فيلم "خطاب الملك" نموذجا: فن الالقاء وكيفية التغلب على معوقاته - أ.د عبودي جواد حسن
فيلم "خطاب الملك" نموذجا: فن الالقاء وكيفية التغلب على معوقاته


بقلم: أ.د عبودي جواد حسن - 29-03-2017
?جامعة عجمان\الامارات.
الكثير منا شاهد الفيلم العالمي المعروف " خطاب الملك"( The King Speech)) والذي فيه كان يتعذر على الملك جورج السادس في النصف الاول من القرن العشرين مخاطبة شعبه بسبب الاعاقة الجسدية وهي التلعثم والتأتأة . وصادف بعد اعتلائه العرش انتصار بريطانيا والحلفاء في الحرب العالمية الثانية على المانيا بقيادة هتلر وكان عليه مخاطبة الشعب وتهنئته . قبل ذلك احست زوجته اليزيبيث بالمشكلة وكلف مدرب استرالي في تدريبه ونجح في ذلك بعدما نشأت علاقة ودية بينهما. هنا الاعاقة جسدية ولكن احيانا تكون الاعاقة نفسية وهي التخوف من مواجهة الجمهور والتحدث اليه. وتظهر هذه الحالة الاخيرة منذ نعومة الاظفار وسببها الخجل وعدم محاولة علاجه ولكنها قابلة للعلاج كسابقتها بالإرادة والتصميم كما سنرى في مجمل ما نقوله
هذا ما حدث لصبي في احدى المدارس في استراليا في 1961حيث طلب منه ان يقوم بدور احد الملائكة في مسرحية محلية ويقوم امام الجمهور بقول سطر واحد ولكنه ارتبك وتلعثم وارتجف ولم يتقن دوره. بعد اكمل دراسته في كلية الصيدلة واصبح صيدليا يتحدث الى الزبائن من وراء حاجب زجاجي . ولكن في سنة 2000طلب منه تدريب مجموعة من 400 شخص من الصيادلة ومنها كانت الانطلاقة ليس فقط في التغلب على مشكلة الالقاء ولكن في ان يصبح خبيرا في هذا الميدان. انه خبير الالقاء غلن سفج.
البعض منا ينتابهم الخجل ويسلب شجاعتهم مما يجعلهم غير قادرين على ايصال الرسالة بوضوح الى الجمهور. ففي دراسة اجريت في 2004 تبين ان اكبر ما يخافه المستجوبون هو الظهور والتحدث الى الجمهور وكانت نسبة المتخوفين من المستجوبين هي 25.3%
على كل حال ذلك التخوف قد يؤثر سلبا على الاشخاص المعنين ويعيق فرص عملهم . ففي دراسة اجريت على 600 من ارباب العمل في 2004 ايضا وتبين من خلاها ان من بين المهارات التي يبحث عنها مسؤولي التوظيف في الشركات يأتي الاتصال الشفوي بالدرجة الاولى وتحتل مهارات العرض الدرجة الرابعة اما "مهارات الادارة التقليدية او" تسيير النشطات الادارية" احتلت اخر المراتب . الا ان دراسة اجريت او لاين في نفس السنة على 2031 عامل امريكي تبين ان 12% يفضلون ان يقوم زميل بالتقديم بدلا عنهم وهم يتنحون عن هذه المهمة حتى ولو كان هذا الفعل يفقدهم احترام الاخرين. اما اولئك الذين يقومون بالتقديم 70% منهم تقريبا يتفقون على ان القيام بالتقديم امر مهم لنجاحهم في العمل.
وتقول الوثائق ان الاشخاص الذين يتخوفون من الالقاء امام جموع من الناس ان تخوفهم ذلك يلعب دور مهم في عملهم . ومن الواضح ان القلق من مكان العمل يمكن ان يؤدي مباشرة الى اعاقة الاداء في العمل. تقول كاتبة العمود المعروفة في الفاينانشل تايمز لوسي كلاوي ولو من باب الطرافة تقول ان ذلك كان له تأثير كبير على عملها .

والجدير بالذكر انه رغم ان العمل في الشركات يجري يوما بعد يوم والموظف يعمل من وراء شاشة حاسوب الا انه لايزال تقدم الموظف في العمل تحت السمع والنظر\المراقبة . فقد نصح تقرير لشركة (آي بي أم) المدراء من الاناث في الشركات على كيفية التمكن من الوصول الى المناصب التنفيذية كما اوصى التقرير بضرورة التطوع في المناسبات التي تتطلب التحدث الى الجموع والمشاركة في المناظرات التي يحضرها جمهور وفي التدوين على النت و التغريد للتعريف بنفسك الى بقية منتسبي الشركة..
ويحدد هارفي كولمان وهو مستشار شركات ومؤلف كتاب " مكن نفسك " ثلاثة عوامل للنجاح في العمل وهي : الاداء والصورة والتعريف بالنفس . الا ان هذه العوامل تتفاوت نسبها في النجاح حيث يشكل التعريف بالذات 60% ثم الصورة 30% والاداء 10%
اما مدرب فن الالقاء ستيف بوستن من هيئة الارشاد في مجال فن الالقاء والعرض فيتفق ما ذكره كولمان بالقول ان فن الالقاء لم يعد امر خياري.
ويضيف انها مهارة تجارية اساسية تتطلب ان يتعلمها ويمارسها الموظف مثل اية مهارة اخرى. ومن المعروف في مقابلات التوظيف خاصة للمناصب العليا اصبح الان يتطلب تقديم عرض الى لجنة المقابلة.
ولما حلت المؤتمرات عبر الفيديو حلت محل المكالمات الهاتفية وجد العمال ان وقت التحدث الوجاهي ا صبح مطلوب اكثر الان. ويقول بوستن فكرة الاتصال بين فرد والجماعة اصبحت الان ضرورة.
حيث يواصل بوستن القول ان حضور المؤتمرات لا يتطلب السفر جوا ولكن يطلب مجرد اتصال عن طريق الفيديو ومن المكتب.
كما انه غيرت شعبية وتأثير "تيد"( TED) سلسلة المؤتمرات المهتمة بنشر الافكار التي تستحق النشر في كل مجال غيرت توقعات المتلقي . مبدئيا ولدت "تيد" بشكل مؤتمر سنوي بخصوص التكنولوجيا والتصميم في فانكوفر في كندا في 1984 ومتوفرة على النت منذ2006 تحت شعار " افكار تستحق النشر" وقد اصبحت محادثات المؤتمر ظاهرة ثقافية . يظهر في هذه الفعالية خبراء كل منهم يتحدث 20 دقيقة وقد تمت مشاهدتهم عبر النت من قبل اكثر من بليون شخصا في العالم تقريبا وترجمت الى اكثر من 100 لغة
ويقول بوستن ان مهارة هؤلاء المتحدثين قد زادت من توقعات الباقي منا.وبإمكان المرء مشاهدتهم الان على اليوتيوب وعندما يذهب الناس الى المؤتمرات او الى نشاطات عمل يتوقعون المتحدثون ان يكون متحدثين جيدين لان طلبات الناس زادت و صعبت تلبيتها
وهذا الامر شيء غير سار بالنسبة للأشخاص الذين يتخوفون من التحدث للجموع. ويقول باري لوفمان عالم النفس المهني ومقره في براتين في بريطانيا ان أولئك الذين يقدمون عروض الى نظرائهم مرة واحدة في السنة فقط يصعب عليهم تحسينها.
ويقول لوفمان يعود السبب في ذلك الى الطبيعة البشرية المتجذرة في كل منا حيث تصبح عقولنا تفكر بالخطر اكثر من الحصول على المكافأة بزيادة قدرها ثلاث مرات اكثر من الحالة الطبيعية. لذلك عندما نواجه بمجموعة لا نعرفها من الناس يزداد تفكيرنا بالخطر.
عقولنا عندها تلجأ الى المقاومة او الهروب وعندما يحدث هذا يفرز سائل الأدرينالاين مادة الى الجسم وهو سائل منبه للقلب وتزداد نبضات بعده القلب . اذا المرء اراد الهروب او المواجهة شيء عظيم ولكن البقاء على ما هو عليه الحال مصحوب بالحصول على هذا السائل لإعطاء الطاقة يقلص الحنجرة ويؤدي الى الخجل والتعرق.
ان السبيل الى النجاح هو التحضير للعرض كما يقول كل من بوستن ولوفمان . بدلا من تعلم وحفظ عرضك كاملا يوصي الخبراء ان يقوم مقدم العرض فقط بحفظ المقدمة المكونة من جملتين او ثلاث او لما يكفي لعدد قليل من الدقائق الاولى كي يبدأ بداية جيدة . وبعد ذلك عليه استعمال بطاقات الدلائل او السلايدات خلال مراحل العرض التي تعقب ذلك.
كما يقترح لوفمان ان يقوم مقدم العرض بتصور مقدما وضع العرض ذهنيا حيث عليه ان يتصور شكل القاعة واين ومكان وقوفه فيها . رد فعل العقل تماما كالفعل اثناء التفكير
والمعروف انه اذا انت رسمت صورة لفكرة ثرية في عقلك تبدأ حينها بتقليل القلق والتوتر.
الا ان هناك لا بديل للممارسة امام الجمهور .حيث انضم العديد من الاشخاص الى منظمة الالقاء العام الدولية ( توست ماستر) للممارسة المهارة بما في ذلك غلن سفج . في عام 2000 عندما عرض له الاختيار بين البقاء في عمله الصيدلاني او الوقوف والالقاء اختار مواجهة الخوف أي الالقاء









وبمساعدة اضافية من علم اللغويات النفسية الذي يركز على التركيب اللغو ي والانماط السلوكية للأفراد. بدأ سفج بالتغلب على اعتقاداته ومخاوفه المقيدة وتعتبر نقطة الانعطاف الاولى جزء رئيسي من نصيحة تقول: الامر لا يخصك وانما يخص الجمهور. فان معظم الناس الذين يتعرضون للخوف من الالقاء امام الجمهور لانهم يركزون على الذات. خوفك يكون على الشكل الاتي " ماذا سيحدث اذا كان ادائي كارثي وماذا اذا فشلت . في الحقيقة الامر المهم توصيل الرسالة الى المتلقي . واذا احبك الجمهور فذلك شيء اضافي في صالحك
وبعد مرور اكثر من 50 سنة على تجربته . اصبح (سفج ) يتحدث الى الجمهور ويسير على خشبة المسرح لتقديم كلمة رئيسة في المؤتمرات ذات الجماهير الغفيرة . حيث يقول كنت افكر انه من دواعي السرور والتميز هو الحصول على الفرصة للتحدث للناس ومشاركة افكارهم بدل من التفكير بان هذ1الامر مخيف . والان اصبح سفج متحدث دوري في المؤتمرات ويدرب الاخرين للتغلب على مخاوف التحدث للجمهور
وبهذا تعتبر الممارسة والثقة بالنفس هي من اسس النجاح واسلحة القضاء على الفشل وهذا هو شأن فن الالقاء والتعامل مع المجاميع.



Advertise on Sotaliraq.com? Click here for more information!

Copyright © 1998-2017 Sotaliraq.com - All rights reserved / جميـــع حقـوق الطبع والنشر محفوظة لصوت العراق
Home | News & Reports | Articles | Privacy Policy | Contact Us

Google