عليهم السلام ) أمثلة سامية في دنيا الأخلاق والإنسانية.
كانا يتقاسمان العمل، فلها ما هو داخل عتبة البيت وله ما هو خارجها. الحياة الزوجيةُ اندماج لحياتين لتصبح حياةً مشتركة . . . حياة واحدة .حياة الأسرة تنهض على التعاون والمحبّة والاحترام .
كانت حياة علي وفاطمة (عليهما السلام ) مثالاً للحياة الزوجية الكريمة .كان علي يساعد فاطمة في أعمال المنزل وكانت فاطمة تسعى إلى إرضائه وإدخال الفرحة في قلبه , كان حديثهما في منتهى الأدب والاحترام .وكانا مثالا رائعا للخلق الكريم والتربية الاسلامية الناضجة في تربية ورعاية اسباط نبي الرحمة وتنمية كل الافكار الاسلامية والاخلاقية ومن الجدير بالذكر انهما كانا تحت الرعاية الإلهية والنبوية بكل تفاعلاتها الإنسانية والعاطفية التي تجلت في رعاية نبوية مباشرة من الرسول الكريم الى احفاده من ذريته الطاهرة وحاملين مبادئ رسالته من بعده.
ذرية ال البيت امتداد نسبي ونبوي
ان الامتداد والصلة والدم والرابطة وصلة القرابة والعلاقة الحميمة بين النبي وال بيته علاقة روحية تجسدت بها كل القيم الفاضلة والصلة التراحمية العاطفية والوجدانية وهي امتداد لترسيخ كل قيم ومبادئ الشريعة الإسلامية التي تجلت في صفات ال البيت واسباطه الاطهار على نهجه وطريقه . وقد تباينت الاحاديث النبوية الشريفة في طريقة تعامل واخبار الناس على حقبقة تلك العلاقة الاجتماعية وتاطيرها بالمنهج الاسلامي العام الاخباري والتبليغي للناس وخصوصا فيما يتعلق بسبطيه الحسن والحسين وهو القائل في حقهما "حسين مني وأنا من حسين أحب الله من أحب حسينا" المتأمل بهذه الكلمة الشريفة يدرك جيدا ان الرسول
(صلى الله عليه وآله) قد رسم من خلالها كل أبعاد شخصية الإمام الحسين (عليه السلام ).
وإذا نظرنا لهذه الكلمة نرى بأنها اشتملت على معنيين الأول: حسين مني. الثاني: وأنا من حسين.
لترسيخ مفهومين من شخصية الحسين (عليه السلام ) النسبي حسين مني أي من نسلي وذريتي . وامتداد لشخصيتي النبوية )
قال تعالى: (وَأَنزَلَ اللّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا)
وقال: (ُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ" وقال تعالى في نفس السياق: (وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ)
وهنا بيان لما اجمعت عليه علماء الامة ان الكتاب هو القرآن، والحكمة هي السنة باتفاق المفسرين وما أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم عن الله سبحانه فهو في وجوب تصديقه والإيمان به، كما أخبر به الرب تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ، هذا أصل متفق عليه بين أهل الإسلام، لا ينكره إلا من ليس منهم بما جاء بقوله تعالى (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) وفي هذا الصدد توافرت كل القرائن والادلة والبراهين الشرعية والمنطقية على لزوم كتاب الله وسنتة نبيه واوامره وتعاليمه وما ذكر بحق ال البيت الاطهار نبع النبوة الخالدة والمتمثلة في صفوة الخلق في رموز الاسلام وبيت النبوة الامام علي بن ابي طالب عليه السلام وسيدتنا فاطمة الزهراء عليها السلام في اجمل وابهى الصور الاخلاقية والانسانية في التعامل والانضباط والاداب والعلم والمعرفة وميراث النبوة
فإذا نادى علي فاطمة قال : يا بنت رسول الله ، وإذا خاطبتْه قالت : يا أمير المؤمنين . بهذه العلاقة التراحمية بكل مودة واحترام
و في العام الثالث من الهجرة أنجبت فاطمة ( عليها السلام ) أول أولادها فسمّاه سيدنا محمد ( صلى الله عليه وآله ) " الحسن " ، وبمولده غمرت الفرحة قلب رسول الله ، وهو يؤذن في أذنه اليمنى ويقيم في أذنه اليسرى ويغمره بآيات القرآن . وبعد عام ولد الحسين ( عليه السلام ) , أراد الله أن تكون ذرية رسوله محمد ( صلى الله عليه وآله ) من فاطمة ( عليها السلام ) .واحتضن الرسولُ سبطيه يحوطهما برعايته ، وكان يقول عنهما : " هما ريحانتاي من الدنيا " وورد حديث اخر صلى الله عليه وآله وسلم ( ك حسين منّي وأنا من حسين أحب الله من أحب حسيناً ، حسين سبط من الأسباط )
كان يعشقهما عشقا جما وكان يحملهما معه إذا خرج أو يجلسهما في أحضانه الدافئة .وتروي الكثير من الرويات عن تعلق الرسول الكريم باحفاده الصغار الحسن والحسين وقيل "دخل رسول الله ذات يوم منزل فاطمة وكان الحسن يبكي جوعاً وفاطمة نائمة ، فأخذ إناءً وملأه حليباً وسقاه بنفسه ',ومرّ ذات يوم آخر أمام بيت فاطمة فسمع بكاء الحسين ، فقال متأثراً : " ألا تدرون أن بكاءه يؤذيني " كما جاء بصدد هذا السياق احاديث كثيرة من اقوال النبي بحق فاطمة والحسن والحسين وعن منزلتهم في الدنيا والاخرة ومكانتهم المفضلة في الاسلام . ومنها قول النبي
(صلى الله عليه وآله) : "لا يكون المؤمن مؤمناً حقّاً حتّى أكون أحبّ إليه من نفسه ، وعترتي أحبّ إليه من عترته ، وذرّيتي أحبّ إليه من ذرّيته "
تجليات الحكمة الالهية لميراث النبوة لال البيت
.قد تجلت حكمة الله تعالى في ميراث النبوة لال البيت ليس بمعنى الخروج عن القاعدة الإلهية في ثوابت النبوة وما جاء بدلالة القران الكريم بان محمد هو خاتم الرسل والانبياء ولا خلاف في ذلك . بل كان توريثا الهيا بما اسلفنا وبحثنا في اعلاه من خلال وسائل النبوة وامتداد شروط وثوابت الرسالة الاخرى في قيادة الامة من خلال الاولياء والعلماء والذي خصهم الله تعالى من ذرية محمد عليه واله السلام و كما بينا أعلاه وفق ما جاء من بينات واحاديث . وأن تكون ذرية الرسول في ابنته الوحيدة فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) . . ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم .وعن طريق ما اختاره الله سبحانه وتعالى وما اصطفاهم من عباده الأخيار من ذرية خير الخلق واشرفهم واطهرهم. سيد المرسلين وخاتم النبيين المبعوث بالحق رحمة للعالمين وملقي حجته على الناس في كل زمان ومكان من خلال رسالة الائمة الاطهار المكلفون شرعيا بتوجيه وارشاد الامة الاسلامية وتقويمها واصلاحها من خلال رسالة تكاملية توافرت فيها صفات الديمومة والاستمرارية واتسمت بقيم ودروس الثورة الاصلاحية . في اختبار وامتحان الحياة الغرور وليميز بين الخلق منهم الخبيث من الطيب ومن تمسك بشرع الله وأوامر نبيه ولزوم وصاياه ونهجه في امتحان. منهم من خرج عن وصايا النبي ومنهم من اتبعها وحافظ على وعوده وعهوده لله ونبيه واتباع نهج ال البيت الاطهار في التمسك بتلك العقيدة السامية والرسالة السماوية العظيمة .
بقلم الكاتب: يوسف رشيد حسين الزهيري



Advertise on Sotaliraq.com? Click here for more information!

Copyright © 1998-2017 Sotaliraq.com - All rights reserved / جميـــع حقـوق الطبع والنشر محفوظة لصوت العراق
Home | News & Reports | Articles | Privacy Policy | Contact Us

Google